منتديات الرائدية

منتديات الرائدية (http://www.alraidiah.com/vb/index.php)
-   :: المنتدى العام :: (http://www.alraidiah.com/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   وقفات مع مؤتمر (http://www.alraidiah.com/vb/showthread.php?t=88305)

واحد منكم 24-04-2010 08:09 AM

وقفات مع مؤتمر
 
وقفات مع مؤتمر (ماردين دار السلام)


إنه في يومي السبت والأحد (11-12/4/1431هـ) الموافق (27-28/3/2010م) عُقد في مدينة ماردين جنوب شرق تركيا مؤتمر بعنوان: (ماردين دار السلام) نظمه المركز العالمي للتجديد والترشيد بلندن بالتعاون مع مؤسسة كانبوس الإسلامية للاستشارات بلندن وجامعة أرتوكلو بماردين حضره جمع من العلماء وطلاب العلم والمفكرين من عددٍ من الدول العربية والإسلامية ناقشوا فيه فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية الشهيرة والتي جعل فيها بلد ماردين - والتي كان أهلها مسلمين ويحكمهم آنذاك المغول- بلداً مركباً لا هو دار حرب ولا دار سلم، وكان هذا اجتهاداً منه موفقاً عصم الله به دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم، حيث كان التقسيم الشائع بين الفقهاء أن البلد إما أن تكون دار حرب (كفر) أو دار سلم (إسلام) فجاء شيخ الإسلام رحمه الله وقال ما نصه عن ماردين : (وأما كونها دار حرب أو سلم فهى مركبة فيها المعنيان، ليست بمنزلة دار السلم التي تجرى عليها أحكام الإسلام؛ لكون جندها مسلمين، ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار، بل هي قسم ثالث)؛ اجتمع المؤتمرون وناقشوا هذه الفتوى وأصدروا بياناً ختاميًّا وقَّعه عددٌ منهم وتحفظ عليه بعضهم.
ولنا مع هذا المؤتمر وبيانه وقفات:
الوقفة الأولى:
حضر المؤتمر عددٌ من المبتدعة وأهل الأهواء، كالرافضة وبعض غلاة الصوفية، وعددٌ ممن يطلقون على أنفسهم التنويريين، كما حضره عددٌ من أهل السنة والجماعة، المشهود لهم بالمعتقد الصحيح؛ اجتهاداً منهم بضرورة المشاركة في كل المؤتمرات لإسماع العالم صوت الحق، وقد رفض بعضهم التوقيع على البيان، ومع ذلك أدرجت أسماؤهم، فلا يُظَنُّ بهم إلا خيراً.
الوقفة الثانية:
فرح بهذا المؤتمر: العلمانيون والليبراليون والغرب بكل أطيافه وأشكاله من خلال وسائل إعلامه، ولم نر عالماً سنيًّا معتبراً أشاد به أو أثنى عليه، وإليكم بعض العبارت التي أُضفيت على المؤتمر:
· علماء بارزون: (فتوى ماردين) لابن تيمية لا تصلح لهذا العصر. (الحوار نت)
· فقهاء ينقضون فتوى «قديمة» لابن تيمية... ويقرِّون «فضاء السلام» بديلاً عنها. (صحيفة الحياة)
· مؤتمر (ماردين) يتَّهم أتباع شيخ الإسلام ابن تيمية بتحريف فتواه. (جريدة بر مصر)
· المؤتمر الذي عقد في تركيا اعتبر جميع دول العالم «فضاء سلام». (إيلاف)
· إعلان وفاة فتاوى ابن تيمية في تركيا. (الأخبار)
· المؤتمر مجرد خطوة واحدة ضمن مجموعة مساعي أخرى، لتعزيز المراجعات الفقهية الشرعية. (إذاعة هولندا)
· أعاد علماء دين مسلمون بارزون صياغة فتوى تعود إلى القرون الوسطى. (رويترز)

الوقفة الثالثة:
بعيداً عن تفسير فتوى ابن تيمية تفسيراً خاطئاً والتدثر بها لدى فئامٍ من الناس واستغلالها في فهم خاطئ للجهاد، فإنه لا يصح توجيهها توجيهاً خاطئاً لم يُرده شيخ الإسلام نفسه لتمييع قضايا الجهاد والولاء والبراء.
الوقفة الرابعة:
أصاب أصحاب البيان في الثناء على شيخ الإسلام ابن تيمية -رغم وجود من يعاديه بل ربما من يُكفِّره بينهم- وكما قيل: (الحق ما شهدت به الأعداء)، وذلك بقولهم في البيان: (ذلك أن ابن تيمية بما ألهمه الله من فهم للشريعة وفقه للواقع ...) فرحم الله شيخ الإسلام الذي أنطق الله الحق على لسان أعدائه – فضلاً عن محبيه- وجعلهم يثنون عليه ويعترفون أن الله ألهمه فهم الشريعة وفقه الواقع.
الوقفة الخامسة:
أخطأ أصحاب البيان في قولهم: (إن تصنيف الديار في الفقه الإسلامي تصنيف اجتهادي، أملته ظروف الأمة الإسلامية وطبيعة العلاقات الدولية القائمة حينئذ. إلا أن تغير الأوضاع الآن ووجود المعاهدات الدولية المعترف بها، وتجريم الحروب غير الناشئة عن رد العدوان، ومقاومة الاحتلال، وظهور دولة المواطنة التي تضمن في الجملة حقوق الأديان والأعراق والأوطان- استلزم جعل العالم كله فضاء للتسامح والتعايش السلمي بين جميع الأديان والطوائف في إطار تحقيق المصالح المشتركة والعدالة بين الناس)
ذلك أن تصنيف الديار إلى دار حرب ودار سلم وإن كان تصنيفاً اجتهادياً إلا أنه مما أطبقت عليه كتب الفقه الإسلامي من المذاهب الأربعة بل حتى المذاهب: الشيعية والزيدية والإباضية، فهو ليس من مفردات السلفية ولا الوهابية، ولا من اختراعات ابن تيمية، وهي مصطلحات باقية إلى قيام الساعة ما بقي إسلامٌ وكفرٌ، ويمكن أن تكون بعض الديار مركبة فتكون دار حرب من وجه، ودار سلام من وجه آخر، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذا كافٍ في الرد على من كفَّر المجتمعات الإسلامية، أو استباح أعراض المسلمين بحجة أنها دار حرب، فلا حاجة لإلغاء ما اتفق عليه فقهاء الأمة، بحجة وجود معاهدات دولية، ونشوء عالم كله فضاء للتسامح والتعايش السلمي بين جميع الأديان والطوائف، زعموا .
الوقفة السادسة:
وأخطؤوا أيضاً في قولهم: (وأصل مشروعية الجهاد ما كان دفعاً لعدوان {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} أو نصرة للمستضعفين {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ...} أو دفاعاً عن التدين {أذن للذين يُقاتَلون...} وليس ناشئاً عن اختلاف في الدين أو بحثاً عن المغانم)
فإنه وإن كان جهاد الدفع مقدماً على جهاد الطلب، إلا أنَّ الجهاد إنما شُرع لإعلاء كلمة الله ولإظهار التوحيد وطمس الشرك وأن يدين الناس بدين الإسلام، والله عزَّ وجلَّ يقول: { قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} فكيف يقول هؤلاء: (وليس ناشئاً عن اختلاف في الدين)، ولو تأمل أصحاب البيان قولهم: (أصل مشروعية الجهاد ما كان دفعاً لعدوان) لوجدوا أنه يعززاجتهاد من يرى مشروعية أعمال العنف في البلدان الإسلامية بحجة أنه دفعٌ لعدوان، فجاء البيان ليؤكد لهم ذلك ويقول لهم: إنَّ هذا هو أصل مشروعية الجهاد. وكان يكفيهم أن يستنكروا ويجرِّموا أعمال العنف في البلدان الإسلامية مع بقاء فرضية جهاد الدفع ومشروعية جهاد الطلب عند القدرة وتحت راية إسلامية واضحة.
الوقفة السابعة:
وأخطؤوا أيضاً في قولهم: (إن مفهوم الولاء والبراء لا يكون مُخرجاً من الملة ما لم يكن مرتبطاً بعقيدة كفرية) وهذه لوثة إرجائية، فإن الولاء بمعنى المحبة والنصرة للكافرين من الأعمال المكفرة التي لا يُشترط فيها الاعتقاد، كما نص على ذلك علماء الإسلام قديماً وحديثاً.
الوقفة الثامنة:
بعد أن أثنى البيان على فتوى ابن تيمية المشار إليها ووصفها بأنها: (فتوى متميزة في طرحها مشابهة في واقعها إلى حد كبير لعصرنا) (لما تختزنه من دلالات علمية وحضارية ورمزية متميزة) دعا المؤتمر بعد ذلك إلى إعادة النظر في تقسيم الفقهاء -وابن تيمية واحد منهم- فقالوا: (يقتضي أن يعيد الفقهاء المعاصرون النظر في هذا التقسيم لاختلاف الواقع المعاصر الذي ارتبط فيه المسلمون بمعاهدات دولية يتحقق بها الأمن والسلام لجميع البشرية وتأمن فيه على أموالها وأعراضها وأوطانها) وكان يسعهم ما وسع ابن تيمية- الذي أثنوا عليه وعلى فتواه- من تقسيم الديار إلى دار حرب ودار سلم ودار مركبة فيها المعنيان، وكل هذه الأنواع موجودٌ في هذا العصر، مع الإنكار على مَن عامل دار السلم أو الدار المركبة معاملة دار الحرب، أما جعل المعاهدات الدولية سبباً في إلغاء التقسيم، فهذا مما يعجب منه المرء! خاصة ونحن نرى أن دول الكفر- وعلى رأسها إسرائيل ومن عاونها- أول من يخرق هذه المعاهدات.
الوقفة التاسعة:
ليحذر العلماء والدعاة والمفكرون من أن يكونوا أداة يستخدمها الغرب في ضرب ثوابت الإسلام، ويحققوا بذلك - من حيث شعروا أو لم يشعروا- استراتيجياتهم، ومخططات مراكز دراساتهم واستشاراتهم، كمؤسسة راند وغيرها، بحجة بناء شبكات معتدلة في العالم الإسلامي، كما هو أحد عناوين فصول تقرير مؤسسة راند.
الوقفة العاشرة:
وليحذر المسلم من المؤتمرات والمراكز الإسلامية المستَغْفَلة أو المشبوهة، وليعرض بياناتها وتوصياتها على الكتاب والسنة، وليستعن بالعلماء الراسخين في العلم، والدعاة الربانيين الذين لم يتأثروا بضغوط الواقع وما بدَّلوا تبديلاً.
نسأل الله عزَّ وجلَّ أن ينصر دينه، ويعلي كلمته
والحمد لله رب العالمين


