الموضوع: فشلتنا
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-08-2005, 09:14 AM   رقم المشاركة : 1
راغب نجر علامه
رائدي رائع
 
الصورة الرمزية راغب نجر علامه
الملف الشخصي






 
الحالة
راغب نجر علامه غير متواجد حالياً

 


 

فشلتنا

موقف

تناقلت وكالات الأنباء أن خلافاً نشب بين مزارعين في قضاء (جمجمال) شمال كركوك في العراق أدى إلى اندلاع معركة بينهما بالأسلحة الخفيفة، بعد أن ادعى كل منهما ملكية حمار حساوي أو (حصاوي)، وتدخل الوجهاء واقترحوا أن يطلق الحمار في الطريق الفاصل بين الفريقين، وأينما يتوجه فيكون ملكاً للطرف الذي يتوجه إليه، وكانت النتيجة أن الحمار ترك الجميع وهرب وفل، ويبدو انه ذهب ليلتحق بجماعة (أبو مصعب الزرقاوي).

يلومني بعض الأقارب وغيرهم على أن كتاباتي ليس فيها شيء من الجدية، فلا اكتب في مجال السياسة ولا الاقتصاد ولا الإرشاد ولا الأخلاق الحميدة، بل أن بعضهم لا يتورع من أن يقول لي بكل صدق: (لقد فشلتنا)، ومع هؤلاء بعض الحق لا كله، فلقد تركت الكتابة في تلك المجالات لفرسانها، كما أنني اعذرهم لأنهم لا يدركون مدى الآلام التي تكتنفني كل صباح عندما تصفعني الأخبار إلى درجة أن البكاء وهو البكاء يصبح عزيزاً وشحيحاً وصعباً، ولولا قليل من العقل لضحكت بدرجة هستيرية تنفر منها حتى الجمادات، ولا ادري من قال لهم، وكيف عرفوا أنني (سلبي) إلى هذه الدرجة؟!، وأنني مفتخر إلى ابعد الحدود بهذه السلبية، لأنها (موقف)، فعصر مثل عصرنا العربي هذا لا تملك إلا أن تنظر إليه شزراً ثم تضحك منه وتتهكم عليه.

اذكر قبل أكثر من خمس عشرة سنة، كنت مع مجموعة من الأصدقاء في منطقة الاهرامات في مصر، ولفت نظرنا طفل لا يتعدى عمره 12 سنة ومعه حمار يعرضه على بعض السياح لركوبه مقابل اجر معلوم، واتجه إلينا ليقنعنا بالركوب، كان الولد ذكياً والمعياً وخفيف دم، وسأله احدنا كم يكسب في اليوم، فقال: أن الحمار ليس لي وأنا آخذ باليوم أجراً مقطوعا هو بالكاد يطعمني مع أمي الأرملة، وعرفنا انه ترك الدراسة بعد وفاة والده لكي (يسترزق) ـ على حد قوله ـ، ثم عاود صاحبنا سؤاله: ماذا تتمنى في هذه الحياة؟ فقال: اتمنى الستر وان امتلك حمارا، فما كان من صاحبنا إلا أن حقق أمنيته حالاً، واشترى له حماراً مع بردعته ولجامه بما قيمته ألف وسبعمائة جنيه، وكاد الطفل المسكين أن يطير من الفرح وهو غير مصدق لما جرى، بل انه في لحظة من اللحظات أحسست انه أغمى عليه، وبعد عام هاتفت بالهاتف صديقاً مصرياً كان معنا في ذلك اليوم وطلبت منه أن يذهب إلى منطقة الأهرام ويتقصى عن ذلك الولد، وفعلاً اتصل بي بعد يومين وقال لي: لقد أصبح لديه بدلا من الحمار ثلاثة حمير، ولديه صبيان يشتغلان عنده بالأجر اليومي، ويقول: انه أصبح معلماً (قد الدنيا)، وهو ـ أي الولد ـ يبلغكم سلامه ويدعو لكم، ويتمنى أن تعودوا مرة ثانية ليركبكم حميره (ببلاش).

وما دمنا بهذه السيرة، فقد تفتقت قريحة احد الأخوة العاطلين عن العمل في زمن الطفرة عندما تخلى جميع المزارعين في السعودية عن الحمير بعد أن حلت مكانها الوسائل الحديثة، وأهملت وانطلقت بالآلاف في الصحارى، وقد حسبها ذلك الشخص، وعمل دراسة لتصديرها إلى بعض الدول الأفريقية طالما انه سوف يقتنيها بدون ثمن، وعندما تقدم إلى وزارة التجارة للموافقة على التصدير، رفضوا بحجة أن تلك (ثروة وطنية).. وفي النهاية قضت على قطعان تلك الحمير بعض العمالة الآسيوية، ولا ادري ما طعم لحمها؟!، ومن كان لديه سابق تجربة في هذا المجال فليكتب لي.

للكاتب مشعل السديري الشرق الاوسط
انتهاء

تعليق

انا بعد اقول تراك فشلتنااضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي







رد مع اقتباس