المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أبو بكر الصديق.. رجل الدولة العظيم


ashrafmisry
27-09-2009, 02:59 AM
لم يعرف العربُ لهم دولةً في وسط الجزيرة العربية، لكنهم عرفوا الدولة في أطرافها: في الجنوب والشمال والشرق، كانت الدولة في اليمن، يحكمها الأحباش تارة، وتارة يحكمها الفرس، وكذلك دول الشرق أيضًا، حكمها الفرس بحكم الجوار والإطلالة على الخليج العربي، وفي الشمال كان المناذرةُ يتبعون فارسَ والغساسنةُ يتبعون الرومانَ يحمون حدود الدولتين من القبائل العربية التي كانت تمتهن الإغارة والسلب والرعي لتأمين حياتها.
وهكذا، كان العرب أمة ضعيفة... ومستضعفة! وهانوا على الأمم حينذاك، حتى غزاهم من اليمن أبرهة الحبشي يريد هدم البيت الذي تحج العربُ إليه، فأصابته هزيمة نكراء، عندما أرسل الحق سبحانه وتعالى جنودًا من خلقه، فأباد جيشه ورده عن هدفه، وسجل القرآن الكريم تلك الواقعة في سورة الفيل؛ قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [سورة الفيل].
لقد كانت دولتا الفرس والروم أعظم دول ذلك الزمان، عندما بعث الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- رسولاً في العرب إلى الإنسانية قاطبة، وجاء الإسلام عقيدة وشريعة، يختم رسالات الأنبياء ويهيمن عليها، فكان الصدام مع الوثنية، واليهودية، والنصرانية.
واليهود والنصارى أهل كتب سماوية، وقد كانوا يجدون في كتبهم خبر الرسول الذي يبعثه الله في أرض مكة، ولا يجدون جهداًً في معرفته، والتيقن من صدقه، وقد بين القرآن الكريم هذه الحقيقة: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146].
وما كان لهم إلا أن يدخلوا في الإسلام ويطرحوا غيره عنهم، ولكن العناد والمكابرة والحسد أدخلهم في صراع مرير مع الإسلام انتهى بطرد اليهود من الجزيرة وعقاب من تآمر منهم مع المشركين كما حدث مع بني قريظة بعد غزوة الخندق.
ولم يجبر الإسلام أحدًا على الدخول فيه، وترك للناس حرية العبادة إذا دفعوا الجزية لحمايتهم، وذاك هو ما أبقى أصحاب الملل المختلفة في المجتمع الإسلامي حتى الآن، مما يدل على تسامح الإسلام بعكس غيره من الأديان، فقد طرد المسلمون من الأندلس، ولم يرض النصارى في إسبانيا حتى بقاء (المورسيكيين) –وهم المسلمون الذين تنصروا معهم- بعد قرن ونصف من احتلال غرناطة، آخر معاقل المسلمين، وطردوهم خارج الأندلس!.
ومن المفارقات التي يجب أن تذكر في هذا السياق، أن اليهود الذين طردوا من الأندلس لم يجدوا لهم ملاذًا آمنًا إلا في الدولة العثمانية المسلمة التي تآمروا عليها فيما بعد، وعلى أرض فلسطين واتخذوها لهم وطنًا وشردوا أهلها منها!!
وبعدما انتشر الإسلام في الجزيرة العربية، وجدت نفسها للمرة الأولى تخضع لسلطان واحد ودولة واحدة، يحكمها الإسلام بعقيدته وشريعته. وكان ذلك الانقلاب في الحياة العربية، والتغير الحقيقي الذي لم يترك صغيرة ولا كبيرة في السلوك العربي مؤذنًا بأثر حضاري شرفت أمة العرب بحمله إلى العالم كله، رافعةً رايةَ التوحيد وداعيةً إلى عبودية الله وحده.
ومن صفات ذلك المجتمع وسماته العامة:
- العبودية لله.
- والمؤمنون إخوة.
- ودماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم... حرام.
- ومصدر السلوك والاعتقاد هو تعاليم القرآن الكريم، والسنة النبوية.
- ومصدر الشرعية في حكم المسلمين هو العمل بأحكام الشريعة.