من ---- موقع الدرر السنية – قسم دراسات الواقع

special one 24-04-2010 02:37 PM

يعطيك الف عافية عالموضوع ..

انتقاء رائع

واحد منكم 25-04-2010 11:03 AM

الوقفة الثانية
 
سوف نقف في الوقفة الثانية مع مقال للشيخ / د.عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف - حفظه الله -

في كلامه عن هذا المؤتمر ، وسوف يتناول الشيخ - حفظه الله - الجوانب العقدية في هذا المقال وخطر تمييع قضية الولاء والبراء وتغيير وتبديل الحقائق والأهداف الحقيقية من مثل هذه المؤتمرات ، وإليكم مقال الشيخ :


( ماردين السلام ) و الدين المبدّل و المؤول

د.عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف


قرأتُ " إعلان ماردين السلام " و نتائج هذا المؤتمر ، و الذي أقيم بمدينة ماردين بتركيا في اليوم الحادي عشر و الثاني عشر من شهر ربيع الثاني سنة 1431 هـ ، و استبان أن المؤتمر قد تكالب على عقيدة الولاء و البراء بالشغب و التشكيك ، و الخنق و التضييق .

فقد استهل الإعلان بترسيخ ما أسموه بــ " الأخوة الإنسانية " ، فهذه الأخوة المزعومة من الأوجه الخداعة في تهوين عقيدة الولاء و البراء ، و إضعاف الأخوة الإيمانية .

ورحم الله العلاّمة بكر أبا زيد ، إذ حذّر من سراب " الإنسانية " فقال عنها : " إنها ضد الدين ، فهي دعوة إلى أن نواجه المعاني السامية في الحياة بالإنسانية لا بالدين .

إنها في المعنى شقيقة قول المنافقين : { وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } البقرة 14 .

و الخلاصة إنها محاربة المسلمين باسم الإنسانية ، لتبقى اليهودية ، ويمحى رسم الإسلام ، قاتلهم الله وخذلهم " 1 .

عمد المؤتمر إلى التشكيك و الطعن في تقسيم الديار إلى دار إسلام ، و دار كفر و حرب ، فزعموا أن هذا التقسيم مجرد آراء اجتهادية أمْلتها أوضاع سابقة ، لقد شرِق الكثير بهذا التقسيم ، ممن يؤثر استملاح الكفرة و ملاينتهم , والتودد للأنظمة العلمانية ، و الركون إلى العاجلة ، فلما صعبت تبعات الاحتساب والأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و دبّ داء الوهن في تلك النفوس ، و تنصّلت عن مراغمة أعداء الله – تعالى - بالجدال والجلاد ، عندئذ استطابت الهيام بـ " دار السلام ! " و صار هجيّراهم الثرثرة باحترام الإنسان ، و إشاعة روح التسامح و التعايش ، و بذل قصارى الجهد في خنق شعيرة الجهاد في سبيل الله – تعالى - ، فغابت المواقف العملية الشجاعة ، و انمحت الفتاوى الشرعية الحاسمة ، و اندرست ألفاظ الشريعة ، و طغت الألفاظ العائمة و المحدثة .

إن التطاول على هذا التقسيم هو امتداد للتطاول على عقيدة الولاء للمؤمنين و البراءة من الكافرين ، و توهين لتحكيم الشريعة ، وإضعاف لناموسها . فالهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام ثابتة باقية إلى قيام الساعة ، قال الله – تعالى - : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً } النساء 97 .

و نقل القرطبي مقالة ابن العربي بأن هذه الهجرة باقية مفروضة إلى يوم القيامة 2 .

و قال ابن رشد : " و جب بالكتاب و السنة و إجماع الأمة على من أسلم ببلد الحرب أن يهاجر ، و يلحق بدار المسلمين و لا يثوي بين المشركين ، و يقيم بين أظهرهم لئلا تجري عليه أحكامهم " 3

و قال ابن كثير : " هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين ، و هو قادر على الهجرة ، و ليس متمكنًا من إقامة الدين ، فهو ظالم لنفسه مرتكب حرامًا بالإجماع " 4 .

و كتب الونشريسي ( ت 914 هـ ) رسالة بعنوان " أسنى المتاجر في بيان أحكام من غلب على وطنه النصارى و لم يهاجر ، و ما يترتب عليه من العقوبات و الزواجر " و أورد النصوص الشرعية في تحريم الموالاة الكفرية ، و وجوب الهجرة إلى دار الإسلام ، فكان مما قاله : " فلا تجد في تحريم هذه الإقامة ، و هذا الموالاة الكفرانية مخالفًا لأهل القبلة المتمسكين بالكتاب العزيز ، فهو تحريم مقطوع به من الدين .. و من جوّز هذه الإقامة و استخف أمرها ، و استسهل حكمها فهو مارق من الدين ، مفارق لجماعة المسلمين ، و مسبوق بالإجماع الذي لا سبيل إلى مخالفته . . " 5 .

و قد حكم العلامة عبد الرحمن السعدي ( ت 1376 هـ ) بأن البحرين و العراق دارا للكفر لما كانتا تحت الاستعمار الإنجليزي ؛ لأن النفوذ و الحكم للإنجليز . . كما حرر أن دار الكفر قد تكون دار حرب ، أو دار هدنة " 6 .

