عرض مشاركة واحدة
قديم 21-08-2003, 11:50 AM   رقم المشاركة : 4
احسـ العالم ـاس
مشرف سابق
الملف الشخصي







 
الحالة
احسـ العالم ـاس غير متواجد حالياً

 


 

مفردات المؤامرة

ما الذي يدفع رجلا مرموقا كهذا إلي أن يفكر في الانتحار؟ فذلك العالم البيولوجي البارز ديفيد كيلي‏,‏ كان قد أرضي ضميره للتو من قسوة منظومة الأكاذيب التي أصبح جزءا منها رغم إرادته‏,‏ ولم يشك أقرانه في وزارة الدفاع البريطانية أو محرر‏BBC‏ الذي نقل عنه معلومات تقرير توني بلير المزيف‏,‏ أو حتى نواب مجلس العموم الذين استجوبوه سرا أن رجلا يتمتع بهذه الكفاءة النفسية‏,‏ يمكن أن يقدم على خطيئة الانتحار‏,‏ أو أن يفقد غريزة الحياة إلي هذا الحد الذي يضع فيه النهاية بنفسه‏.‏البديل الوحيد الذي يليق بهذا الرجل هو القتل العمد عن سبق الإصرار والترصد‏,‏ لا الانتحار في الغابات الريفية بعيدا عن الأهل والأصدقاء الذين حارب كيلي أكاذيب الحكومة البريطانية من أجلهم‏.‏

البديل الوحيد للانتحار هو المؤامرة‏,‏ وهو بديل لن يغيب عن لائحة البحث الجنائي لشرطة سكوتلانديارد أو أي جهة أمنية أخري من هيئات التحقيق القضائي في بريطانيا ـ إن كانت بالفعل هذه الجهات تبحث عن الحقيقة ـ ولائحة البحث قد تشمل بالضرورة كل أصحاب المصلحة المباشرة في قطع لسان كيلي قبل أن يتكلم‏,‏ أو الأسهل‏,‏ إنهاء حياته بالكامل‏,‏ فلا لسان ينطق ولا إصبع يشير ولا ضمير قادرا علي الاعتراف بالجريمة‏.‏

وربما لا يبدو الانحياز لتفسيرات المؤامرة في مصرع كيلي مجرد مبالغة من عقول تنتمي للعالم الثالث‏,‏ فهذه المأساة الأخيرة تتطابق تفاصيلها مع سيناريوهات المؤامرة سطرا بسطر وحرفا بحرف‏,‏ الأمر الذي يدعو بلا تردد إلي استعادة هيبة هذه النظرية‏,‏ وإعادة الاعتبار للتفسير التآمري‏,‏ لسلوك بعض أنظمة الحكم في أوروبا‏,‏ فالذين يرفضون نظرية المؤامرة تلقائيا يستندون إلي رغبة حقيقية في تفادي التكاسل والإحباط والجبرية لدي الشعوب المظلومة علي الأرض‏,‏ في الوقت نفسه الذي يتعاملون فيه مع الواقع السياسي العالمي علي اعتبار أنه قائم علي المصالح‏,‏ ومن ثم فلن يكون غريبا أو شاذا أن يسعى كل بلد لمصلحته الخاصة‏,‏ ثم ينظر فيما يمتلكه من أدوات لتحقيق هذه المصالح الوطنية‏,‏ ووفق هذا التصور لا يجوز إطلاقا وصف أو تفسير كل حدث سياسي علي خريطة العالم باعتباره مؤامرة‏.‏

غير أن جبهة الرفض لهذه النظرية قد يحالفها التوفيق والرجحان كثيرا في حين يبطل مفعول حججها المنطقية أحيانا عندما تتحرك السياسة من دائرة العلن إلي أوكار العمليات القدرة‏!‏

ومقتل كيلي هو أحد الأحداث التي تفوح منها رائحة العمليات القذرة إذ لا تستقيم فكرة الانتحار في حالة كهذه حيث تتضاعف الفضائح والضغوط ضد حكومة توني بلير التي قامت ـ بحسب‏BBC‏ ـ بتزوير بعض المعلومات في تقرير أسلحة العراق وقدرات الدمار الشامل لدي الرئيس السابق صدام حسين‏.‏