وكان للقرآن الكريم بأسلوبه الساحر المعجز وإخباره عن الأمم السابقة وعما سيكون من بعث وحساب ومشاهد القيامة، ومخاطبته النفس البشرية بالترغيب والترهيب وفتح باب المغفرة، وبيان الأحكام في شؤون الحياة المختلفة، الأثرُ العظيم في إصلاح النفوس وإغرائها باحتمال التبعات، والتضحية بالنفس والمال ابتغاء مرضاة الله، فكان أن بنى جيلا من المسلمين في ذلك العصر، بذلوا أرواحهم رخيصة لنشر الإسلام وإعادة من ارتد عنه، بتضحيات جسام تفوق التصور والوصف!!.
كان لا بد من تلك المقدمة الموجزة، حتى يعرف للشخصية العربية المسلمة -التي نسجت دولة وقيادة على غير نسق سابقٍ يُحتذى، ونجحت في ذلك نجاحًا مذهلا- أثرها في القيام بالدعوة إلى الله ونشر الإسلام في أصقاع الأرض!!.
صحيح أن مفهوم الرئاسة والقيادة والسفارة عرفته الجماعات الإنسانية، ومنها العربية، لكن الدولة -بنظامها وحدودها وتبعاتها ومؤسساتها وتوطيد الأمن في أركانها ونشر سلطتها وأسلوب سياسية الأفراد والفصل بينهم فيما تأتي به الحياة من معاملات وأطماع- لم تكن معروفة في وسط الجزيرة وأطرافها الغربية!
كان رسول الله يبلغ عن ربه، ويشرع، وكان قائدًا عسكريًا مطاعًا، وكان يقضي بين الناس، ويفصل في المنازعات ويستشير أصحابه فيما يطرأ على حياتهم. وهكذا أعطاهم نموذج القيادة!
وما إن توفي رسول الله، حتى تداعى الأنصار: أوسُهم وخزرجُهم إلى سقيفة بني ساعدة، ثم وصل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة إلى الاجتماع، وحسم الأمر بتولي أبي بكر قيادة المسلمين.
وكان تلاشي الفتنة والفرقة والانقسام... هو ما كسبه المسلمون كلهم بخلافة الصديق لرسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا المنصب الذي يقف صاحبه أول الناس، ليس بينه وبين الله أحد - كما قال ابن الخطاب يومًا فيما بعد - ويتزاحم عليه بنو البشر تزاحمًا تتخطى فيه الرقاب، وترتكب فيه الحرمات، لما فيه من جاه وسلطان ومال، وإشباع ما في النفس الإنسانية من نوازع القيادة، والعظمة والفخر...
أين أبو بكر من ذلك كله؟!
قال: "والله ما كنت حريصًا على الإمارة يومًا ولا ليلة ولا سألتها الله في سر ولا علانية".
وذات يوم دخل عليه عمر رضي الله عنه داره، فألفاه يبكي، وما كاد يبصر عمر أمامه حتى تشبث به كأنه زورق نجاة وقال له:
- يا عمر لا حاجة لي في إمارتكم!
ولم يتركه عمر يتم حديثه، فبادره قائلاً:
- إلى أين المفر...؟ والله لا نقيلك ولا نستقيلك!
وفي "بيانه السياسي" -وهو الوثيقة التي لا نجد لها مثيلاً في الفكر السياسي قولاً وعملاً- رسم لنفسه ولقادة الإسلام ما عليهم أن يعملوه:
"أما بعد أيها الناس، فإني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسات فقوموني! الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أعيد إليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله. لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل. ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء. أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم، يرحمكم الله".
هذا الخطاب يستحق البحث والدراسة للمفاهيم التي يقدمها الحاكم المسلم في الحكم والسياسة، ووعائها العقدي ولكنني لست بصدد ذلك، ويكفيني إيرادها، على ما أننا بصدده.
لكني أسال بدافع مما استتر من نية وراء هذا البحث: هل يستحق أبو بكر أن يكون نموذجًا يحتذى في تفكيره وسلوكه وسياسته... الآن وفي هذا العصر؟؟
والسؤال فرضته الهجمة الشرسة على الإسلام وحضارته ورموزه ورجاله العظام، في هذه الأيام وأرصد في هذا الاتجاه موقفًا لأحد المفكرين العرب.