و المقصود أن هذا التقسيم للدور مبني على أدلة شرعية – كما هو مبسوط في موضعه – فيتعين العمل به حسب الوسع و الاستطاعة ، و أما التزهيد في هذه التقاسيم ومحاولة طمسها فهو توثب على العقيدة و الشريعة ، وتوهين لما عظّمه الله – تعالى - من عداوة للكافرين و مفارقتهم ، و النهي عن التشبه بهم .

زهّد هؤلاء في تحريرات الفقهاء و تحقيقات علماء السلف في تقسيم الدور ، ثم تراهم قد فتنوا و أشربوا تعظيم المعاهدات الدولية ، و الإجلال لها !

فزعموا أن هذه المعاهدات " يتحقق بها الأمن و السلام لجميع البشرية ، و تأمن فيها على أموالها و أعراضها و أوطانها . . . "

حقًا إنها ثمرة نكدة أن يحتج بالمعاهدات الدولية ، و أن تكون محل تسليم و احترام بلا قيد و لا تفصيل ، لا سيما وأن هذه المعاهدات لا تعظّم شرع الخالق – سبحانه - ، و لا تحقق عدلاً للمخلوق . . بل التعويل على هذه المعاهدات ضرب من الأحلام و الأماني التي لا تجاوز الأذهان ، كما هو مشاهد في الواقع و الأعيان .

ما أجمل ما سطره الأستاذ الكبير / د. محمد محمد حسين – رحمه الله – وقبل أكثر من ثلاثين سنة بشأن هذه الخدائع " الدولية " فكان مما قاله : " و لو تتبعنا الدعوة المبتدعة المعاصرة إلى العالمية لوجدنا أنها دعوة هدامة من وجوه :

منها : أنها تناقض الناموس ، و تخالف سنة ثابتة من سنن الله في الأرض ، و هي دفع الناس بعضهم ببعض ، و ضرب الحق بالباطل . . و أكثر الناس تأثّرًا بدعوة العالمية هم الخاملون من الضعفاء ، الذين تقصر هممهم عن الطموح إلى و سائل النهوض ، و الأخذ بأسباب القوة و الجهاد في سبيلها ، فيركنون إلى أحلام العالمية التي تمنيهم بسلام يعطف فيه القوي على الضعيف ، و ليس أضر بالأمة الضعيفة من هذه الأحلام ، لأنها تزيدها ضعفًا على ضعفها ، و تقضي على البقية الباقية من معالم شخصيتها ، و قد جربنا الكلام عن الإنسانية و التسامح و السلام ، و حقوق الإنسان في عصرنا ، فوجدناه كلامًا يصنعه الأقوياء في وزارات الدعاية و الإعلام ليَنْفَق و يروج عند الضعفاء ، فهو بضاعة معدة للتصدير الخارجي ، و ليست معدة للاستهلاك الداخلي ، لا يستفيد منها دائمًا إلا القوي . . ثم إن الأحلام العالمية لن تغيّر سنة الله في خلقه ، و لن يكون من نتائجها إلا أن تذوب بعض جماعات ضعيفة متهافتة كُتب عليها الفناء ، لأنها لا تستحق البقاء . . . " 7 .

ربما اختار البعض " الإسلام المريح " فاستملح الذوبان و الانصهار مع الأعداء ، و استروح مسلك أرباب " العقول المعيشية " ، و آثر النكوص عن ميادين مدافعة الظلم و الاستبداد . . . ، و انهمك في " شرعنة " الجبن و الهروب من تكاليف المدافعة والاحتساب .

إلا أن أفرادًا تجاوزا ذلك إلى خنق شعيرة الجهاد ، و محاصرته و تحجيمه ، و إضفاء شروط و آصار دون تحقيق أو تحرير . . فمع أن في القوم من استحوذ عليه الإفراط في التيسير و تتبع الرخص ، إلا أن الجهاد قد حاصروه بآصار و أغلال ، فلا جهاد إلا بإمام و إذنه ! . و الجهاد مجرد دفع فحسب ، و ليس الجهاد لأجل الكفر كما في قوله – تعالى - : { قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } التوبة 29 .

و من المفارقات عن مؤتمر ماردين أن يهول من شأن إذن السلطة في الجهاد ، مع أن إذن الإمام الشرعي في الجهاد محل خلاف فقهي ، و مسألة يسع فيها الاجتهاد 8 ، و في نفس الوقت يهون من قضايا إجماعية ظاهرة كما تقدّم في مسألة تقسيم الدور ! ثم هل يريد القوم أن الجهاد منوط بالأنظمة العلمانية ( الصارخة ) كنظام الإمام القذافي و زين العابدين ونحوهم !؟

و هل يتصور عاقل أن شعيرة الجهاد منوطة بإذن كرزاي الأفغان ، أو عباس السلطة ؟! و هل حكام اليوم راغبون في الجهاد في سبيل الله – تعالى - ؟ و هل لديهم أهلية الاجتهاد في الإذن من عدمه ؟!

إن الناظر إلى شروط القوم في الجهاد ليشعر إنها محاولة بائسة لإضعاف الجهاد القائم و إجهاضه كما في فلسطين و الأفغان مثلاً .

قال ابن القيم " فجهاد الدفع يقصده كل أحد , و لا يرغب عنه إلا الجبان المذموم شرعاً وعقلاً , و جهاد الطلب الخالص لله يقصده سادات المؤمنين" 9

ختم المؤتمر نتائجه بخاتمة غير حسنة فقرر أن " مفهوم الولاء و البراء لا يكون مخرجًا من الملة ما لم يكن مرتبطًا بعقيدة كفرية " وهذا مسخ لعقيدة الولاء و البراء ، و إسقاط لأوثق عرى الإيمان ، فماذا يقولون عمن أطاع الكفار في التشريع ، و أظهر الموافقة لهم ؟ قال - تعالى - : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } آل عمران 100 .

قال القاضي عياض : " و كذلك نكفّر بكل فعل أجمع المسلمون أنه لا يصدر إلا من كافر ، و إن كان صاحبه مصرحًا بالإسلام مع فعله ذلك كالسعي إلى الكنائس و البيع مع أهلها بزيهم ، من شد الزنانير ، و فحص ( حلق ) الرؤوس ، فقد أجمع المسلمون أن هذا الفعل لا يوجد إلا من كافر " 10 .

و حرر ابن تيمية أن مشاركة الكفار في أعيادهم قد تفضي إلى الكفر الصراح ، فقال : " و إذا كانت المشابهة في القليل ذريعة و وسيلة إلى بعض القبائح كانت محرمة ، فكيف إذا أفضت إلى ما هو كفر بالله ، من التبرك بالصليب و التعميد في المعمودية . . و أصل ذلك المشابهة و المشاركة " 11 .

و جاء في فتوى اللجنة الدائمة بالسعودية في حكم لبس الصليب : " إذا بيّن له حكم لبس الصليب ، و أنه شعار النصارى ، و دليل على أن لابسه راض بانتسابه إليهم و الرضا بما هم عليه ، و أصرّ على ذلك ، حكم بكفره لقوله - عز وجل - : { وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } المائدة 51 .
و الظلم إذا أطلق يراد به الشرك الأكبر ، و فيه إظهار لموافقة النصارى على ما زعموه من قتل عيسى - عليه السلام - ، و الله – سبحانه - قد نفى ذلك في كتابه فقال : { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ } النساء 157 " 12 .

و المقصود أن مولاة الكفار شعب متعددة ، منها ما يخرج من الملة ، و منها ما ليس كذلك ، فمظاهرة الكفار على المسلمين ردة في حد ذاتها ، و كذا لبس الصليب ، أو التشبه المطلق بهم ، و ما يلحق به كما هو مبين في مظانه .

كما يلحظ في هذه التوصية النَفَس الإرجائي الغالي – و الإرجاء دين الملوك كما قاله النضر بن شميل - ، حيث قالوا : " ما لم يكن مرتبطًا بعقيدة كفرية " و مفهوم ذلك أنه لا يكفر بالأقوال الكفرية و الأفعال الكفرية ، و هذا خلاف ما عليه السلف الصالح ، فإن الكفر و الردة قد يكون بالأقوال و الأفعال .

