المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حــــذاء أبــي ....


قصائد
10-03-2008, 07:11 AM
قصة قصيرة للأديب (( عبدالله ال متعب ))
حصلت هذه القصة على المركز الأول في مسابقة تعليم جدة لعام 1425 هـ

( حــــذاء أبــــي )



اجتمع التلاميذ حول المدرسة وكان الجو شديد البرودة والسماء ملبدة بالغيوم وذرات المطر تنساب ناعمة على رؤوسنا .
الجميع ينتظر العم علي ليفتح لنا باب المدرسة الضخم والذي طلي باللون الأزرق حتى أصبح علامة مميزة في قريتنا فلا أكاد أرى ذلك الباب حتى تلوح في وجهي عصا مدرس القرآن وصفعات المدير وزمجرة العم علي الذي هو صاحب المدرسة .

وقبل أن يفتح لنا باب المدرسة كان عليه أن يخرج قطيعا من الأغنام ويؤمن لها مكانا آمنا على مقربة من المدرسة فضلا عن تفقد صغار القطيع . كل هذا ونحن نرتجف بردا وتكاد أوصالنا تتجمد وكان يقع بجانب المدرسة مكان صغير يشبه الحانوت يبيع فيه أبي بعض المواد الغذائية المعلبة (والبسكويت ) والحلوى وأقلام الرصاص . وكان الوحيد في قريتنا الصغيرة ولكنه اليوم موصد الأبواب لأن أبي مصاب بوجع في بطنه ولكنه وجع عابر لن يلبث طويلا كما في المرات السابقة هكذا قالت لي أمي وهي تضع في حقيبتي (كسرة) من الخبز الذي صنعته بنفسها .

أخيرا وصل العم علي وفتح لنا باب المدرسة وتهافتنا مسرعين إلى الفصول ليس حبا فيها ولكن هربا من سياط البرد وحبات المطر التي بدأت تتساقط بغزارة .

اعتدلت جالسا على مقعدي الذي يشاركني فيه أحد أبناء القرية المجاورة والذي لا أكن له ودا كبيرا آنذاك . وما أن سرى الدفء في أوصالي حتى دخل مدرس القراءة ذو اللحية الكثيفة والذي كنت أحبه كثيرا لأنه يشبه أبي …… أبي ؟؟ آه يا أبي المسكين إنه يرقد في فراشه مريضا دون أن يفتح عينيه ولكن أمي أخبرتني أنه سيكون بخير .

وما أن خلع المعلم ( جبته ) الضخمة وبدأ في درس اليوم حتى دفع باب الفصل بقوة وإذا بالعم علي يطل علينا بملامح جامدة أقسى من برد الشتاء أمسك بذراع الأستاذ صالح وجذبه خارج الفصل وما لبث أن عاد الأستاذ وأطل علينا بعينين كسيرتين جال بهما في أرجاء الفصل حتى تسمرت علي فكدت أتجمد خوفا .

أشارإلي بكفه طالبا مني التقدم فكادت قدماي ألا تحملاني إليه .. دار في خلدي أن العم علي قد شكاني إلى الأستاذ لأنه رآني بالأمس وأنا أتسلق شجرة المشمش التي في فناء بيته .

أغمضت عيني أمام الأستاذ وتشنجت عضلات وجهي منتظرا صفعة عليه ، وما أن مد يده حتى انتفض جسدي الصغير فإذا به يضع يده على رأسي بحنو شديد لم أره إلا في وجه أبي :

· اذهب مع عمك علي إلى البيت فأمك تطلبك .

جحظت عيناي عندما سمعت ما قاله المدرس ولم أصدق ذلك إلا عندما سمعت صوت العم علي يناديني قائلا هيا يا أحمد بسرعة .

عدت إلى مقعدي تناولت حقيبتي بيدي وخرجت من الفصل وأنا أكاد أطير فرحا اليوم لا ضرب ،

لا صفعات ، لا عصا ، لا خوف ……… آه ما أسعدني بكل هذا .

سرت خلف العم علي وأنا أنظر إلى كفيه التي شبكهما خلف ظهره وطأطأ برأسه وهو يسير بسرعة كعادته دائما .

وما أن وصلنا إلى البيت حتى تركني ودخل إلى البيت المجاور لنا وقد شد انتباهي عدد هائل من الأحذية أمام عتبة الدار . لم أر مثلها في حياتي كلها . حتى في صلاة الجمعة لم أر أحذية كهذه .

دخلت بيتنا وأنا مشدوه بهذا كله فزادت دهشتي عندما رأيت بيتنا يعج بنساء كثيرات متشحات بالسواد وهذه أمي تضع على وجهها قطعة من القماش وينتفض جسدها كله .

ترى ما ذا يحدث هنا ؟ ؟ ؟

الوجوه شاحبة ..

والحركة كثيفة …

الأحذية كثيرة …

وجدتي وأمي تبكيان ، وأين أبي …. ؟

لا أراه على فراشه … لقد كان يرقد عليه صباحا ……

انطلق إلى بيت الجيران .. أحملق في أحذية الرجال أمام عتبة الدار …

أبحث عن حذاء أبي …… لا أجده

أطل برأسي داخل المجلس …

الوجوم في كل مكان … الوجوه كثيرة … حتى الأستاذ صالح والعم علي ومدير المدرسة بل كل المدرسين … ولكن أبي ليس هناك ..

الأستاذ صالح يشبهه كثيرا ولكنه ليس أبي …

آه تذكرت ربما يكون أبي في ( الدكان )..

انطلق مسرعا إلى الدكان علي أجده هناك ..

أعدو بسرعة أسابق رذاذ الماء المتطاير الذي يبلل رأسي ..

يجب أن أخبر أبي عما يجري في الدار ..

ربما أنه لا يعلم ..

آه ……؟ إن الدكان مغلق ؟

ألقي بجسدي المتعب على باب الدكان ..

أنظر إلى السماء التي استحالت سوداء ..

المطر يشتد …… ويشتد …

أراقب باب المدرسة الأزرق … ترى ماذا حدث ؟

ينفتح باب المدرسة .. يخرج منه بعض المدرسين ويتجهون صوب بيتنا …

ربما سيبحثون عن أبي …؟

وسأبحث عنه أنا أيضا .. سأجده يوما ، فهو يعلم كم أحبه ، ويعلم أيضا كم أحب تلك الحلوى التي أجدها دائما في جيبه .

بحثت عنه كثيرا ولكنني لم أجده ..

استحال طعم الحلوى بعده إلى مرارة أغص بها إلى يومي هذا .

فتى الرائدية
10-03-2008, 10:25 AM
الله يعطيك العافية

قصائد
11-03-2008, 07:41 AM
فتى النهضة

الله يعافيك .. بس كان ودي اشوف رأيك بالقصة !!!!!!!!!!