المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ][][ تربية الأولاد في الميزان ][][


][][ SiCK_LOvE ][][
04-08-2007, 08:12 PM
تربية الأولاد في الميزان



بقلم: الدكتورة لينة الحمصي

وقفت باكية العينين مكلومة الفؤاد، وقد عقدت الدهشة لسانها فلم تحر جواباً، وهي ترى ابنها الحبيب ذا الخمسة عشر عاماً يضيع منها في ليلة ليلاء، وهي التي حملته في أحشائها تسعة أشهر مرت عليها كمر السنوات، ثم ربته طفلاً حتى بلغ أوان الشباب، وكم قاست الأمرَين حتى رأته يافعاً قد اشتد عوده و صلب و استقام ... أما هو ابنها فقد وقف يرقبها من بعيد وعلى وجهه ابتسامة ساخرة ... لم تشعر الأم بوجوده ولا بتلك النظرات الحانقة الساذجة التي كان يرمقها بها، إلا بعد أن مرت بالقرب منه مطرقة كاسفة البال شاردة الذهن، ولكن قلبها الذي لم يعرف إلا الحب و الحنان راح يدق بسرعة، و كأنه ناقوس خطر جاذباً انتباهها إلى ما قبل خطوات، فاستدارت ليرنو بصرها إلى ولدها الحبيب ممسكاً به أبوه الجديد و معانقاً باليد الأخرى أمه الجديدة، كان موقفاً صاعقاً جرَد الأم من كل ما كانت تحاوله من تصنّع الشجاعة ورباطة الجأش، وأحست بقدميها ترتجفان، و بجسمها يترنح ذات اليمين و ذات الشمال، و حالفها الحظ حين وجدت بجانبها جداراً ترتكز إليه ... و ما هي إلا لحظات حتى امتدت إليها يد حانية تسندها برفق وترَبت على كتفها بحنان، إنه زوجها الذي خرج لتوه من قاعة المحكمة مغضباً ليلحق بزوجته اليائسة، فوجدها على هذه الحال على بعد خطوات من باب المحكمة، الذي يفترض فيه أن يكون باباً إلى العدالة و السلام، فجاء الحال نقيض الحال ... ونظرت الزوجة إلى زوجها وقد فاض بها الأسى، فأجهشت على صدره بالبكاء، ثم قالت بصوت متهدج يلوك الأسى ويعتصر الألم : سعيد لقد ضاع منا ابننا إلى الأبد يا سعيد ... ضاع ... ضاع ... فأخذ الزوج البائس يهدئ من روع زوجته، ولكنه لم يستطع هو الآخر أن يتمالك نفسه حين رأى ابنه يمر من أمامه هو و والداه اللذان لم يعرفاه من قبل فانخرط في البكاء ... كان هذا درساً قاسياً للوالدين اللذين طمعا قبل عشرين سنة بالدخل الضخم الذي يدرّه عمل الأب في تلك البلد الأجنبية، و طمعا في تلك الرفاهية التي تقدمها الدول الأوربية لأبنائها، فيعيشون في جنة الأرض قبل جنة السماء ... فهجرا الوطن و الأهل و الخلاَن، و لم يخطر ببال أيّ منهما أن تلك الحضارة الجوفاء ستنتزع منهما ابنهما لأتفه الأسباب ... وأمام هذه الصدمة العنيفة كان القرار حاسماً,ألا وهو الرجوع إلى الوطن بما تبقى من أولاد, فذاك خير من أن تطال اليد حتى هؤلاء الأولاد الثلاثة ... فحزما الأمتعة, وسلكا طريق الرجعة خائبين خاسرين ... رجعا إلى بلادهما العربية ولم يغب عن بالهما أبداً طيف ولدهما الذي لم يفكر بهما ولا لحظة واحدة، حتى أنه لم يكلف نفسه عناء توديعهما ولا مراسلتهما، وكأن كلما ما قدماه له في تلك الخمسة عشر عاماً هو سراب ... كان الأب لا يفتأ يردد أنا السبب,أنا السبب... فلولا تلك الليلة الرعناء التي امتدت فيها يداي إلى ابني بالضرب والشتم لما كان ما كان ... ويأتي صوت زوجته المخلصة مواسياً له في تلك المحنة القاسية ومنقذاً له من آلام الضمير وتأنيبه لتقول له : لا يا حبيبي , الذنب ليس ذنبك , لقد كان هدفك تربية ولدك وتأديبه، ولم يكن هدفك قط أذيته أو تحطيمه...