و أخيرًا كان على المؤتمر أن يتخلى عن أسلوب التدثر بابن تيمية ، و إضفاء المديح في مستهل الإعلان لفتواه بشأن ماردين أنها فتوى " حضارية رمزية " !! على حد تعبير المؤتمر .


ثم محاولة الالتفاف على الفتوى و تحريفها عن مقصودها أو التعريض بها ، و بأسلوب عائم متلون .

أسأل الله تعالى أن يهدينا و سائر إخواننا للحق و الصواب ، و أن نتجرّد في نصرة دين الله – تعالى - ، و أن نراقبه - عز و جل - في السرّ و العلن ، دون الانجراف مع ضغوط الوقائع و المتغيرات ، و على أصحاب المسلك السلفي المحض إن أرادوا المشاركة في مثل هذا المؤتمر و أشباهه ، أن تكون مشاركة راسخة جادة ، قائمة على العلم و العدل ، و إحقاق الحق ، بعيدًا عن تأويلات مستكرهة أو تنازلات .

و الله حسبنا ونعم الوكيل .

[1] معجم المناهي اللفظية 163
[2] ينظر تفسير القرطبي 5 / 350
[3] مقدمات ابن رشد 2 / 612
[4] تفسير ابن كثير 1 / 514
[5] المعيار المعرب 2 / 123 = باختصار .
[6] ينظر الفتاوى السعدية ، 92 – 93
[7] الإسلام والحضارة الغربية 191 – 192 = بتصرف يسير .
[8] ينظر : كتاب الفتاوى الفقهية في أهم القضايا لحسن اليوبي .
[9] الفروسية 29
[10] الشفا 2 / 1072
[11] اقتضاء الصراط المستقيم 1 / 481
[12] فتاوى اللجنة الدائمة 2 / 78

حنين 26-04-2010 03:31 AM

http://www.alraidiah.com/vb/uploaded/mals3.gif




اللهم من ارادنا وبلاد المسلمين بسوء فأشغله بنفسه ورد كيده في نحره


اللهم امين






http://www.alraidiah.com/vb/uploaded/mals4.gif

واحد منكم 26-04-2010 08:23 AM

الوقفة الثالثة
 
هذه الوقفة مع مقال الشيخ ابراهيم السكران - حفظه الله - وشدني في هذا المقال أسلوب أهل السنة وهو أسلوب أهل الحق ( انصاف المخالف والتثبت من المقال قبل الرد ) ويقول الشيخ في هذا المقال :
الدرس الجوهري في هذه الحادثة هو يقين صار يتعاظم مع الزمن خلاصته أن كثيراً من الناس يطير في قضايا يكون فيها بعض الغضاضة على الأحكام الشرعية بحجة أن هذا فيه مقاومة لأفكار غلاة الجهاد، ثم يتبين أنه إنما أتي من قصور فهمه لشبهات غلاة الجهاد أصلاً، فأصبح أمثال هؤلاء: لا للأحكام الشرعية نصرو، ولا لغلاة الجهاد كسرو.

وإليكم مقال الشيخ إبراهيم السكران -حفظه الله-:


مؤامرة ماردين

أو
التهوين من الأحكام الشرعية بسبب التصور الخاطئ لشبهات الجهاديين







الحمدلله وبعد.

في الأيام الماضية عقد مؤتمر ماردين وكان مهندسه وصاحب أفكاره النهائية هو عبدالله ابن بيه، وقد قرأت مقالة للشيخ الفاضل عبدالوهاب الطريري يروي فيها منجزات مؤتمر ماردين، وأن أعظم إنجاز فيها –بحسب رؤية الدكتور الفاضل الطريري- هو تصحيح عبارة ("يقاتل" الخارج عن شريعة الإسلام) الواردة في الفتوى الماردينية لابن تيمية إلى ("يعامل" الخارج عن شريعة الإسلام).



ويشرح الدكتور الطريري -وفقه الله للحق- سبب هذه الأهمية بقوله (أصبحت الفتوى الماردينية بالنص المحرف مصدر استمداد لجماعات العنف والاقتتال داخل المجتمع الإسلامي، وممن أعتمدها بنصها المصحف وجعلها مصدر استدلال محمد عبد السلام فرج في كتابه (الفريضة الغائبة) (ص 6) وهو الذي كان دستور الجماعات القتالية).



ويبين الدكتور الطريري فائدة هذا التصحيح بقوله (وبتصحيح النص يتم تجريد الفتوى من هذا المتمسك للجماعات القتالية).



ويؤكد الدكتور الطريري على عظمة هذا الإنجاز بقوله (ولو لم يكن من نتائج المؤتمر إلا إشهار هذا التصحيح لكان إنجازاً حقيقاً بالحفاوة).



لما رأيت هذا الكلام من الدكتور الفاضل الطريري استغربت جداً هذا التصور، فأي شخص طالع رسائل غلاة الجهاديين وبياناتهم يعلم يقيناً أن شبهات غلاة الجهاد ليس مرتكزها الأساسي هو الفتوى الماردينية، فضلاً عن عبارة (يقاتل) أو (يعامل)، ومع ذلك فقد قلت في نفسي ربما أنني لم أفهم رسائل غلاة الجهاديين جيداً، فرجعت بنفسي لكتاب (الفريضة الغائبة) وهو الذي أشار له الدكتور الطريري فتفاجأت بأن كلام الدكتور الطريري لم يكن دقيقاً، فكتاب الفريضة الغائبة لم يعتمد على النص المحرف كما يقول الدكتور، بل كتاب الفريضة الغائبة ذكر في الحقيقة كلا الصيغتين (يقاتل) و (يعامل) [انظر: الفريضة الغائبة، ص 5، 8].



ثم رأيت الدكتور الطريري يقول عن شيخ الأزهر (وقد تعقبه-أي كتاب الفريضة الغائبة- في ذلك جمع من العلماء منهم الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر السابق ، والشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى في الأزهر رحمهم الله، في كتاب نقض الفريضة الغائبة (ص80) وقد ناقشوا مضمون الفتوى ولو وقفوا على النص الصحيح لها لكفوا كثيراً من القول).



فرجعت لكتاب الشيخ جاد الحق في نشرته الأولى الموقّعة عام 1403هـ والمنشور ضمن فتاوى الأزهر فوجدت الشيخ جاد الحق ألحق بكتابه ملحقاً قال فيه (آثرنا أن ننقل نص كتاب الفريضة الغائبة كما ورد فى الأصل) ووجدت فيه كلا الصيغتين أيضاً (يقاتل) و (يعامل).



مؤتمر كامل، ومصروفات، وأوقات، وبريق إعلامي، ومنجز يقولون عنه أعظم إنجاز، ومع ذلك يتبين أن كتاب الفريضة الغائبة، ومن رد عليه، نقلوا كلا الصيغتين أصلاً: (يقاتل) و (يعامل).



ثم وعلى أساس هذا المنجز الوهمي (وهو تصحيح عبارة "يقاتل" للجهاديين) توصل المؤتمر إلى بيانه النهائي الذي قدم فيه لغة منهزمة حول: أحكام الجهاد، والولاء والبراء، والهجرة من دار الكفر مع الإمكان، الخ.



وأسوأ مافي هذا المؤتمر أمران: التلبيس على الناس باسم ابن تيمية والدفاع عن ابن تيمية وتصحيح فتوى ابن تيمية، وتبين أن الأمر كله بيان منهزم مبيّت بليل، وكان من أخلاق العلم أن لايتستر مهندس المؤتمر ابن بيه بابن تيمية وهو يعلم جيداً أن ابن تيمية يتعارض جذرياً مع أفكاره حول (الموقف من الكافر).



والأمر الثاني المسئ في هذا المؤتمر هو التزين بأسماء بعض شيوخ العقيدة، واستضافتهم، وفي النهاية إصدار البيان الختامي دون استشارتهم، وقد وضّح ذلك الشيخ د.ناصر الحنيني في بيان خاص منشور بموقعه الشخصي يقول فيه (أنا لم أوقع على هذا البيان، نعم تلي على الجميع ولما خاطبت المنظّمين بأن لدينا تحفظات وملاحظات، فقال: كل أحد له الحق في التحفظ، ولما رأينا أنهم لم يطلبوا منا توقيعاً على أوراق لم نظن أنه سوف تدرج أسماءنا في البيان).



