عرض مشاركة واحدة
قديم 21-08-2003, 11:51 AM   رقم المشاركة : 5
احسـ العالم ـاس
مشرف سابق
الملف الشخصي







 
الحالة
احسـ العالم ـاس غير متواجد حالياً

 


 

مأزق بلير ومأزق 'واحة الديمقراطية' بسبب كيلي

كانت حالة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير النفسية ومظهره الخارجي عند هبوط طائرته الخاصة في مطار طوكيو يوم 18 يوليو 2003, تعكس بالضبط موقف حكومته, وبالتحديد وزارة الدفاع, وأجهزة المخابرات البريطانية الذي يعبر عن الاضطراب وفقدان السيطرة على تطورات تناحر شديد خرج عن الطوق بشأن سياسة حكومته ومصداقيتها. فقد هبط من الطائرة حزينا أشعث ويبدو الاضطراب عليه بعد أن كان فخورا بل وأسعد إنسان قبل ساعات من هبوطه في العاصمة اليابانية بعد أن كان يلقي خطبة نارية استرضائية أمام اجتماع مشترك لمجلسي النواب والشيوخ في الكونجرس الأمريكي في واشنطن عقد تكريما لصداقته للولايات المتحدة الأمريكية وحكومتها ودوره في دعمها في الحرب ضد العراق واحتلاله.

قبل هبوط طائرة توني بلير في مطار طوكيو ببضع ساعات, ابلغوه النبأ الصاعقة الذي قد يكون آخر قشة قاصمة لبعير حقبة توني بلير والعمال الجدد في السياسة البريطانية. فقد عثر على جثة الدكتور ديفيد كيلي, الذي قدمته وزارة الدفاع على انه المصدر المحتمل لخبر هيئة الإذاعة البريطانية الذي اتهم حكومة بلير بتضخيم خطر أسلحة الدمار الشامل العراقية, أي إن الحكومة البريطانية كذبت لحشد الرأي العام البريطاني لدعم وتبرير الحرب ضد العراق واحتلاله.

وتشكلت على الفور لجنة طوارئ مخابراتية وسياسية لتطويق الأزمة وإدارتها لتقليل الخسائر والمخاطر السياسية والأمنية بعد أن تسارعت الأحداث على جميع الأصعدة وازدادت الضغوط على الحكومة العمالية ورئيس وزرائها الذي تركز التحليلات والتعليقات على مسؤوليته المباشرة عن تدهور ثقة الرأي العام البريطاني والأوروبي بقيادته وتدني مصداقيته. ويبدو من المؤشرات الحالية أن رئيس الوزراء قد يفقد منصبه من خلال انقلاب سياسي داخل حزبه من اجل إنقاذ سمعة حزب العمال وسلطته. وذلك يذكرنا بما جرى للسيدة مارجريت ثاتشر رئيسة وزراء بريطانيا الحديدية التي جرى انقلاب داخل حزبها فانتخبوا جون ميجور كي لا يفقد الحزب سدة الحكم.

والمعروف أن رئيس الوزراء بلير قد ساند الحرب ضد العراق وشارك فيها رغم معارضة الرأي العام البريطاني الذي خرج في ما أصبح يعرف باحتجاج المليونين إذ شهدت العاصمة البريطانية اضخم تظاهرة ولأول مرة في تاريخها مناهضة للحرب والموقف البريطاني المساند لها. وركز المحللون على أن حكومة بريطانيا الديمقراطية قد خرقت أبسط أصول الديمقراطية باتخاذ قرار خطير وهو الحرب دون الخضوع للمبادئ الديمقراطية التي تلزم الحكومة والسياسيين بالانصياع لرأي الأغلبية التي عبرت عن رفضها لتلك الحرب. والملفت للنظر أن الديمقراطية التي تنادي بها الدول الغربية, وأرفعها صوتا بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية, لمناهضة الدكتاتورية والتسلط والانفراد بالرأي وأحادية القرار, قد أصبحت ضحية قرار أحادي ومنفرد على جانبي المحيط الأطلسي في كل من لندن وواشنطن.