وفي العدد 550 من مجلة العربي الكويتية، وفي المؤتمر حول العقاد الذي عقد في الإسكندرية، جاء في الصفحة 198 على لسان د. صلاح فضل ما يلي:
"ويعتقد (د. صلاح فضل) أن صناعة هذا الوهم بفضل العبقريات، هو من النتائج الفادحة التي ترتبت على توظيف الدين لبحث عوامل النهضة، وكان لا بد أن يقف ذلك عند حد سياسي لا يتجاوزه، وهو أن هؤلاء كانوا عظماء في عصورهم وفي الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي مروا بها، ولكنهم يظلون بهذه القيمة التاريخية دون أن يتحولوا إلى مثل عليا أو نماذج، نحاول الآن تطبيقها في مجتمعاتنا؛ لأن منطق العصر قد تغير، وآليات التطور والحضارة قد اختلفت"!!.
إنه نموذج لما يكتب ويقال في مطالب "الإصلاح الثقافي" التي انتشرت في الناس، وما يتبناه بعض أبناء جلدتنا من تلك المفاهيم ويقصد منها: "كف هذا الدين عن الوجود أصلاً، وتنحيته عن مكان العقيدة، وإحلال تصورات وضعية أخرى مكانه، تنبثق منها مفاهيم وقيم وأنظمة وأوضاع تملأ فراغ العقيدة، وتسمى مثلها عقيدة".!!!
ونتابع مسيرتنا مع أبي بكر...
كان أبو بكر رضي الخلق، رقيق الطبع، رزينًا لا يغلبه الهوى ولا تملكه الشهوة، وكان لرزانته وحسن رأيه ورجاحة عقله لا يشارك قومه في كثير من عقائدهم وعاداتهم: لم يشرب خمرًا في جاهلية ولا إسلام، على ما كان من حب أهل مكة للخمر وإدمانهم لها. وكان نسابة، حسن الحديث، لطيف المعاشرة.
وكان رجلاً تاجرًا ذا خلق معروف، وكان رجال قومه يأتونه لغير واحد من الأمر، لعلمه وتجارته وحسن مجالسته.
وقد كان يحمل ديات قريش، تدخل فيما يدخل فيه، ولا تفعل ذلك مع غيره، لمعرفتها به صادقًا وعدلاً وموثوقًا!!
وسابقته في الإسلام ميزة!!
أسلم أبو بكر عندما عرض عليه الإسلام، دون تردد أو إبطاء! وتابعه على الإسلام كثيرٌ من خيرة الناس وأشرافهم: عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام وغيرهم.
وافتدي أبو بكر كثيرًا من ضعفاء المسلمين بماله، يخلصهم من العذاب والمحنة، وكان له من تجارته 40 ألف درهم، وعندما هاجر مع رسول الله إلى المدينة، لم يجد بين يديه إلا خمسة آلاف درهم.!!!
التواضع العظيم:
وذات يوم يقرع باب إحدى تلك الدور، وتسارع إلى الباب فتاة صغيرة، لا تكاد تفتحه حتى تصيح: إنه حالب الشاة يا أماه؟
وتقبل الأم فإذا بها وجهًا لوجه أمام الخليفة العظيم وتقول لابنتها في حياء: ويحك!! ألا تقولين خليفة رسول الله!!
ويطرق أبو بكر، ويهمهم مع نفسه بكلمات خافته لعله كان يقول: دعيها فقد وصفتني بأحب أعمالي إلى نفسي"!
وتقدم حالب الشاة إلى عمله ليؤدي الواجب الذي فرضه على نفسه.
أجل...
حالب الشاة للعجائز...
والعاجن بيديه خبز الأيتام!!
وهو أبو بكر الذي قال له ابن الدغنة، وهو يراه يريد الهجرة إلى الحبشة: "ويلك يا أبا بكر لا تهاجر، إنك تصل الرحم، وتصدق الحديث، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الدهر!!!
ذاك بعض خلقه، ويكفي للدلالة على مكانته العالية أنه من أصحاب الرأي، الذي يطلب لرجاحته والنجدة التي ترجى ليومها!!!
نذر التحدي... ونزل التصدع!!
ما إن جلس أبو بكر على كرسي القيادة، حتى دهمت الدولةَ الفتية ودينَها داهمةُ الردة! فبعض القبائل رفضت أداء الزكاة... والزكاة ركن من أركان الإسلام لا يجوز التدين إلا بها، وبعضها نقض عهده مع الإسلام كلية، وبعضها الآخر رفض الانصياع للقيادة الجديدة.
