المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التفــــــــــــــــكر .!!!


أبو الوليد
30-06-2008, 07:55 PM
http://www.alraidiah.org/up/up/19626102320071128.gif


التفكر

صالح بن فوزان الفوزان

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

قد أمر الله سبحانه بالتفكر والتدبر في كتابه العزيز، وأثنى على المتفكرين بقوله: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً [آل عمرآن:191] وقال: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الرعد:3].

وعن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله : { تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله } [رواه البيهقي].

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: ( تفكر ساعة خير من قيام ليلة ).

وقال وهب بن منبه: ( ما طالت فكرة امرىء قط إلا فهم، وما فهم إلا علم، وما علم إلا عمل ).

وقال بشر الحاقى: ( لوتفكر الناس في عظمة الله تعالى لما عصوه ).

وقال القربابي في قوله تعالى: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الأعراف:146] قال: ( أمنع قلوبهم التفكر في أمري ).

وكان داود الطائي على سطح في ليلة قمراء، فتفكر في ملكوت السموات والأرض، فوقع في دار جار له، فوثب عرياناً وبيده السيف، فلما رآه قال: ياداود، ما الذي ألقاك؟ قال: ما شعرت بذلك.

وقال يوسف بن أسباط: ( إن الدنيا لم تخلق لينظر إليها، بل لينظر بها إلى الآخرة ).

وكان سفيان من شدة تفكره يبول الدم.

وقال أبو بكر الكتاني: ( روعة عند انتباهة من غفلة، وانقطاع في حظ نفساني، وارتعاد من خوف قطيعة، أفضل من عبادة الثقلين ).


بيان مجاري الفكر وثمراته

اعلم أن الفكر قد يجري في أمر يتعلق بالدين، وقد يجري في أمر يتعلق بغيره، وإنما غرضنا ما يتعلق بالدين، وشرح ذلك يطول. فلينظر الإنسان في أربعة أنواع: الطاعات، والمعاصي، والصفات المهلكات، والصفات المنجيات. فلا تغفل عن نفسك، ولا عن صفاتك المباعدة عن الله، والمقربة إليه. وينبغي لكل مريد أن تكون له جريدة يثبت فيها جملة الصفات المهلكات، وجملة الصفات المنجيات، وجملة المعاصي والطاعات، ويعرض ذلك على نفسه كل يوم.

ويكفيه من المهلكات النظر في عشرة، فإنه إن سلم منها سلم من غيرها، وهي: البخل، والكبر، والعجب، والرياء، والحسد، وشدة الغضب، وشره الطعام، وشره الوقاع، وحب المال، وحب الجاه.

ومن المنجيات عشرة: الندم على الذنوب، والصبر على البلاء، والرضا بالقضاء، والشكر على النعماء، واعتدال الخوف والرياء، والزهد في الدنيا، والإخلاص في الأعمال، وحسن الخُلُق مع الخلق، وحب الله تعالى، والخشوع.

فهذه عشرون خصلة: عشرة مذمومة، وعشرة محمودة، فمتى كفي من المذمومات واحدة خط عليها في جريدته، وترك الفكر فيها، وشكر الله تعالى على كفايته إياها. وليعلم أن ذلك لم يتم إلا بتوفيق الله تعالى وعونه، ثم يقبل على التسعة الباقية، وهكذا يفعل حتى يخط على الجميع، وكذلك يطالب نفسه بالانصاف بالصفات المنجيات، فإذا اتصف بواحدة منها، كالتوبة والندم مثلاً، خط عليها واشتغل بالباقي، وهذا يحتاج إليه المريد المثمر.

فأما أكثر الناس من المعدودين في الصالحين، فينبغي أن يثبتوا في جرائدهم المعاصي الظاهرة، كأكل الشبهات، وإطلاق اللسان بالغيبة والنميمة، والمراء، والثناء على النفس، والإفراط في موالاة الأولياء، ومعاداة الأعداء، والمداهنة في ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فإن أكثر من بعد نفسه من وجوه الصالحين لا ينفك عن جملة من هذه المعاصي في جوارحه، وما لم تطهر الجوارح من الآثام، لا يمكن الاشتغال بعمارة القلب وتطهيره.