ويقول الشيخ الحنيني أيضاً (مما يؤكد مخالفتنا لبعض ما طرح في البيان الختامي أن ورقة العمل التي ألقيتها اشتملت صراحة على مخالفة ما في البيان).



ماهو الدرس الذي أردت الوصول إليه من هذه القضية؟ الدرس الجوهري في هذه الحادثة هو يقين صار يتعاظم مع الزمن خلاصته أن كثيراً من الناس يطير في قضايا يكون فيها بعض الغضاضة على الأحكام الشرعية بحجة أن هذا فيه مقاومة لأفكار غلاة الجهاد، ثم يتبين أنه إنما أتي من قصور فهمه لشبهات غلاة الجهاد أصلاً، فأصبح أمثال هؤلاء: لا للأحكام الشرعية نصرو، ولا لغلاة الجهاد كسرو.



لدي يقين تتزايد شواهده أن الخطابات التي انكسرت عن العزة ببعض معاني الإسلام هي أقل الخطابات تصوراً لشبهات غلاة الجهاديين، وهي أقل الناس إمكانية لتفكيك قناعاتهم وتصحيح تصوراتهم الشرعية، بل إن غلاة الجهاديين يفرحون كثيراً بأن يكون من يناقشهم متنازلاً عن العزة ببعض أصول أهل السنة، فإنهم يسقطونه مباشرة بمجرد ذلك، وأكثر الناس نفاذاً في الشباب الذين تورطو بأفكار الغلو هم الربانيون الراسخون المعتزون بكل معاني الإسلام والسنة.



الخطاب المنكسر عن بعض أصول أهل السنة يوفر لغلاة الجهاد مبررات إضافية ويعزز موقفهم التفاوضي دوماً.



وصيغة الفتوى الماردينية، سواءً كانت (يقاتل) أو (يعامل) ليست ذات موضوع بالنسبة لغلاة الجهاد، وليست هي مرتكزهم أصلاً. فغلاة الجهاديين يرتكزون على قضايا أخرى: الإجماع على قتال الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام، القياس على قتال أبي بكر لمانعي الزكاة، القياس على قتال التتار، مسألة التترس، كفر المظاهرة، كفر الجاهل، كفر الحاكم بغير ما أنزل الله، قياس القوانين على الياسق، الخ.



وهذه القضايا فيها عشرات النصوص لابن تيمية، وفقهاء المذاهب الأربعة، بل إن محمد عبدالسلام فرج كان في مسألة الدور يستند على فقه أبي حنيفة وصاحبيه!



وأما تصور أن مستمسك غلاة الجهاديين هي عبارة وردت في فتوى ماردين فهذا فيه قصور فهم للواقع.



وأما مناقشة شبهات غلاة الجهاد، وبيان خطأ توظيفهم للأصول الصحيحة؛ فيحتاج إدراكاً عميقاً لأصول أهل السنة، واستيعاباً جيداً لخطاب غلاة الجهاديين ورسائلهم، وعزة بالمعاني الشرعية وعدم انكسار عنها.



بقي الآن مناقشة البيان الختامي لمؤتمر ماردين، ومافيه من الميوعة العقدية، لكنني أرى أنني قد كفيت هذا الأمر، فقد كتب الشيخان الفاضلان المبدعان: الشيخ د.عبدالعزيز العبداللطيف، والشيخ د.لطف الله خوجه( سوف نذكرها في الوقفة القادمة بإذن الله ) ، مقالتان علميتان دقيقتان حول البيان الختامي للمؤتمر، ومافيه من مخالفات لأصول أهل السنة، ووالله إنني أخجل أن أتكلم بعدهما، فأحيل القارئ الكريم عليهما.



والله أعلم.

ابوعمر
الشيخ ابراهيم السكران

جمادى الأولى 1431هـ

ناصر الزعبي 27-04-2010 09:08 PM

يعطيك الف عافية

عبدالعزيز الاحمد 27-04-2010 09:25 PM

‘‘ وآحـد منكـم ‘‘

بارك الله فيك يالغالي .. والله يعطيك العافيه

لاهنت.

واحد منكم 28-04-2010 08:31 AM

الوقفة الرابعة
 
البيان الختامي ، للمؤتمر وما فيه من مغالظات عقدية ، ومخالفات لأصول أهل السنة ، ودراسة ومناقشة هذا المؤتمر يناقشها : د. لطف الله خوجه فإليكم هذه المناقشة :



في يومي السبت والأحد 11-12 ربيع الثاني 1431هـ/27-28 مارس 2010 انعقد مؤتمر قمة السلام (ماردين دار السلام) برعاية المركز العالمي للتجديد والترشيد (لندن) وبالتعاون مع كانوبوس للاستشارات (لندن) وجامعة أرتكلو (ماردين) وبمشاركة ثلة من علماء الأمة، من مختلف التخصصات، لتدارس إحدى أهم أسس العلاقات بين المسلمين وإخوانهم في الإنسانية؛ وهي تصنيف الديار في التصور الإسلامي، وما يرتبط به من مفاهيم، كالجهاد والولاء والبراء والمواطنة والهجرة؛ لأهمية هذا التصور الفقهي، في تأصيل التعايش السلمي، والتعاون على الخير والعدل بين المسلمين وغيرهم.
تلك مقدمة نتائج المؤتمر – مختصرة – ومنها يتضح: أن المؤتمر هدف – في المقام الأول - إلى إيجاد وصف جديد للعلاقة بين الدول الإسلامية وغيرها، بدل الوصف القديم الوارد في كتب الفقه (دار سلام، ودار حرب)، سماه بـ "فضاء سلام"، أو "فضاء للتسامح والتعايش"، باستثناء الكيانات الغاصبة كالكيان الصهيون؛ التي تخوض حربا ضد المسلمين، من هذا الوصف الجديد.

والداعي لهذا التحول الفقهي الجذري أمران:
أولاهما: ظهور مستجدات عالمية، تضمنت مواثيق دولية، ومؤسسات ومنظمات عنيت بالحقوق الإنسانية، وأقرت العدل، وجرمت العدوان، وسلم لها جميع دول العالم وقبل بها.
وثانيهما: ظهور دولة المواطنة؛ التي ضمنت الحقوق الدينية والدنيوية للمسلمين بلا تفريق ولا تمييز عنصري، ولا ديني، ولا غير ذلك.
وكل هذا يتفق مع الشريعة في الجملة، وإن شابه نقص، بحسب بيان المؤتمر.
وهذا ما أشار الدكتور عبد الوهاب الطريري إليه، في تصريحاته لجريدة الشرق الأوسط السبت 3إبريل 2010: "أن المؤتمر هدف أيضا إلى إمكان إيجاد توصيف جديد للدول، يتوافق مع المستجدات العالمية، ومنها إنشاء المؤسسات والمنظمات الدولية، وإعلان المواثيق الدولية، التي تعطي للدول توصيفات جديدة، غير حصرها في دور حرب أو سلام، لافتا إلى أن المؤتمر دعا إلى اعتبار دول العالم جميعها، باستثناء الدول التي تخوض حربا ضد المسلمين، كالكيان الصهيوني (فضاء سلام)؛ إذ قلما يوجد بلد لا يعيش فيه مسلمون، ويتمتعون فيه بحقوق المواطنة".

