المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دروس من السنة الحلقة الرابعة


صبري علام
25-03-2010, 07:30 PM
الحلقة الرابعة


الحديث الحسن: وسطٌ بين الصحيح والضعيف، قال ابن القطّان في " بيان الوهم والإيهام " (1118): (( الحسن معناه الذي له حال بين حالي الصحيح والضعيف )) وبنحوه قال عقيب ( 1173 ) . وقال عقيب ( 1432 ) : (( ونعني بالحسن : ما له من الحديث منْزلة بين منْزلتي الصحيح والضعيف ، ويكون الحديث حسناً هكذا ؛ إما بأن يكون أحد رواته مختلفاً فيه ، وثقّه قوم وضعّفه آخرون ، ولا يكون ما
ضعّف به جرحاً مفسراً ، فإنّه إن كان مفسراً قدّم على توثيق من وثّقه ، فصار به الحديث ضعيفاً )) ؛ ولما كان كذلك عَسُر على أهل العلم تعريفه .

قال الحافظ ابن كثير : (( وذلك لأنّه أمر نسبيٌ ، شيءٌ ينقدح عند الحافظ ، ربّما تقصر عبارته عنه )) (اختصار علوم الحديث : 37) .


وقال ابن دقيق العيد : (( وفي تحرير معناه اضطرابٌ )) . ( الاقتراح : 162 ) .


وذلك لأنّه من أدق علوم الحديث وأصعبها ؛ لأنّ مداره على من اخُتلف فيه ، وَمَن وهم في بعض ما يروي . فلا يتمكن كل ناقدٍ من التوفيق بين أقوال المتقدّمين أو ترجيح قولٍ على قولٍ إلا من رزقه الله علماً واسعاً بأحوال وقواعد هذا الفن ومعرفةٍ قوية بعلم الجرح والتعديل ، وأمعن في النظر في كتب العلل ، ومارس النقد والتخريج والتعليل عمراً طويلاً ، ومارس كتب الجهابذة النقاد حتى اختلط بلحمه ودمه ، وعرف المتشددين والمتساهلين من المتكلمين في الرجال ، ومن هم وسطٌ في ذلك ؛ كي لا يقع فيما لا تحمد عقباه ؛ ولذلك قال الحافظ الذهبي : (( ثم لا تطمع بأن للحسن قاعدةً تندرج كل الأحاديث الحسان فيها ؛ فأنا على إياسٍ من ذلك ، فكم من حديثٍ تردد فيه الحفاظ هل هو حسنٌ أو ضعيفٌ أو صحيحٌ ؟ )) .
( الموقظة : 28 ) .



وللحافظ ابن حجر محاولةٌ جيّدةٌ في وضعه تحت قاعدة كليةٍ فقد قال في النخبة : (( وخبر الآحاد بنقل عدلٍ تامّ الضبط ، متصل السند غير معللٍ ولا شاذٍ : هو الصحيح لذاته … فإن خفّ الضبط ، فالحسن لذاته )) . ( النخبة 29 ، 34 ) .


وهي محاولةٌ جيدةٌ . وقد مشى أهل المصطلح على هذا من بعده . وحدّوا الحسن لذاته : بأنه ما اتصل سنده بنقل عدلٍ خف ضبطه من غير شذوذٍ ولا علةٍ )) . وشرط الحسن لذاته نفس شرط الصحيح ، إلا أنّ راوي الصحيح تامّ الضبط ، وراوي الحسن لذاته خفيف الضبط . وسمّي حسناً لذاته ؛ لأنّ حسنه ناشئ عن توافر شروط خاصّة فيه ، لا نتيجة شيء خارج عنه.