إنه ذنب تلك القوانين المجرمة التي لم تترك لنا فرصة لتأديب أو تأنيب... ولم يبرح مخيلتهما أبداً كيف امتدت يد الابن المتنكرة الساخطة اللاعنة إلى سماعة الهاتف مستدعية الشرطة , وكيف هرعت الشرطة إلى دار الوالد المسكين ، ليسوقوه وابنه إلى قسم الشرطة، حيث ادّعى الابن ضرب أبيه له ... وعقب محاكمة ساخرة يظن أنها عادلة وبعد إثبات الأدلة والبراهين الساطعة, على أن يد الأب الآثمة قد تناولت الابن بالضرب ... بعد هذا كله صدر حكم المحكمة بانتزاع الولد من حجر أبويه ورعايتهما ... إلى كفالة والدين جديدين يقومان بتربية ورعاية حق الرعاية بلا ضرب ولا إيذاء .. هذه قصة حقيقية سمعتها قبل أيام أخبرتني بها إحدى زميلاتي عن أختها التي كانت في كندا ... ومثل هذه القصة المؤلمة قصص كثيرة نسمعها تتردد بين الفينة والأخرى ... ولا أنكر أن هذه القصة قد شغلت من تفكيري حيزاً كبيراً وأكثر ما آلمني فيها أن هذه الأم لم تنس ابنها أبداً حتى بعد ما لاقته منه من جفاء وهجران ... فأخذت وهي في موطنها الأصلي بعيدة عن ابنها تتسقط أخباره في الخفاء وتستعلم عن تطورات حياته يوماً بعد يوم عن طريق الاتصال بصديقاتها اللواتي في كندا ... حتى علمت ذات يوم أنه تخرج في جامعته برتبة الأول على دفعته فشقت عباب الصحارى والوديان والمحيطات وشدّت الرحال إلى كندا ... لتهنّئه في فوزه ونجاحه وهي تمنّي التنفس بلقيا الحبيب الذي لربما استشعر غلطته، وأحس ولو بقليل من الندامة، فإن هذا يكفيها، ولكن ويالهول المفاجأة ... لقد قابل ولدها عطفها ولهفتها بالنكران واللامبالاة وهي التي قطعت كل هذه المسافات الشاسعة لتمتّع نظرها برؤيته وتدفّئ قلبها بمعانقته ... عند ذاك فقط انطفئ آخر بصيص من أمل كانت قد عاشت على ضوءه الباهت سنوات , ومات ولدها إلى الأبد وهو ما يزال على قيد الحياة ...أحسستُ بشعور تلك الأم الثكلى وما بولدها موت , المفجوعة وما بابنها مسّ من جرح أو أذى ... وقلت في سرّي : إن يد المنية لو طالت هذا الابن لأهون بكثير مما آل إليه الحال...
وعشت مع هذه المسكينة أياماً لم تبرح قصتها مخيلتي , قررت أن أكتب هذه الصفحات علّني أجد الدواء , أو عساي في أقل الدرجات أن أضع بين يدي القارئ صورة مصغرة عمّا آل إليه حال تربية الأولاد من ترّد قاتل لا في الغرب فقط , بل في الشرق أيضاً الذي يظن نفسه أنه من هذه الناحية لم تطله يد البلاء ... والناظر في حال الدول الغربية قد يجد في نفسه مبرراً، فهم يحاولون جهدهم في الإصلاح، وهذا جهد المقل ... فأمام كل ما يحدث من حوادث مريرة في الأسرة، مردّها إلى الغلو في شرب الخمر إلى درجة الإسراف، لم يجد المشرعون عقوبة أخرى أردع من معاقبة الوالدين وحرمانهم من حق الأبوة الثمين، إذا ما اعتدى أحدهم على ولده بالضرب والإيذاء ... هذا فضلاً على أن مبدأهم السياسي في الديمقراطية والحرية قد أخذ ميدانه العملي , لا على صعيد السياسة فحسب، بل على جميع الأصعدة الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية، فلكل أن يعمل ما يحلو له إذا كان ضمن القوانين المرعية، فللولد أن يقول ويفعل ما يشاء، وليس للأب أو الأم السلطة أو صلاحية محاسبته أو تأديبه، حتى ولو تعدى حدود القانون،إذ السلطة في ذلك لأرباب السلطان من متنفذين ووجهاء، ففقد بذلك الوالدان حق الاحترام والطاعة، وأصبح الأبناء سيوفاً مسلطة على رقاب والديهم باسم الحرية والديمقراطية، ولقد نبئت في هذا الخصوص أن هذه التعليمات تلّقن للأولاد في المدارس قبل أن يلقنوا مبادئ القراءة والكتابة ... فتملى عليهم أرقام هواتف البوليس والطوارئ بحيث يكون بإمكانهم استدعاء النجدة في أي وقت شاؤوا، لتكون عندهم هذه الأخيرة في دقائق معدودة، تنقذهم من أي ضرر قد يحيق بهم ويسيء إليهم ويهدد حريتهم ..... ولا أكون قد جانبت الصواب إذا ما قلت مع كل هذه الصورة السيئة المفزعة لما وصل إليه حال الآباء والأبناء في الغرب، أجدني أرثي لحال