وازدادت حدة المشاكل التي تحيق برئيس الوزراء بلير بعد احتلال العراق والفشل في العثور على أسلحة الدمار الشامل التي كانت أحد وأهم الأسباب التي ساقها بلير لتبرير خروجه عن قرار الأغلبية البريطانية وشن الحرب على العراق رغم مرور أكثر من مئة يوم على احتلال العراق. وحاول بلير أن يعيد صياغة موقفه بالقول انه لم يتحدث عن أسلحة دمار شامل وإنما عن برامج أسلحة لإنتاج أسلحة الدمار الشامل, فكان هذا التعديل في الموقف وبالاً على مصداقيته التي انحدرت إلى أقل من ثلاثين بالمئة وفقد بريقه البلاغي وتأثيره الجماهيري. ولو كانت المعارضة البريطانية [المحافظون أو الأحرار] يتمتعون بقوة نسبية لسقطت حكومة حزب العمال منذ كشف النقاب عن تغيرات وتعديلات أدخلتها حكومة بلير على معلومات استخبارية في ملفات نشرتها الحكومة في شهر سبتمبر وفبراير الماضي لتأكيد أن العراق كان يمتلك أسلحة دمار شامل.

لكن التناحر اتسع واتخذ أبعادا خطيرة بين ثلاث جهات فاعلة وجميعها تعمل جاهدة على الاستحواذ على الرأي العام: وهي الصحافة والمخابرات والمؤسسة السياسية الحاكمة. وكانت الشرارة الأولى بتقرير نقلا عن مصادر مخابراتية, يبدو أنها ضاقت ذرعا بالتحويرات والتعديلات التي أضيفت على تقاريرها, أشارت إلى أن المؤسسة السياسية, وبالتحديد مكتب رئيس الوزراء ومستشاره, كامبل المسؤول عن الاتصالات, قد ضخما خطر العراق واحتمالات تهديده للجيران ولبريطانيا بالأسلحة الكيمياوية والبيولوجية من اجل تبرير الحرب واحتلال العراق. وقد نفى كامبل في جلسات استماع للجنة البرلمان للشؤون الخارجية قيامه بذلك.

غير أن الحكومة اضطربت وسعت إلى الوصول إلى مصدر تلك المعلومات السرية في إطار حملة لتقليل حجم الضرر الذي سيلحق برئيس الوزراء والمؤسسة الحاكمة. لكن سعيها قد أتى بنتائج عكسية قد تقضي على المؤسسة الحاكمة: فارتكبت خطأين الأول هو الدخول في لعبة الكشف عن معلومات حساسة ومخابراتية والثانية الكشف عن شخصيات تتولى مهمات حساسة لها مساس بالأمن القومي. ويبدو أنها ارتأت أن الأولوية في إنقاذها وترميم سمعتها على حساب بعض الضرر للجانب المخابراتي فوجدت نفسها في تصادم وتناحر مع المؤسسة المخابراتية البريطانية التي تتمتع بسياقات عمل وتقاليد صارمة إلى درجة أنها إلى فترة قريبة كانت ترفض الكشف عن رؤساء الأجهزة المخابراتية والأمنية. إضافة إلى أن تلك الأجهزة بقيت دائما بعيدة عن الأضواء العامة والصحفية فأجبرتها المؤسسة على أن تكون في دائرة الضوء.

وكانت الخطيئة الأولى بإعلان وزارة الدفاع عن اسم الدكتور ديفيد كيلي, خبير الأسلحة البيولوجية في وزارة الدفاع, على انه المصدر المحتمل لمزاعم أن الحكومة قد تكون ضخمت الخطر العراقي المحتمل وبضمنه إمكانية العراق بالقيام بهجوم بأسلحة بيولوجية وكيمياوية خلال [45] دقيقة. بل إن وزير الدفاع جيفري هون, الذي تحدثت التقارير الصحفية عن إعلانه نتائج حربية ونقيضها, قدم الدكتور كيلي للمثول أمام اللجنة البرلمانية للشؤون الخارجية. وكانت المفاجأة أن اللجنة قالت بعد الاستماع إليه, انه ليس المصدر المزعوم. فعادت الأنظار إلى الأجهزة المخابراتية.