وكل فريق من الناس يغلب عليهم نوع من هذه الأمور، فينبغي أن يكون تفقدهم لها وتفكرهم فيها. مثاله العالم الورع فإنه لا يخلو في غالب الأمور من إظهار نفسه بالعلم، وطلب الشهرة، وانتصار الصيت، إما بالتدريس، أو بالوعظ. ومن فعل ذلك، فقد تصدى لفتنة عظيمة لا ينجو منها إلا الصديقون. وربما ينتهي العلم بأهل العلم إلى أن يتغايروا كما يتغاير النساء، وكل ذلك من رسوخ الصفات المهلكات في سر القلب التي يظن العالم النجاة منها، وهو مغرور فيها.

ومن أحس من نفسه هذه الصفات، فالواجب عليه الإنفراد والعزلة، وطلب الخمول والمدافعة للفتاوى، فقد كان الصحابة يتدافعون الفتاوى، وكل منهم يود لو أن أخاه كفاه. وعند هذا ينبغي أن يتقي شياطين الإنس، فإنهم قد يقولون: هذا سبب لاندراس العلم، فليقل لهم: فليكن فكر العالم في التفطن لخفايا هذه الصفات من قلبه.

وقد تقدم أن النبي قال: { تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله }. فالتفكر في ذاته سبحانه ممنوع منه، وذلك أن العقول تتحير في ذلك، فإنه أعظم من أن تمثله العقول بالتفكر، أو تتوهمه القلوب بالتصوير: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].

فأما التفكر في مخلوقات الله تعالى، فقد ورد القرآن بالحث على ذلك كقوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ [آل عمران:190] وقوله: قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [يونس:101].

ومن آيات الله تعالى الإنسان المخلوق من نطفة، فيتفكر الإنسان في نفسه، فإن في خلقه من العجائب الدالة على عظمة الله تعالى، ما تنقضي الأعمار في الوقوف على عُشر عُشره وهو غافل عن ذلك. وقد أمره الله تعالى بالتدبر في نفسه، فقال: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21].

ومن آياته الجواهر المودعة في الجبال، والمعادن من الذهب والفضة ونحوها، وكذلك النفط والكبريت والقار وغيرها. ومن آياته البحار العظيمة العميقة المكتنفة لأقطار الأرض، التي هي قطع من البحر الأعظم، المحيط بجميع الأرض. ولو جمع المكسوف من الأرض، من البراري، والجبال، لكان بالإضافة إلى الماء كجزيرة صغيرة في بحر عظيم، وفي البحر عجائب أضعاف ما تشاهده في البر.

وانظر كيف خلق اللؤلؤ، ودوَّره في صدفه تحت الماء، وانظر كيف أنبت المرجان في صم الصخور تحت الماء، وكذلك ما عداه من العنبر وأصناف ما يقذفه البحر وانظر إلى عجائب السفن كيف أمسكها الله تعالى على وجه الماء، وسيرها في البحار تسوقها الرياح، وأعجب من ذلك الماء فإنه حياة كل ما على الأرض من حيوان ونبات، فلو احتاج العبد إلى شربة ماء، ومنع منها لبذل جميع خزائن الأرض في إخراجها، فلا يغفل العبد عن هذه النعمة.

ومن آياته الهواء وهو جسم لطيف لا يرى بالعين، ثم انظر إلى شدته وقوته، وانظر إلى عجائب الجو، وما يظهر فيه من الغيوم والرعد والبرق والمطر والثلج والشهب والصواعق، وغير ذلك من العجائب. وانظر إلى الطير تسبح بأجنحتها بالهواء كما يسبح حيوان البحر في الماء، ثم انظر إلى السماء وعظمها وكواكبها وشمسها وقمرها، وما فيها كوكب إلا ولله تعالى فيه حكمة في لونه وشكله وموضعه، وانظر إلى إيلاج الليل في النهار، والنهار في الليل، وانظر مسير الشمس، كيف اختلف في الصيف والشتاء والربيع والخريف.

وقد قيل: إن الشمس مثل الأرض مائة ونيفاً وستين مرة، وإن أصغر كوكب في السماء مثل الأرض ثمان مرات، فإذا كان هذا قدر كوكب واحد، فانظر إلى كثرة الكواكب، وإلى السماء التي فيها الكواكب، وإلى إحاطة عينك بذلك مع صغرها. والعجب منك أنك تدخل بيت غني مزخرفاً بالذهب، فلا ينقطع تعجبك منه ولا تزال تذكره، وأنت تنظر إلى هذا البيت العظيم، ولا تتفكر في بناء خالقك، فلقد نسيت نفسك وربك، واشتغلت ببطنك وفرجك، فما مثلك في غفلتك إلا كمثل نملة تخرج من بيتها الذي حفرته في حائط قصر الملك، فتلقى أختها فتحدث معها في حديث بيتها، وكيف بنته وما جمعت فيه، ولا تذكر قصر الملك ولا من فيه، فهكذا أنت في غفلتك، فما تعرف من السماء إلا ما تعرفه النملة من سقف بيتك.