ولا تستقيم فكرة الانتحار لرجل كان قد قرر طوعا أن يخوض هذه المواجهة متحصنا بالرأي العام وبنفوذ مؤسسة إعلامية عملاقة هي هيئة الإذاعة البريطانية‏.‏

كان كيلي يعرف يقينا أنه لن يكون وحده في المواجهة‏,‏ وأن‏BBC‏ لن تبيعه بسهولة للحكومة وتؤكد أنه صاحب المعلومات التي فجرت الأزمة‏,‏ ثم كان يوقن أيضا أن الإطاحة به من وزارة الدفاع حال انكشاف أمره ستجعل منه أسطورة سياسية وتدر عليه بملايين الدولارات من عوائد نشر الكتب التي تروي مذكراته والموافقة علي الظهور في برامج التوك شو في كل المحطات العالمية‏.‏

ثم كان يعرف أيضا‏,‏ وفوق كل ذلك‏,‏ أن خصمه هو الأضعف لأنه هو الذي ارتكب جريمة الكذب علي البريطانيين والعالم‏,‏ وأن الرأس المرشح للإطاحة هو رأس توني بلير ومدير مكتبه المثير للجدل كامبل وليس رأس ديفيد كيلي‏.‏

لا يبدو الانتحار هو الأرجح هنا؟

المؤامرة هي الأكثر اقترابا من الواقع لأسباب مختلفة‏:‏

‏1‏ـ لوبي المخابرات والسياسة كان قد مارس المؤامرة من قبل في القصة نفسها حين أضاف أسطر كاذبة تزعم بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل وأنه قادر علي إنتاج قذائف نووية في‏45‏ دقيقة‏.‏

‏2‏ـ هذا اللوبي لم يعمل في مؤامرة تزوير التقارير وحده لكنه تواطأ أيضا مع مؤسسة أخري هي السي‏.‏ آي‏.‏ إيه التي تولت زرع المعلومات الكاذبة في خطاب الرئيس لتدفع بأنباء الولايات المتحدة نحو الحرب في العراق‏.‏

‏3‏ـ المؤامرة تضمنت كذبا متعمدا واختلاق وقائع ووثائق غير صحيحة‏,‏ ولم يكن هناك شك في أن الكشف عن هذه المعلومات يطيح بكل المتواطئين في المؤامرة‏.‏

‏4‏ـ بلير ورجاله لم يصدقوا أنهم من حيث أرادوا تقديم أنفسهم كصناع الحرية وملائكة الرحمة في العالم تحولوا إلي حفنة من محترفي الكذب والخداع وبين صفوفهم من يشهد علي ذلك‏.‏

نظرية المؤامرة إذن تحتاج إلي إعادة اعتبار بعد هذه الوقائع‏,‏ وقد تتعزز هذه الصورة بمزيد من الفحص لملف المخابرات البريطانية بشقيها الداخلي‏MI5‏ والخارجي‏MI6,‏ فالعميل البريطاني السابق ديفيد شايلر اعترف من علي الأراضي الفرنسية بما أدي إلي انفراط عقد الكثير من خفايا العمليات القذرة للمخابرات البريطانية‏,‏ فشايلر اعترف بتفاصيل قيام المخابرات البريطانية بتمويل مؤامرة لاغتيال القذافي‏,‏ وتطوع شايلر لتأكيد أن بريطانيا لا تزال الدولة الرائدة في مجال صنع الجاسوسية ومحاربتها علي السواء‏,‏ وأن ملفات المخابرات غارقة بتفاصيل عمليات الاغتيالات التي تم تنفيذها بالفعل أو التي لم يتم دفعها إلي حيز التنفيذ بعد‏.‏

