عرض مشاركة واحدة
قديم 22-08-2010, 06:45 PM   رقم المشاركة : 2
أبو رائد
المدير العام
 
الصورة الرمزية أبو رائد
الملف الشخصي







 
الحالة
أبو رائد غير متواجد حالياً

 


 

الصدق في التجربة الشعرية : و المراد بالصدق هو الصدق الفني بمعنى أن يكون الشاعر صادق الشعور و الانفعال بتجربته و أن يعبر عما يجده فعلا في نفسه و يؤمن به، فلا تزييف، ولا تقليد لغيره .
و إذا انعدم الصدق في الشعر فقد قيمته الأدبية والجمالية ، كشعر المناسبات الذي يدفع إليه الشاعر دفعا لا عن إحساس صادق وإلهام، و لكن لمجرد إظهار البراعة في القول ، وكشعر الشعراء المقلدين الذين ينظمون فيما لا يحسون فيأتي كلامهم فاترا جامدا هامدا لا حياة ولا روح فيه.
و الصدق في التجربة لا يستلزم أن يعانيها الشاعر بنفسه بل يكفي أن يتمثلها و يقوي شعوره بها و أن يتوافر له من الحس المرهف و المقدرة الفنية ما يمكنه من تصوير تجربته تصويرا حيا مؤثرا ورائعا يزرع فيها الروح والجمال وينقل القارئ إلى عوالم من الجمال والإبداع والعبقرية الفنية.
الفكر في التجربة الشعرية : الشعر ليس مجردا من الفكر فالشاعر حين يصور تجربته و يعبر عن ذاته إنما يعبر في الوقت نفسه عن موقفه تجاه الحادث الذي أثر فيه و المشهد الذي انفعل به و هو بهذا يقدم لنا آراءه وأفكاره حتى لو لم يقصد إلى ذلك عمدا .
و بقدر ما يتاح للشاعر من خصب الفكر و عمق النظرة إلى الكون يتجاوز شعره حدود مكانه وزمانه فيؤثر فيمن لا تربطهم به رابطة الاقليم أو العصر .
و الأفكار لاتساق في الشعر سوقا تقريريا بل تأتي عبر وجدان الشاعر كما هو الحال في قصائد الشعر السياسي و الاحتماعي التي نجدها خصوصا في الكتب المدرسية ، فقد عبرت عن موقف الشعراء من قضايا المجتمع بأسلوب فني لا يقوم على السرد و التقرير فإذا ساق الشاعر الأفكار في شعره سوقا مجردا صارت ذهنية جافة و تحول الشعر إلى نظم لا روح فيه . ومن هذا اللون بعض الحكم و الأمثال التي ترد لبعض الشعراء غير ممتزجة بسيء من تجاربهم النفسية .
ماانتفع المرء بمثل عقلــــه ***** و خير ذخر المرء حسن فعله
اصحب ذوي الفضل أهل الدين ***** فالمرء منــسوب إلـى القرين
و لكن الحكمة إذا امتزجت تماما بتجربة الشاعر الذاتية ظلت في نطاق الشعر .
2- الوحدة العضوية : المقصود بها وحدة الموضوع ووحدة الجو النفسي للقصيدة ، فلا يبدأ الشاعر مثلا بذكر أحباب له فارقهم ثم ينتفل فجأة إلى مدح أو هجاء دون أن تكون هناك صلة معنوية بين ما بدأ به و ما انتقل إليه .
و ليس معنى وحدة الجو النفسي ثبات الشاعر على إحساس واحد في الموقف الشعري ، بل إن الشاعر قد تعتريه في هذا الموقف حالات شعورية متفاوتة ؛ من تهلل و إشراق أو حزن و انقباض ، من سخط و غضب أو استسلام و ضراعة و للتقريب نقول : إن القطعة الموسيقية تتفاوت أنغامها و قد تتعدد آلاتها لكنها تظل مع هذا التفاوت و التعدد مترابطة العناصر منسجمة الايقاع لا تحس فيها نشازا أو تنافرا أو تبديل بيت مكان آخر ، من تقديم و تأخير ،أو حذف بيت من القصيدة فهي وحدة متكاملة .
و الوحدة العضوية للقصيدة بهذا المفهوم الحديث ، لم تكن معروفة في أكثر من موضوع واحد ، كالغزل و الوصف و المديح و غيرها ، غبر أننا نلاحظ أن قصائد فحول الشعراء في مختلف العصور – وإن لم تظهر فيها الوحدة العضوية بهذا المفهوم – كان يسيطر عليها جو نفسي واحد يوجه القصيدة و ينتقل بها من موضوع إلى موضوع .
فمثلا قصيدة البارودي " في سرنديب " نرى الشاعر قد تنقل من الحديث عن الطيف إلى شكوى الأيام ، إلى الحديث عن الآمال التي تراوده ، إلى التأسي ورياضة النفس على الصبر و قد تنقل هذ التنقل دون أن ينفصل عن عالمه النفسي الذي يموج بهمومه و أشجانه ، موزعا بين اليأس و الرجاء ، مما يحفظ للقصيدة وحدتها النفسية على الرغم مما يبدو من تفاوت الأجواء التي تنقل فيها الشاعر .
وتعد الوحدة العضوية من مظاهر التجديد في الشعر العربي الحديث أخذ بها جيل الشعراء المجددين في الشرق العربي و في المهجر و حمل لواء الدعوة إليها و إلى غيرها من مظاهر التجديد طائفة من النقاد منهم : العقاد الذي يقول :"إن القصيدة ينبغي أن تكون عملا فنيا تاما يكمل فيها تصوير خاطر أو خواطر متجانسة ، كما يكمل التمثال بأعضائه و الصورة بأجزائها و اللحن و الموسيقى بأنغامه بحيث إذا اختلف الوضع أو تغيرت النسبة أخل ذلك بوحدة القصيدة و أفسدها فالقصيدة من الاشعر كالجسم الحي يقوم كل قسم منها مقام جهاز من أجهزته " و يقول : " القصيدة بنية حية و ليست قطعا متناثرة يجمعها إطار واحد فليس من الشعر الرفيع تغير أوضاع الأبيات فيه و لا تحس منه ثم تغيير في قصد الشاعر و معناه "







التوقيع :
عِشْ عفويتك تاركــًا للناس إثم الظنون
فــَ لك أجرهم ، ولهم ذنب ما يعتقدون
.
.
.
.
.
.
.
الرائدية ليس مجرد منتدى


رد مع اقتباس