ومن ثم تم العثور على جثة الدكتور كيلي في متنزه واسع لم يكن قريبا من بيته, كما يقول البعض, وإنما يبعد حوالي سبعة أميال [اثني عشر كيلومترا] عن منزله في [أوكسفوردشاير]. كيف وصل إلى هناك وهو الذي قال لعائلته عند الثالثة عصرا انه سيتمشى في الجوار. هل كان الدكتور كيلي على موعد مخابراتي أم موعد حكومي سياسي؟

فهل كان الدكتور كيلي القربان والضحية؟ إذا كان الأمر كذلك فمن الذي اتخذ القرار لإسكاته إلى الأبد؟ وكان قد ابلغ اللجنة البرلمانية وعائلته أنه يتعرض إلى ضغوط لم يفصح عن فحواها, وأعلنت الأجهزة الأمنية البريطانية أنها عرضت عليه بعد الكشف عن اسمه أن تسكنه في بيت آمن. قصة تحمل جميع بصمات الاغتيال المخابراتي والتصفية السياسية لإسكات صوت وإغلاق ملف دون اعتبار للديمقراطية ومفاهيمها التي توجب محاسبة السياسيين والأجهزة أمام مؤسسات الشعب. ولكن العامل الثالث في ذلك التناحر, وهو الصحافة, أصبح أكثر قدرة على جذب الرأي العام إليه لأن سعي المواطنين لمعرفة الحقيقة أصبح أكثر إلحاحا. فإذا أسكت صوت عالم واحد, فكيف يمكن إسكات أصوات صحفية متعددة الأفواه والمصادر.

وذلك بالتحديد ما يفسر اضطراب رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الذي غادر واشنطن سعيدا ومزهوا بجائزته الأمريكية ليبدأ جولة في جنوب شرقي آسيا. ولن تستطيع المؤسسة السياسية أن تجبر العامل الثاني في المعادلة: أجهزة المخابرات على تقديم ضحايا من أجل بقاء مؤسسة حزب العمال في سدة الحكم. ولذلك قد تكون تلك المؤسسة, وبالتحديد رئاسة توني بلير للحكومة البريطانية, تعيش الآن أيامها الأخيرة إذا لم تبتكر خطة خلاقة لتطويق الأضرار السياسية والمخابراتية وتهدئة الأضواء الإعلامية كي يركن الناخبون إلى رأي المؤسسة بأن جميع تلك الأحداث مجرد مصادفات سيئة لم يكن توني بلير وحزب العمال محظوظين فيها, أو أنها مؤامرة لإسقاط حكومته من جهات وأجهزة لا يمكن الكشف عن هويتها. ويقول الساخرون إنها قد تكون أجهزة وجهات عراقية سعت إلى الانتقام من رئيس الوزراء بلير لدوره في الحرب ضد العراق واحتلاله.

من المتوقع أن تزداد الدعوات لاستقالة رئيس الوزراء خصوصا وأن العديد من أركان حزبه في البرلمان وخارجه يحبذون استبداله لأنه ربما أصبح الآن عبئا على الحزب وعلى فرصه بالاحتفاظ بالحكم في الانتخابات القادمة. كما أن البعد العراقي لن يختفي لأن الفوضى مستمرة والمقاومة العراقية تتصاعد بأشكال متعددة بعضها مسلح, وبأساليب متنوعة أدت إلى خسائر منظورة للقوات الأمريكية والبريطانية, وأخرى سياسية آخذة بالاتساع حتى في أوساط الذين رحبوا بإسقاط نظام الرئيس المخلوع صدام حسين. يضاف إلى ذلك الهم الأكبر: الإخفاق في العثور على أسلحة دمار عراقية أو في الأقل برامج أسلحة دمار كما يزعم رئيس الوزراء بلير في صيغته المعدلة حديثا. ولعل الدكتور كيلي أفضل العارفين ببواطن البرامج العراقية لأنه كان أحد مفتشي الأسلحة الذين عملوا ضمن لجنة أنسكوم للتفتيش في ظل رئاسة بتلر, وزار العراق عشرات المرات وأصبح كبير خبراء الأمم المتحدة في الأسلحة الجرثومية والبيولوجية بين عامي 1994و1999. وقد تكون معرفته الوثيقة ما جلب الوبال عليه ففقد حياته التي يرجح المراقبون أن السلطات البريطانية ستقول إنها كانت نتيجة انتحار وليست تصفية. والأمران سيان: التناحر يقود إلى ضحايا, والضحية القادمة رئيس الوزراء توني بلير







التوقيع :
اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي




نصمت أحيانا ليس لضعف فينا..حتى ولو فسره الأخرون ذلك..
..نصمت لأننا نعلم أن الجرح أكبر من كل الكلام الذي يقال..
..نصمت أحيانا لأن خيبتنا كانت أكبر من كل لغات العالم..
..نصمت أحيانا لأن كل شئ إنتهى ولن يعود..

!!فما فائده الحديث لقلوباً صماء لا ترى سوى نفسها فقط..؟..

رد مع اقتباس