المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرحمه فى القران الكريم


عصوومه العجيبه
14-10-2009, 03:52 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الرحمة والتسامح
في
ضوء القرآن الكريم


الباحث
الشيخ / خلف بن علي بن حسين العنزي
الرئاسة العامة لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين ، كتب على نفسه الرحمة، قال تعالى: ((كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ )) [الأنعام : 12] ، شفقة منه بعباده سبحانه وتعالى بألا يقنطوا من رحمته ، بل رحمته سبقت غضبه ، قال صلى الله عليه وسلم «لما خلق الله الخلق كتب كتابا فهو عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي»
ورحمة الله سبحانه وتعالى تفضل منه وإحسان منه على عباده ، وهي رحمة واسعة تفيض على جميع خلقه وتسعهم جميعا ، قال تعالى: (( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ )) [ الأعراف : 156 ] .
والنعم والإحسان ، كله من آثار رحمته وجوده وكرمه ، وخيرات الدنيا والآخرة كلها من آثار رحمته قال تعالى: (( إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ )) [ الأعراف : 56 ] .
وما الرحمة التي تتراحم بها الخلائق منذ نشأتها وحتى يرث الله الأرض ومن عليها إلا جزء واحد من مئة جزء من رحمته سبحانه وتعالى بعباده ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا وأنزل في الأرض جزءا واحدا فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه» . وفي رواية لمسلم «إن لله مائة رحمة فمنها رحمة بها يتراحم الخلق بينهم وتسعة وتسعون ليوم القيامة» .
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن لله مائة رحمة قسم منها رحمة بين جميع الخلائق فبها يتراحمون وبها يتعاطفون وبها تعطف الوحش على أولادها وأخر تسعة وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة» .
ومن أسمائه جل وعلا ، الرحمن الرحيم ، قال تعالى: (( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )) [ الفاتحة :2 ] والرحمن أخص من الرحيم وأكثر مبالغة منه ولذلك لا يسمى به غير الله تعالى ، قال تعالى: (( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى )) [ الإسراء : 110 ] .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قال الله تعالى : أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشقتت لها من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته» .
ومعناه ذو الرحمة لا نظير له فيها ، وهي تعم جميع العالمين مؤمنهم وكافرهم ، تعم جميع الخلق صالحهم وطالحهم .
والرحيم رحمته تخص المؤمنين لقوله تعالى (( وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا )) [الأحزاب : 43 ] .
وأورد الطبري في تفسيره ، الرحمن بجميع الخلق ، والرحمن رحمن الآخرة والدنيا ، والرحمة موصوف بعموم الرحمة جميع خلقه ، والرحيم قال بالمؤمنين، وقال الرحيم رحيم الآخرة وأن التسمية بالرحيم موصوف بخصوص الرحمة بعض خلقه إما في كل الأحوال وإما في بعض الأحوال .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله " الرحمن ، الرحيم ، والبر ، والكريم ، الجواد ، الرءوف ، الوهاب ، هذه الأسماء تتقارب معانيها ، وتدل كلها على اتصاف الرب بالرحمة والبر والجود وعلى سعة رحمته ومواهبه التي عم بها جميع الوجود بحسب ما تقتضيه حكمته ، وخص المؤمنين منها ، بالنصيب الأوفر ، والحظ الأكمل " .
ومن رحمته سبحانه وتعالى أن أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ، قال تعالى: (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ))[ الأنبياء : 107 ] ، وقال صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا رحمة مهداة» .
ولقد امتن الله سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين أن بعث فيهم نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم فقال (( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ )) [ آل عمران : 146 ] ، وقال تعالى: (( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )) [ التوبة الآية : 128 ] .
فكان صلى الله عليه وسلم رحيما بأمته يرشدهم للخير ويحذرهم من الشر ، لينا معهم ، عطوفا عليهم ، رفيقا في تعامله معهم ، قال تعالى: ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ )) [ آل عمران : 159 ] .
ولقد أمرنا الله سبحانه وتعالى باتباع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم والعمل بسنته ، قال تعالى: ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )) [ الحشر : 7 ] .
والإسلام هو دين السماحة واليسر والسهولة ، ولقد كان من سماحة الإسلام أن جعل أحكامه وتشريعاته مبنية على التيسير ورفع المشقة والحرج ((وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )) [ الحج : 78 ] ، وقال تعالى: ((يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )) [ البقرة : 185 ] ، وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة» .
ولقد جاءت الشريعة الإسلامية السمحة بالتيسير على الناس وعدم إرهاقهم وتحميلهم ما لا يطيقون ، قال تعالى: (( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا )) [ البقرة : 286 ] .
وسماحة الإسلام هي رحابة مبادئه وسعة تشريعاته ، ونزوعه إلى اللين واليسر في كل أوامره وأحكامه دون إفراط وتفريط ، وتلبية لنداء الفطرة واستجابته لمتطلباتها في وسطية واعتدال ، والعدالة والمساواة بين البشر جميعا ، إذ لا فرق بين عربي أو أعجمي إلا بالتقوى قال تعالى: (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )) [ الحجرات : 13 ] ، وقال صلى الله عليه وسلم: « لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى »
ومن سماحة الإسلام الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن قال تعالى: (( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )) [ النحل : 125 ] ، وقال تعالى: (( وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )) [ العنكبوت : 46 ] وقال
تعالى: ((وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ)) [الحج : 68 ] ، قال صلى الله عليه وسلم « يسروا ولا تعسروا وسكنوا ولا تنفروا» .
ومن سماحة الإسلام عدم إجبار أحد من الكافرين بالدخول في الإسلام عنوة أو إكراها ، قال تعالى: (( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ )) [ البقرة : 256 ] ، وقال تعالى: (( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ )) [ الكهف : 29 ] .
ومن سماحة الإسلام العدل مع المخالف ، وجعل ذلك دليلا على التقوى التي رتب عليها أعظم الجزاء قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ )) [ المائدة : 8 ] .
فالله سبحانه وتعالى غزير الرحمة واسع العلم والاطلاع على مبادئ الأمور وعواقبها ، فهو سبحانه الموصوف بكمال الحكمة وبكمال الحكم بين المخلوقات ، قال تعالى: (( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ )) [الأنعام : 18