الآباء والأبناء في الشرق الذي يدعي أنه مسلم، أكثر مما أرثي لحال هؤلاء،فلربما يكون لهؤلاء عذرهم، ألا وهو غياب قوانين عدالة السماء، ومحاولتهم جاهدين في استنان قوانين ظنوا أن فيها الخير والصلاح , الأمر الذي لا نجد له مبرراً فيما وصل إليه الحال في بلاد الشرق، حيث الضغط والكبت في أغلب الأسر، فلا يجد الابن له مفراً من الخنوع والخضوع حتى ولو كان لا يفهم السبب فيما طلب إليه أو منع منه ... بل يكفي في هذا أن هذه هي إرادة الأب أو الأم ... ونجد الولد في أكثر الأحيان ممتهناً ذليلاً لا احترام له ولا اعتبار، يخاطب بأبذأ العبارات ويلقب بأردأ الألقاب ... وإذا ما فتح فاه يوماً من الأيام بالاعتراض، فلا يكون جزاؤه إلا الضرب والشتم، وقد يتعدى الأمر إلى الطرد والنبذ ... فلا يجد له مأوى إلا في أحضان المتسقطين من أبناء السوء أمثال هؤلاء المتسكعين المنبوذين، فيؤول بهم الأمر في نهاية المطاف إلى الإجرام .
ألا يوافقني القارئ العزيز الرأي في أن هذه الصورة السيئة أشد وبالاً وأنكى من سابقتها، وكيف لا يكون هذا وبين أيدي المسلمين قانون سماوي مقدس، يرسم صورة رائعة لطريقة تعامل الآباء مع أبنائهم والأبناء مع آبائهم، واضعاً في هذا لائحة شاملة لحقوق كل من الآباء والأبناء وواجباتهم، وأهم ما يقال عن هذه الحقوق والواجبات:أنها تقيم علاقة مضبوطة مميزة بين الآباء والأبناء بحيث لا يطغى أي منهم على الآخر, الآباء لهم حقوق وعليهم واجبات تجاه أبنائهم، والأبناء بالمقابل لهم حقوق وعليهم واجبات تجاه آبائهم، ويقوم الضمير الإيماني في هذا مقام الحارس الأمين الذي يسهر على تنفيذ القوانين على أفضل وجه وأتمه ... أجل إنها قوانين سامية عملت على إرساء دعائم حرية الإنسان واحترام شخصيته وكيانه، وهي مع هذا حرية موجّهة، تعرف مالها فتطالب به وما عليها فتؤديه، حرية تعود على صحابها بالنفع والخير دون أن تمس أياً من الآخرين بأذى ... ولكن للأسف إن حال كثير من المسلمين اليوم يذكرني بالمثل القائل:" أحمق من هبنّقة" الذي صنع لنفسه قلادة من خزف وعظام، ووضعها في عنقه، فسئل عن ذلك فقال : لأعرف نفسي لئلا أضل .. فاستيقظ يوماً ليجدها في عنق أخيه. فقال عن أخيه : هذا أنا, فمن أنا ؟
واليوم نجد من المسلمين من ينعق بتغيير المفاهيم السائدة عن تربية الأولاد في المجتمع الإسلامي، بحجة أنها تعاليم بالية قد أكل الدهر عليها وشرب، واستبدالها بما وصلت إليه حضارة الغرب في هذا المجال، ظناً منهم أن كل ما وصل إليه هؤلاء هو الأحسن والأجود، وأن كل ما عليه المسلمون من جهل وتخلف إنما مردّه إلى تمسكهم بتعاليم الإسلام القديمة، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث والتمحيص في حال الغرب والمسلمين على السواء، ودون أن يعلموا شيئاً عن تعاليم الإسلام، التي باتت في واد والمسلمين في واد آخر، بل لقد كان قائدهم في ذلك كله تبعية عمياء وجاهلية جهلاء .... ولو أنهم درسوا تعاليم الإسلام في ذلك حق الدراسة وفهموها حق الفهم، لما رضوا عنها بديلاً، بل لركضوا إليها ينهلون من مَعِينِها كما يركض الظمآن الضال في الصحراء إلى الماء الزلال ..... هذه التعاليم التي لو درسناها حق الدراسة من نبعها الأصلي: القرآن الكريم والسنة الشريفة الصحيحة، لوجدنا فيها ما يثلج الصدر ويسر القلب ويمتع النظر


اخوكم : مـــــحـــــمـــــد:101:

الجوووري
04-08-2007, 09:23 PM
هلا وغلا

محمد ..



موضوع قيّم وجميل

شكراً علىى النقل الهادف

بإنتظار جديدك ..


:101:

][][ SiCK_LOvE ][][
05-08-2007, 07:00 AM
العفو ,,,


وشكرا على المرور الكريم ,,,


اخوكم : مـــــحـــــمـــــد