وهكذا واجهت الدولة ودينها تصدع الجغرافيا السياسة ونبذ العقيدة والشريعة ليرجع العرب إلى جاهليتهم وإلى تفتت بنائهم السياسي، و يشاور أبو بكر من حوله ويرى ما لا يراه غيره ويصر على مقاتلة المرتدين وعدم مساومتهم على أركان الدين!!! وقد أثبتت الوقائع فيما بعد، صدق توجهه، وسلامة قراره!!
ويعقد أحد عشر لواءً لقادته، ويوجه كلاً منهم إلى جهة من جهات التمرد، في كل أنحاء الجزيرة ويطلب منهم قبول الإسلام كله دون انتقاص... وإما الحرب!!.
وكان أشرس تلك المعارك "يوم الحديقة" في اليمامة، وقد أبانت شراسة تلك الحرب حقيقة الردة وحقيقة التحدي الذي واجهه الإسلام في تلك المحنة، وكانت شاهدًا على صواب قرار الحرب الذي اتخذه الصديق لحماية دين الله. وكسب الإسلام الحرب ضد الردة، وعاد التماسك إلى دياره الواحدة والاحترام والتقدير لقيادته وجيشه.
وكان من نتائج تلك الحرب:
- استشهاد عدد كبير من حفظة القرآن الكريم، حتى خاف بعض المسلمين من ضياع القرآن أو بعضه من جراء ذلك؛ فنبتت فكرة جمع القرآن الكريم، وبدأ جمع القرآن إلى أن تم ذلك في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه.
- تأكدت قدرات بطل الإسلام خالد بن الوليد العسكرية والقيادية الخارقة؛ فقد اضطلع بالعمل الأساسي والحاسم في إخماد فتنة مسيلمة الكذاب في أرض اليمامة... وتأكد صواب رأي الخليفة في اتخاذ قرار الحرب الذي حفظ الإسلام... ودولته المتماسكة، ويسر انتشاره فيما بعد!!
وأدت الحرب بطبيعتها إلى قتل أعداد كبيرة من المرتدين وعدد من المسلمين... وذلك يورث العداوات والثارات بين القبائل العربية، ويرى بعض الباحثين أن نفس أبي بكر حدثته بذلك... فكان قراره إلى جانب أمور أخرى بتوجيه المسلمين إلى غزو العراق ثم الشام.
لقد وجد الصديق رجلاً كالمثنى بن حارثة الشيباني، وهو رجل أبلى في حرب المرتدين ومناوشة الفرس يقول: "لقد اجترأنا عليهم" (الفرس) يغري الخليفة بحربهم !!!.
كان من الطبيعي أن تتطلع دولة الإسلام إلى من حولها من الأمم والدول. فالدعوة إلى الإسلام قائمة بلا حدود ولا قيود، والعراق مثلا تسكنه قبائل عربية تخضع لدولة فارس وترهقهم تلك الدولة بالضرائب، ولا يجدون من فلاحتهم للأرض إلا القليل!
وأرسل أبو بكر جيوش المسلمين إلى أرض العراق، ليدعوا إلى دين الله، ونبذ الوثنية وعبادة النار، والشرك. وهل يرضى الفرس بذلك.... وهم دولة قوية راسية الأركان ولم يكلفوا أنفسهم يومًا الاهتمام بالعرب بل تركوا أمرهم لأتباعهم المناذرة يكفونهم ذلك؟؟؟
وكانت الحرب..... وحقق خالد بن الوليد النصر تلو النصر، وتوالت الأنباء إلى المدينة تخبر المسلمين بما فعلت جنودهم هناك، وقد أذهلت انتصارات خالد خليفة المسلمين، وعبقريته وفعله، فأطرى خالدًا إطراء عظيمًا، وقال: "عقمت النساء أن يلدن مثل خالد"!!! وكان خالد يستحق تلك الشهادة... والفخر؛ لأنه لم يهزم في معركة خاضها ضد أعداء الله!
وعندما حمي الوطيس في مواجهة الروم في موقعة اليرموك؛ انتدب لهم الخليفة الصديقُ رجلَ المهمات الصعبة (خالد بن الوليد) من العراق! وقال: "والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد"!!