وفي نتائج المؤتمر ذكر لكل هذا:
"إن تصنيف الديار في الفقه الإسلامي تصنيف اجتهادي، أملته ظروف الأمة الإسلامية وطبيعة العلاقات الدولية القائمة حينئذ، إلا أن تغير الأوضاع الآن، ووجود المعاهدات الدولية المعترف بها، وتجريم الحروب غير الناشئة عن رد العدوان ومقاومة الاحتلال، وظهور دولة المواطنة، التي تضمن في الجملة حقوق الأديان والأعراق والأوطان: استلزم جعل العالم كله فضاء للتسامح والتعايش السلمي بين جميع الأديان والطوائف في إطار تحقيق المصالح المشتركة والعدالة بين الناس، ويأمن فيه الناس على أموالهم وأوطانهم وأعراضهم، وهو ما أقرته الشريعة ونادت به منذ هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ووضع أول معاهدة تضمن التعايش بين جميع الطوائف والأعراق في إطار العدالة والمصالح المشتركة، ولا يسوغ التذرع بما يشوبها من نقص أو خرق دول معينة لها للتنكر لها، وافتعال التصادم بينها وبين الشريعة السمحة".
ولتحقيق هذا الهدف الرئيس، وشرعنة الوصف الجديد (= فضاء السلام): اتخذ له المؤتمر وسيلة.
جعل من مسألة التقسيم الثنائي (= دار السلم، وحرب) مسألة اجتهادية، لا نص فيها ولا دليل عليها، إنما هو استنباط فقهي غير ملزم، واستند في هذا إلى فتوى ماردين لابن تيمية؛ حيث إنه خرج على هذا التقسيم السائد، فزاد فيه ثالثا هو: الدولة المركبة من المعنيين؛ دار السلم، ودار الحرب.
وهذا ما ينطبق على ماردين، حيث إن أهلها مسلمون، وحكامها وجندها من المغول.
مما أكد اجتهادية التقسيم، وثم من إمكانية استحداث تقسيمات وأوصاف جديدة، بحسب اختلاف الأحوال، فإذا كان الحال الجديدة في ماردين، استوجب من ابن تيمية استحداث قسم ثالث، فالأحوال المستجدة اليوم (= المواثيق الدولية، ودولة المواطنة) تستوجب كذلك استحداث وصف جديد للحالة، هو: فضاء السلام.
وعلى الفقهاء أن يستجدوا صيغا تتلاءم وأوضاع المسلمين.
إن عناية المؤتمر بالفتوى مرده، وجود هذا القسم الثالث فيها؛ فهو مساعد لتحقيق الهدف الرئيس؛ إذ تحصلوا به على سند من عالم مجتهد اجتهادا مطلقا بالاتفاق، ولم يأت بعده مثله.
أما تصحيح كلمة "يقاتل" في جملة: "ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه"، إلى "يعامل". فذلك لم يكن هدفا أولا، إنما هو هدف لتحقق الهدف الأول، فإن فضاء السلام لن يتحقق في حال وجود من يجيز القتال في دولة المواطنة أو المركبة، وفي تصريحات الدكتور عبد الله بن بيه: أن مفتي مصر أخبره عن استغلال بعض الجماعات الجهادية – في أوائل الستينات - لهذه الكلمة "تقاتل" في الفتوى؛ ليجعلوا ديار الإسلام غير معصومة؛ أي يجوز فيها الاعتداء.
فكان لا بد إذن من إبطال محاولة الاستناد إلى هذه الكلمة من الجملة في الفتوى، وللإبطال استشهد المؤتمر بما: في الآداب الشرعية لابن مفلح، وهو تلميذ ابن تيمية، والدرر السنية، وما أورده محمد رشيد رضا، حيث جاء عندهم بلفظ:"يعامل" وليس "يقاتل".
ثم استدرك الدكتور الطريري لاحقا، بعد أسابيع من المؤتمر، في مقال له في موقع الإسلام اليوم: بما يفيد ظاهره: أن في المكتبة الظاهرية مخطوط فيه تصحيح الكلمة. وذلك بعد الاعتراضات التي وردت على المؤتمر: أنه لم يتخذ المنهج الصحيح للنقد والتصحيح للكلمة.
ترتب على هذه النظرة الفقهية الجديدة كليا، نظرة أخرى جديدة - أو شبه جديدة - في قضايا هي مبادئ إسلامية كبرى: الجهاد، والولاء والبراء، والهجرة.
فهذه المبادئ تبدو معوقة – على الأقل بمفهومها السائد عند كثير من الناس – عن شرعنة الوصف "فضاء السلام" وصون ذلك الهدف الرئيس.
حيث إن تقسيم البلاد إلى: دار سلام، وحرب. يحمل معه: المفاصلة والانحياز في العلاقات الدولية، إلا استثناءا في حالة العهد والذمة والأمان والمصالح المشتركة.
لكن التوصيف الجديد يقلب هذه الأوضاع قلبا إلى علاقات قائمة - ليس على التعايش والتسامح، فهذه موجودة قديمة قدم الإسلام، خصوصا بين المسلمين وغيرهم في بلاد الإسلام، وليس ثمة جديد في هذا، والتاريخ شاهد، كذلك النصوص -:
إنما على التشابك والتداخل الكامل، والامتزاج التام في كافة النشاطات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية حتى العسكرية تحت مسمى "دولة المواطنة" و "فضاء السلام".
وتلك المبادئ تبدو وكأنها تصب في تأييد التقسيم الثنائي، وتمنع من التوحد تحت فضاء السلام، فكان بد من إعادة تفسيرها، واستخراج وصف جديد لها يتلاءم مع مقتضيات (فضاء السلام).
وقد اضطلع المؤتمر بهذه المهمة؛ فخرج بالتأكيد على أن علل الجهاد ثلاثة، ذكرت في النتائج، وهي: "رد العدوان، ونصرة المستضعفين، والدفاع عن التدين". ولم تذكر علة: إعلاء كلمة الله. مع كونها منصوص عليها في قول الله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله}.
والولاء والبراء أعاد ترجمته بما يلي، كما هو في النتائج:
"إن مفهوم الولاء والبراء لا يكون مخرجا من الملة، ما لم يكن مرتبطا بعقيدة كفرية".
فجائز إذ ن ولاء الكافر، وعدم البراء منه، إذا كان للدنيا فحسب، ويلاحظ عدم نصه على التفريق بين المحارب والمسالم في هذا.

وأما الهجرة فنقضت بالكلية، وحلت محلها "دولة المواطنة"، وفرضوا أمورا لتتم النتيجة:
الأول: أن الأقليات المسلمة نالت حقوقها كاملة، أو شبه، أو بالحد المعقول. مما أتاح القدرة على إقامة الدين، وعدم العجز عن ذلك.
الثاني: أن المعاهدات والمواثيق الدولية، مرجع لحماية الحقوق. مما أعطى الاطمئنان والضمان.
الثالث: أن مستقبل أوربا – وفيها أكبر جالية إسلامية – هو الإسلام، بحسب المقدمات الموجودة الآن وإفادة الدراسات السكانية بتكاثر نسل المسلمين، وتناقص نسل الأوربيين.
فلا مكان إذن لمصطلح الهجرة اليوم. الذي يعني: وجوب رجوع المسلم إلى بلد الإسلام، متى قدر على ذلك، أو إن عجز عن إقامة دينه. فعلة الهجرة غير موجودة إذن.
* * *
هكذا بدا المؤتمر في هدفه، ووسيلته إلى الهدف، وفي سعيه لصون الهدف..
وقد جافى المنهج العلمي، وارتكب خطأ ظاهرا، حين اتخذ الهدف ورسمه ابتداء، ثم سخر له كل طاقاته ووسائله، وليس الخطأ في أن يهدف المؤتمر إلى هدف ما، فما من مؤتمر إلا وله هدف معلن. إنما الخطأ في: أن يكون الهدف المرسوم مسألة اجتهادية محضة، في أقل الأحوال، وعند الآخرين خطأ محض، قابل للنقض والرد.
وأن يعقد لها مؤتمر، ليس من أجل البحث والمدارسة، إنما لترجيح رأي دون رأي.. هكذا ابتداء.
فإن هذه المسألة (= إبقاء قسمة الدار ثنائية، أو تغييرها إلى دار واحدة). في أقل أحوالها مسألة تحتاج إلى نظر وفحص دقيق بالغ الدقة.
لإقرار الجميع: أن القسمة الثنائية ملئت بها كتب الفقه والتفسير والحديث، وعليها نصوص تؤيدها.
فلا يسوغ ألبتة تفرد طائفة بها؛ لتستأثر بالاجتهاد والفتيا بما يحمل تحولا جذريا في خط الأمة، يمس صلب الدين، وينتشر بأثره إلى كل المسلمين، بمعزل عن فقه ورأي الآخرين، وهم علماء معروفون، لا ينكر أحد علمهم وفضلهم وإيمانهم.
فالواجب جمع كافة العلماء أو أكثرهم وجلهم، والنظر في المسألة من كافة أطرافها، ولو استلزم الأمر مؤتمرات عديدة، حتى ينقح المناط ويحقق، ويحصل التقارب، وتسد الفجوة قدر الإمكان.
لكن المؤتمر لم يلتفت لهذا.