وملف المخابرات البريطانية غارق بالتفاصيل التي لا تتورع بعض التقارير الإعلامية البريطانية عن كشفها‏,‏ فبعض قيادات المعارضة العراقية كانوا قد أشاروا إلي احتمال سقوط الرئيس السابق صدام حسين ضحية مؤامرة المعلومات مضللة عبر المخابرات البريطانية كانت السبب وراء مغامرته بغزو الكويت‏,‏ والقصة تقول إن بريطانيا سهلت سرقة جهاز كمبيوتر محمول بحجم صغير خاص بوزير الدفاع آنذاك وتردد أن كل أسرار منطقة الخليج والصراعات العسكرية المحتملة في هذا الإقليم موجودة علي القرص الصلب لهذا الجهاز‏,‏ بالإضافة إلي تسريب معلومات لدوائر عراقية من ملفات اللجنة المشتركة لأسرار الأمن والدفاع في البرلمان البريطاني وهي أعلي جهة برلمانية في مجلس العموم واللوردات مسئولة عن السياسيين الدفاعية والأمنية بما فيها المخابرات الداخلية والخارجية‏,‏ وكانت هذه المعلومات تبشر بغداد وقتها بأن الغزو إن حدث فلن تستطيع المنظمة الدولية أو الولايات المتحدة مواجهته أو التصدي للجيش العراقي المحتل وسوف تضطر للتعامل مباشرة مع صدام حسين فيما يتعلق بملف النفط الكويتي .

ورغم أن هذه المعلومات لا تبرئ صدام من خطيئة الغزو‏,‏ فإنها تضاعف من احتمالات وجود عمليات قذرة سبقت الغزو لتدفع صدام إلي هذا القرار‏.‏

هل يمكن اليوم أن نعتبر هذه الأفكار مجرد هواجس شائعة ناتجة عن ضعف العقل العربي المؤمن بنظرية المؤامرة؟ أم أن التقارير الكاذبة التي أشعلت الحرب‏,‏ وموت علماء كبار كان من المفترض أن يكونوا تحت الحماية يؤكد عكس ذلك تماما؟

صحيح أن نظرية المؤامرة تمثل تفسيرا معلبا جاهزا علي الرف نمد أيدينا إليه بحركة لا إرادية كلما تعثرنا في أحداث أو هزائم نعجز عن تفسيرها‏,‏ خاصة أن هذا التفسير يفضي إلي الراحة والسكينة في مواجهة العجز والتخلف‏,‏ لكن بات يقينيا أيضا أن المؤامرة هي اختراع تحتكر براءته مؤسسات السياسة والأمن في أوروبا والولايات المتحدة‏,‏ ولا يجوز استبعاد هذا التفسير في قراءة الكثير من المواقف والتطورات السياسية في علاقتنا ببلدان العالم المتقدم والمتآمر أيضا‏.‏

فهل فعلتها المخابرات البريطانية لإنقاذ سمعة الملكية البريطانية وحتى لا تنجب ديانا من عشيقها أخا عربيا لملك بريطانيا المرتقب؟

وهل كان شراء زعماء قبائل الأفغان للانقلاب علي الطالبان سوي مؤامرة مكتملة سجلها بوب وودوارد في كتابه عن الحرب واصفا حقائب بملايين الدولارات كانت توزع بدقة لتأليف قلوب الأفغان علي طاعة الولايات المتحدة ومساعدتها في الحرب‏.‏

ثم لماذا نفذت واشنطن المهمة بالكامل حتى إسقاط كابول ‏,‏ ثم لماذا تكرر السيناريو نفسه في بغداد ليتم توزيع الملايين كرشاوي علي قيادات العسكر وبعض القوي النافذة فتسقط بغداد ويختفي صدام ؟‏!‏ بعد المعلومات الكاذبة في التقارير الرسمية فلا شيء مستبعدا‏,‏ وقد يكون كل ما يجري من حولنا هو مؤامرة مكتملة أيضا‏.‏

أما كيلي‏,‏ فالذين قتلوا آلاف العراقيين بتقارير مزيفة‏,‏ دون خوف من كل العالم‏,‏ ربما لن يخشوا من قتل رجل واحد دون خوف من الـ‏BBC‏ أو من الشعب البريطاني‏!!







التوقيع :
اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي




نصمت أحيانا ليس لضعف فينا..حتى ولو فسره الأخرون ذلك..
..نصمت لأننا نعلم أن الجرح أكبر من كل الكلام الذي يقال..
..نصمت أحيانا لأن خيبتنا كانت أكبر من كل لغات العالم..
..نصمت أحيانا لأن كل شئ إنتهى ولن يعود..

!!فما فائده الحديث لقلوباً صماء لا ترى سوى نفسها فقط..؟..

رد مع اقتباس