ويسجل خالد مأثرة عسكرية فريدة، بفكرته في قطع الصحراء ومغامرته، متسلحًا بإيمانه بالله ثم حدسه الذي لم يخذله وفراسته، فوصل سالِمًا مع جيشه البالغ عشرة آلاف مقاتل منهم القعقاع بن عمرو التميمي الذي جاء فردًا مددًا، من المدينة إلى العراق فأبلى مصدقًا ما قاله فيه الخليفة الصديق!
لقد قال الصديق فيه: وقد انتقده الناس وهو يمد الجيش بالقعقاع فردًا مددًا: "لن يهزم جيش فيه القعقاع. وإن صوته في المعركة بألف رجل!!!".
وكانت اليرموك معركة شرسة غير متكافئة العدد: الروم 240 ألفًا والمسلمون 40 ألفًا!!!
ودارت المعركة وكان خالد قائدها ومهندس سيرها، وكان أبو سفيان يتولى الحماسة والتحفيز ورفع الروح المعنوية، وتضعضع المسلمون ثم تماسكوا وانطلقوا كالأسود الهادرة حتى أكرمهم الله بالنصر ليخرج الروم بعد ذلك من كل بلاد الشام وتعود الأرض إسلامية.
وبعد كل ذلك... لا بد ثانية من طرح السؤال الذي هو السبب الداعي لهذا المقال: هل يستحق أبو بكر أن يكون مثالاً يحتذى في سياسة وخلق ومتابعة على منهاج الحكم الصالح الرشيد في هذا العصر كما كان في عصره؟؟؟
انبري كثيرون، عربًا وأجانب، حديثا وقديمًا، إلى جلاء العظمة الإنسانية، والقدرات الخلاقة، في حكم الناس والنظر إلى قضايا الدولة بعين الحرص والتضحية، وسلوك أولئك القادة العالي والرفيع، في إنصاف الرعية، والعدل بين أفرادها والحدب على فقيرهم والضعيف، تلك المناقب السامية، التي جعلت منهم نماذج تحتذى، وأئمة يقتدى بهم. ووجد الإسلام ورجاله، ورموز فكره، من ينصفهم قديمًا وحديثًا، ويدافع عن عظمة نفوسهم، ويدفع عنهم أصحاب الهوى والمشككين والطاعنين...
ويمر خاطر التساؤل في نفس (خالد محمد خالد) وهو يسطر كتابه ذا اللغة الشاعرية "وجاء أبو بكر" فيقول:
"ترى لو قدر لأبي بكر بشمائله هذه أن يكون رئيس دولة في عصرنا الحديث أكان منهجه هذا يتغير....؟؟
كلا...!!
صحيح أنه لم يكن سيحلب الشاة، ولا يطهو بيده الطعام، بيد أن شمائله تلك كانت ستعبر عن نفسها في مشاهد كهذه تناسب روح العصر، دون أن تبخس نفسها في شيء"!!
وأنا أرى الرأي نفسه.... فإن أبا بكر... يستحق أن يكون المثال المحتذى... بل هو خير مثال للحاكم العصري والحاكم في كل العصور!!
وصفات الحاكم الصالح هي هي، في كل عصر، وقد كانت كلها صفات الصديق، بل هي بعض من شمائله ومنها:
- العدل في الرعية والحرص على مصلحتها.
- أن يكون مثالاً في خلقه... وفي سلوكه.
- أن يحفظ لدولته حدودها.. وكيانها... ومصالحها، وأن لا يخرج على معتقداتها وأعرافها.
- أن يولي أصحاب الكفاءة... أمور الناس.
- أن لا يطمع في مال الدولة ولا يطمع فيه أحدًا.
قال سبحانه تعالى -يثبت الذين آمنوا على منهاجه، ويعزيهم، ويقويهم: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الأنعام: 116].
مراجع البحث:
- القرآن الكريم.
- الصديق أبو بكر– محمد حسين هيكل.
- وجاء أبو بكر- خالد محمد خالد.
- عبقرية الصديق- عباس العقاد.

ثلجة وردية
27-09-2009, 11:19 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خير وجعله بـ ميزان حسناتك
يع ــــطيك ربي الع ــــافيه
طـــرح رائـــــع
لاعدمناكـ
دمت بخير

أبوخديجة
30-09-2009, 02:42 PM
جزاكم الله خيرا

عبلوشة
30-09-2009, 09:27 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك........
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية

بو آية
30-09-2009, 09:28 PM
جزاك الله كل خير على هذه المعلومات