فهذا ما يؤخذ عليه في الهدف، أما في الوسيلة:
فالمؤتمر بنى فكرته عن "فضاء السلام" على الأمرين السابقين – كما ذكر – لكنه أغفل النظر في الاعتراضات، أو لم يعطها حقها ومستحقها من النظر.
فالمواثيق الدولية المانعة من العدوان، لو سلم بأنها كذلك، فلا يوجد يحميها، ويقيمها على العالم.
فغير خاف على أحد: أن القوى العظمى هي من وراء هذه المواثيق، وهي التي تنتهك وتدوس عليه، فتعتدي في وضح النهار، فتحتل بلاد المسلمين. والجرح لم يلتئم بعد، فهاتان دولتان مسلمتان تحت الاحتلال إلى اليوم منذ أقل من عشر سنوات، وقد قتل وشرد الملايين من المسلمين، مع دمار شامل، وسرقة كاملة للثروات، فأين المواثيق، ومن الضامن لها، ومن يحميها من عبث القوى المتحكمة ؟.
وهي عاجزة – مع جبروتها – عن لجم إسرائيل عن غيها، ولا تستطيع توجيه اللوم إليها حتى ..
ودولة المواطنة، لم تعط إلى اليوم المسلمين كامل حقوقهم الدينية، بل محال لدولة علمانية، أن تعطي المسلمين ما تعطيهم الدولة المسلمة التي تحكم بشريعة الله، وإلا لم يعد فرق بين الدولتين.
ولم تحفظ دولة المواطنة حقوقهم، بل انتهكتها علنا، ففرنسا عدت على الحرية الشخصية، تلك الحرية التي يختال بها الأوربي، بمنع المرأة المسلمة من لبس الحجاب في المدارس، والنقاب في الشوارع، ودول أخرى كأسبانيا تحذو حذوها. وسويسرا تمنع المآذن، والدنمارك وسائر أوربا يسيئون للنبي صلى الله عليه وسلم، بما لا تسمح بمثله في حق اليهود أو النصارى، فالحقوق إذن ليست على ما يطمئن ويطمح إليه المسلم، وما بقي مما لم يمس ليس بمأمن؛ أن يمنع من الصيام في رمضان، بدعوى عدم الإضرار بالإنتاج، وإجبار المسلمين على دفع زكاة أموالهم إلى الدولة، وغير ذلك، كل ذلك وارد مع كونهم أقلية مستضعفة، ووجود المتعصبين والأشرار في مراكز السلطة والقرار.
ولا يمكن الركون إلى القانون، فالتلاعب سيد الموقف، ولو كان القانون يحمي، فإنما يحمي الأقوياء وليس الضعفاء، ولذا لم يوقف القانون غزو العراق، على الرغم من اعتراض الملايين من الشعوب.
وأمام هذه الحقائق عما يعده المؤتمر متكسبات إنسانية وبشرية (=المواثيق، والمواطنة)، نجد من العجب، أن المؤتمر لم يجر موازنة بين هذه السلبيات، وما يراه إيجابيا، وأيهما الغالب.
فهذا أقل ما يمكن فعله، قبل الخروج بقرار وفتوى يلغي به مبدأ الهجرة، الثابت نصا وعقلا.
ثم لو فرض غلبة الإيجابيات، فما يلزم عنه إلغاء مبدأ الهجرة كليا، ولا يشترط، ولا يتضمن، فلم نصل بعد إلى نهاية التاريخ ولا العالم، فالتقلبات والتغيرات واردة، وحاصلة ومشاهدة كل حين.
من الممكن حصول اندماج بمعنى التعايش والتسامح بين الأقليات المسلمة وأهل البلاد التي هم فيها، ومن الجائز دعوتهم إلى التأقلم مع أوضاعهم، والعمل بالدين بما يستطيعون؛ لاستحالة الهجرة، فالفتوى تتغير بتغير الحال. لكن غير الممكن ولا المفهوم، حصر حل مشكلات الأقليات في إلغاء مبدأ الهجرة، والتخطيط لذلك من خلال مؤتمر، يصطلح فيه على اصطلاح جديد – غير معهود – هو: فضاء السلام: مع كون هذا المصطلح أقرب إلى الخيال منه إلى الحقيقة.
ومع قدرة المسلمين على حل مشكلاتهم، من غير اللجوء إلى إبطال حقيقة شرعية كونية قدرية.
وأوربا لا شك أنها تعاني شيخوخة، وفيها أكبر جالية إسلامية، ولو سلمنا بالحسابات الجارية، واعتقدنا حدوث انقلاب سلمي في الأوضاع لصالح المسلمين، خلال قرن أو نصفه، فذلك ليس بمعين ولا مبرر لتبديل أحكام مستقرة، تهيئة لذلك الوضع منذ الآن.
فلتبق أحكام الله تعالى في الهجرة وغيرها كما أنزلت بالوحي، ولو كان العجز عن تحقيقها سمة العصر، حفاظا على الوحي المنزل وعدم تبديله أو تعطيله، قياما بالأمانة، فإن حدث تبدل وصارت أوربا أو غيرها مسلمة، فحينذاك قيل للمسلمين فيها: لم يعد في حقكم هجرة بعد الآن. كما هو الحال في جمهوريات البوسنة والهرسك وكوسوفا وألبانيا.
ذلك الحين تنتفي أسباب الهجرة (= العجز عن إقامة الدين، وأمن الفتنة في الدين) أما واليوم هي موجودة وقائمة؛ بكون الأرض غير مسلمة، وقطعا لن تتيح تطبيقا شاملا كاملا لأحكام الدين، فالعجز عن الهجرة لا يسوغ إلغاءها، وإلا لقيل بإلغاء وإبطال كل حكم عجز الناس عن إقامته، وليس هذا من الدين، العجز يأتي معه الترخص والمسامحة والتخفيف، وليس قلب الشريعة وإبطالها.
يبدو أن المؤتمرين ظنوا أنه بالإمكان تحقيق "فضاء السلام" المزعوم؛ ولأجله تخطوا مصطلحات شرعية مقررة، وتصرفوا فيها بغير حق.
فلا أحد يؤمن بهذا الخيال المسمى بفضاء السلام إلا الواهم، فقانون الدنيا الذي جعل الله فيه الخير والشر، والملائكة والشياطين، والصالحين والمجرمين، يأبى ذلك بشدة.