وقد تبين لنا : أنَّ راوي الحسن لذاته هو الراوي الوسط الذي روى جملة من الأحاديث ، فأخطأ في بعض ما روى ، وتوبع على أكثر ما رواه ؛ فراوي الحسن : الأصل في روايته المتابعة والمخالفة ، وهو الذي يطلق عليه الصدوق ، لأنّ الصدوق هو الذي يهم بعض الشيء فنـزل من رتبة الثقة إلى رتبة الصدوق . فما أخطأ فيه وخولف فيه فهو من ضعيف حديثه ، وما توبع عليه ووافقه من هو بمرتبته أو أعلى فهو من صحيح حديثه . أما التي لم نجد لها متابعة ولا شاهداً فهي التي تسمّى بـ ( الحسان ) ؛ لأنّا لا ندري أأخطأ فيها أم حفظها لعدم وجود المتابع والمخالف ؟


وقد احتفظنا بهذه الأحاديث التي لم نجد لها متابعاً ولا مخالفاً وسمّيناها حساناً ؛ لحسن ظننا بالرواة ؛ ولأنّ الأصل في رواية الراوي عدم الخطأ ، والخطأ طارئٌ ؛ ولأنّ الصدوق هو الذي أكثر ما يرويه مما يتابع عليه . فجعلنا ما تفرد به من ضمن ما لم يخطأ فيه تجوزاً ؛ لأنَّ ذلك هو غالب حديثه ، ولاحتياجنا إليه في الفقه . وبمعنى هذا قول الخطّابي : (( … وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء )) .
ولا بأس أن نحد ذلك بنسبة مئوية فكأنّ راوي الحسن من روى – مثلاً لا حصراً – مائتي حديث ، فأخطأ في عشرين حديثاً وتوبع في ثمانين . فالعشرون التي أخطأ فيها من ضعيف حديثه . والثمانون التي توبع عليها من صحيح حديثه . أما المائة الأخرى وهي التي لم نجد لها متابعاً ولا مخالفاً فهي من قبيل ( الحسن ) . ومن حاله كهذا : عاصم بن أبي النجود ، فقد روى جملة كثيرة من الأحاديث فأخطأ في بعض وتوبع على الأكثر فما وجدنا له به متابعاً فهو صحيح ، وما وجدنا له به مخالفاً أوثق منه عدداً أو حفظاً فهو من ضعيف حديثه. وما لم نجد له متابعاً ولا مخالفاً فهو (حسن). وممن حاله كحال عاصم : (( عبيدة بن حميد الكوفي ، وسليمان بن عتبة وأيوب ابن هانئ ، وداود بن بكر بن أبي الفرات ، ومحمد بن عمرو بن علقمة، والحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب، ويونس بن أبي إسحاق ، وسماك بن حرب)).



وهذا الرأي وإن كان بنحو ما انتهى إليه الحافظ ابن حجر العسقلاني إلا أننا لم نجد من فصّله هكذا . وهو جدير بالقبول والتداول بين أهل العلم . وقد يتساءل إنسانٌ بأن من قيل فيهم : صدوق أو حسن الحديث قد اختلف المتقدمون في الحكم عليهم تجريحاً وتعديلاً . وجواب ذلك : أنّ الأئمة النقاد قد اطّلعوا على ما أخطأ فيه الراوي وما توبع عليه فكأنَّ المُجَرِّح رأى أن ما خولف فيه الراوي هو الغالب من حديثه ، والمُعَدِّل كذلك رأى أن ما توبع عليه هو غالب حديثه فحكم كلٌّ بما رآه غالباً ، غير أنا نعلم أنَّ فيهم متشددين يغمز الراوي بالجرح وإن كان خطؤه قليلاً ، ومنهم متساهلين لا يبالي بكثرة الخطأ ، وعند ذلك يؤخذ بقول المتوسطين المعتدلين .


ولذا نجد الحافظ ابن عدي في الكامل ، والإمام الذهبي في الميزان يسوقان أحياناً ما أنكر على الراوي الوسط ثم يحكمان بحسن رواياته الأخرى ، والله أعلم .


وعلى هذا فالحديث الحسن : ما رواه عدل خف ضبطه عن مثله إلى منتهاه ولم يكن شاذاً ولا معلاً . وهذا هو الحسن لذاته . وهو يستوفي نفس شروط الصحيح خلا الضبط فراوي الصحيح تام الضبط وراوي الحسن خفيف الضبط .


وصلى اللهم وسلم وبارك علي عبده ورسوله محمد وعلي آله وصحبه وسلم