فهذا بيان معاقد الجمل التي يجول فيها فكر المتفكرين، والأعمار تقصر، والعلوم تقل عن الإحاطة ببعض المخلوقات، إلا أنك كلما استكثرت من معرفة عجائب المصنوعات، كانت معرفتك بجلال الصانع أتم. فتفكر فيما أشرنا إليه. فمن نظر في هذه الأشياء من حيث أنها فعل الله وصنعه، استفاد المعرفة بجلال الله تعالى وعظمته، وإن قصر النظر عليها من حيث تأثير بعضها في بعض، لا من حيث ارتباطها بمسبب الأسباب، شقي. نعوذ بالله من مزلة أقدام الجهال، ومن الركون إلى أسباب الضلال.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم



د- صالح بن فوزان الفوزان


:101:~~ وفقك الباري ~~:101:

http://www.alraidiah.org/up/up/19626104920071128.gif

:101: .. .. ومضـــــــــــــــــــــة .. .. :101:

:102: { انّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} :102:

اذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه ، وألف سمعك ؛

احضر حضور من يخاطبه به من تكلّم به سبحانه منه اليه ؛

فإنّه خطاب منه لك ، على لسان رسوله - عليه الصلاة والسلام -

بسووومه
30-06-2008, 09:36 PM
سبحان الله مااعظم خلقه
وما اجمله ،،لوتفكر الانسان في خلقه كيف خلق لكفاااه
يعاافيك ربي على هالكم الراائع من هالمعلومات القيمه


دمت بخيررررر

نانا2
30-06-2008, 11:05 PM
سبحان الله في خلقه وعظمة قدرته
سلمت على الموضوع

goree
01-07-2008, 01:30 AM
ربي يعطيك العافيه

ويجزاك بالجنه يارب

هناء نت
01-07-2008, 09:22 AM
حقيقةً جزاك الله خيراً يا أبا الوليد وسلم فكرك على هذا الموضوع ،
أيضاً جزى الله خيراً أستاذنا القدير الكتور صالح الفوزان على
هذا الكلام الرائع وجعل الله ذلك في ميزان حسنات الجميع
والله تعالى ولي التوفيق

نجم من الحواري
01-07-2008, 02:31 PM
وقال يوسف بن أسباط: ( إن الدنيا لم تخلق لينظر إليها، بل لينظر بها إلى الآخرة ).

لا اله الا الله محمد رسول الله


اللهم اثبتنا على دينك ياكريم


يعطيكم العافيه

ابو البراء
03-07-2008, 06:52 PM
جزيت خيرا ابا الوليد

مياسة
03-07-2008, 07:03 PM
إن الدنيا لم تخلق لينظر إليها، بل لينظر بها إلى الآخرة
اللهم لا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا

emey
03-07-2008, 10:02 PM
بارك الله بك اخي الكريم ونقع بك

طليفيح
04-07-2008, 01:55 PM
الله يجزاك خير يابو الوليد

تسلم يبناخي

محمود فايد
05-07-2008, 02:27 AM
الله يبارك فيك ويعطيك العافيه ابو الوليد تسلم ياغالي

الحب الصادق
05-07-2008, 02:50 AM
مراااااااحب

جميل جدا

بااااااااااارك الله فيك

@الود@
05-07-2008, 02:40 PM
سبحان الله
الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

لذكرى سأبقى
05-07-2008, 02:47 PM
بارك الله فيك ابو الوليد
والله يعطيك العافيه

الفراوله
05-07-2008, 08:21 PM
بارك الله فيكم


وجزاكم خيرا

تباين
06-07-2008, 11:03 AM
سبحان الله

جزاك الله خيرا

أبو الوليد
08-07-2008, 01:16 PM
http://www.alraidiah.org/up/up/19626102320071128.gif


شاكر لكم مروركم الجميل




لا حرمنا من تواصلك الرائع





اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما


:101:~~ وفقك الباري ~~:101:

http://www.alraidiah.org/up/up/19626104920071128.gif

:101: .. .. ومضـــــــــــــــــــــة .. .. :101:

:102: { انّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} :102:

اذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه ، وألف سمعك ؛

احضر حضور من يخاطبه به من تكلّم به سبحانه منه اليه ؛

فإنّه خطاب منه لك ، على لسان رسوله - عليه الصلاة والسلام -