فالحقيقة: أن الصراع دائم باق، والغرب يروج لشعارات السلام، ويقلده آخرون، ثم يرونه وهو ينتهك السلام برمته.. ألا يدعوهم هذا إلى التأمل في الفكرة نفسها، ومدى تحققها في الواقع ؟.
من لم تكن له قوة تحميه في نفسه وماله ودينه، فلا أحد يأبه له في هذا العالم، بل حماه مستباح، و"فضاء السلام" يعني: خلوص العالم من الشر والعدوان.
وهو محال، إلا في حال نزول عيسى عليه السلام. وهي فترة مؤقتة، سرعان ما يرجع الناس بعدها إلى طبائعهم، وعلى ما كانوا عليه منذ خلق الله تعالى الدنيا.
والإيمان بهذه الحقيقة، لا يعني ولا يلزم عنه: محبة الحروب والدمار والدماء. كلا، بل هو واقع مهما هربنا منه، لا يزال يلاحقنا ولو كنا في بروج مشيدة، كالموت. هكذا هي الحياة، وهكذا قرر القرآن:
- {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم استطاعوا}.
- {إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون}.
وطمس هذه الحقائق من المحالات، لكن علينا أن نعمل على تخفيفها، كالأمراض لا نستطيع القضاء عليها، لكن نخفف من آثارها بالوقاية والعلاج، والإسلام هو الدين الذي سعى في حقن الدماء، فجاء بالسلام والرحمة، فالسلام فيه هو الأصل، كما قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.
وحروبه لم تكن إلا خيارا أخيرا، حين تتعطل فرص السلام.
وفي الحرب يتجلى حبه للسلم، في العفو والرحمة والإحسان إلى المحارب، والأسير، والضعيف، ولا أدل على هذا، من أنك لو عددت الذين قتلوا في حروب الإسلام كلها، لكان أقل من واحد بالألف، مقارنة بعدد الذين ماتوا تحت الحكم العلماني منذ القرن العشرين، في الحرب الأولى والثانية، وحرب فيتنام، وحروب الاستعمار.
وجهاده كان لرد العدوان، ونصرة المستضعفين، وإعلاء كلمة الله.. لهذه الثلاثة، والثالث لم يذكر في نتائج المؤتمر، واستبدل بقولهم: "دفاعا عن التدين"، وهو نفسه السببان الأولان، تكرر في هذا الثالث.
ولم يكن ثمة مبرر لهذا الاستبدال، فليس في ذكر: "إعلاء كلمة الله" سببا من أسباب الجهاد. ما يخشى منه أو يستحيا؛ فلا يلزم عنه إقرار العدوان على أحد، فتطهير بلاد المسلمين من المحتلين، ونصرة المستضعفين، وتبليغ الدين إلى العالمين من طريق الصلح ونحوه، كل ذلك لإعلاء كلمة الله تعالى.
فإذا كانت السبب الداعي لطي هذه العلة، اعتقاد أنه هو ذاته جهاد الطلب، فليس بلازم لما تقدم.
إن في ذكر هذا السبب أهمية كبرى؛ إذ به يستحضر المسلم علو الإسلام، وهذا أصل كبير.
وإن جهاد الطلب نفسه رد للعدوان؛ عدوان المتربص، بمبادرته بالحرب قبل أن يبادر هو. وعدوان المانع للناس من أن يسلموا الوجه لله تعالى.
إذا عرفت الحقيقة في هذا الصراع الكوني القدري، بطلت فكرة إلغاء الهجرة، بافتراض فضاء سلام، هو دائم ومستقر. فهذه مغالطة كبيرة، فليس السلام دائما، ولا مستقرا، وما بني من نتيجة على هذا الوهم، فهو باطل ولا شك.
وإذا كان الفرض والعلة في إلغاء الهجرة، استحالتها اليوم، فالاستحالة صحيحة، لكن علاجه لا يكون بتغيير التشريع في الهجرة، وطمس حقيقة بينة ظاهرة، إنما بالبيان الشرعي للأقليات وتيسير الفتوى لهم، ومراعاة تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والحال، مع وصيتهم: أن يحفظوا دينهم عن ظهر قلب، بحفظ المبادئ فلا تضيع، حتى يأتي اليوم الذي فيه ينصر الله الدين، وليس ذلك ببعيد.
وقد يرد هنا: أننا بين حقيقة وواقع.
فالحقيقة تنبئ بما ذكر آنفا؛ أن الأصل في البشرية الصراع، والأصل في الإسلام السلام.
والواقع أن الدعوة للسلم هو الذي يحقق للإسلام المكاسب، حيث ميل عموم البشر إلى السلم وكراهيتهم للحروب، فلو حدثوا بالحقيقة البشرية، ظنوا أن الإسلام يحب ويقدم الحرب، فنفروا منه.
ولو حدثوا بأن الأصل في الإسلام هو السلم، حسن ظنهم واطمئنوا، فأقبلوا مسلمين أو مناصرين.
والمتعصبون في الغرب لا يزالون يلصقون بالإسلام تهمة العنف وحب الحرب، وهم بفعلهم هذا عقبة أمام تمدد الإسلام، فالحكمة تقتضي: الحديث عن السلم في الإسلام، وإبرازه، أكثر من الحرب، خصوصا أنه الأصل، والحرب طارئ؛ إذ الحرب عقوبة، والعقوبة لا تكون مستديمة.
فالجواب: أن هذا المنحى صحيح، والإسلام دين السلم والسلام لاريب، وليس الاعتراض على شيء من هذا، إنما على قلب الأحكام، وتبديلها وتعطليها بالكلية، وتغيير المعاني جذريا، هذا الذي لا يجوز تحت أي ظرف، فطريق الدعوة إلى الإسلام، لا يكون بتغيير حقائقه؛ لأنه تحريف للكلم عن مواضعه، ولأنه لا يفيد بشيء؛ إذ كل ما في الإسلام معروض مكشوف، يطلع عليه كل أحد، فلا يخفى.
هذا وقد ارتكب المؤتمر خطأ جليا، بقياسه دولة المواطنة على الدولة المركبة؛ التي ذكرها ابن تيمية:
فأركان القياس غير متوفرة؛ فإنه تكلم عن أرض مسلمة، احتلها الكافر. ودولة المواطنة أرض كافرة يسكنها بعض المسلمين. وفرق بينهما: فواجب على المسلمين تحرير الأرض المسلمة، دون الكافرة.
ثم إن ابن تيمية فصل في أحوال أهل الدولة المركبة؛ أن من عجز منهم عن إقامة دينه، وجبت عليه الهجرة، وإلا استحبت. وأن من تعرض لمحنة معاونتهم، فلم يمكنه الامتناع إلا بالهجرة، تعينت الهجرة.
فها هو يقرر الهجرة حتى لأهل الأرض المسلمة المحتلة، فكيف بأرض كافرة (=دولة المواطنة) ؟.
وهذا عكس ما أراده المؤتمر تماما، فقد أخذوا فكرة الدولة المركبة، واحتزوها حزا من سياقها في الفتوى، ولو درسوها كاملة، لما قرروا إلغاء الهجرة، ولا شبهوا المواطنة بالمركبة، لكن هذا الخطأ من آثار خطأ منهجي آخر هو: استباق النتائج، وتقريرها حتى قبل الشروع في المؤتمر.
بقيت مسألة الولاء والبراء، وقد أباحوا ولاء الكافر للدنيا، وهذا خطأ، فالولاء مصطلح شرعي قرآني، مختص بالدين معناه: المحبة، والنصرة للدين. فلا يستعمل في الدنيا؛ لذا فقد جاء في القرآن الكريم، نهي المؤمنين مطلقا عن تولي الكافرين وولايتهم.
فهذا منهم من عدم التحرير، وقد كان يسعفهم لتقرير ما أرادوا، استعمال مصطلح المحبة، وقد ورد جوازه في حق الكافر، في قوله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت..}. في محبة النبي لعمه أبي طالب.
ومصطلح المودة، وقد ورد جوازه في حق الزوجة النصرانية، في قوله: {وجعل بينكم مودة ورحمة}. أي الزوجين، وللمسلم أن يتزوج النصرانية، فهذا إذن بمودتها.

أخيرا: لنا طلب إلى المشاركين أن يتأملوا ويتدارسوا القضية وما عليها من ملاحظات، فإنهم تصدوا لقضية كبرى، لا يحق لفئة واحدة، أن تنفرد بالأمر دون غيرها.
ثم نقول: إن الاستدراك على المؤتمر كان من خلال نتائجه المعلنة والتصريحات المرافقة؛ لأن النتائج باتفاق هي خلاصة رؤية المؤتمر، ولسنا بمعنيين بما دار في بحوثه وتعليقاته ومناقشاته؛ فلا يصح إذن، من حيث المنهج، الرد على النقد: بأنه هذه القضية أو تلك ذكرت أو بحثت في المؤتمر. والله أعلم.



مؤتمر ماردين 2010
دراسة ومناقشة

د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه

raed 29-04-2010 03:06 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

مستر كيوي 29-04-2010 03:35 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .


الساعة الآن 05:22 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.