عرض مشاركة واحدة
قديم 23-07-2007, 12:11 AM   رقم المشاركة : 7
عمر الدرويش
-( أديب وكاتب )-
 
الصورة الرمزية عمر الدرويش
الملف الشخصي







 
الحالة
عمر الدرويش غير متواجد حالياً

 


 

الحُجْرة الفقيرة

بعد خصام ٍ مع الحياة الجميلة ، أزف وقت الفراق ، تمددتُ على فراش الوداع . أمي تنوح وحجابها قد سئم منها بعد أن غرق من شدّة هطول الدمع ؛ حتى أنها رفضت إتمام غسلي قائلة : أسامة لم يمت .... أسامة لم يمت ..!

إخوتي كل منهم أناخ نفسه في زاوية متهالكة من زوايا الحجرة الفقيرة وأخذوا يجرون صدى الأحزان والعَبَرات بحبالهم الصوتية الممزقة ..
أصدقائي توقفوا حتى عن العبث بسيرتي البائدة ، أرسلت أُذني نحوهم علّها تسترق سمع بعض غرائبهم فأتتني ببضاعة مزجاة ٍ نفيسة :
صوت 1 : مسكين رحمه الله ؛ مات قبل أن أُعطيه ماله ..!
صوت 2 : كان هادىء الطبع ، طيباً .. مــ مــ .. لم أفهم باقي آلامه بعد أن استسلم لقيود البكاء ..
صوت 3 : متى الصلاة عليه ..؟ رحمك الله يا أسامة ..

مرّت السنون ، الحجرة الضيقة التي كنا نحتمي بها أنا وإخوتي أنجبت حُجرات مترامية الزوايا ، إخوتي بعد أن منّ الله عليهم أحرقوا صورتي البائسة التي كانت متعلقة بحائطنا المعاق . أصدقائي تغيّرت أجسامهم وأنفسهم . نعم سمعتهم ذات مساء يتجادلون بعد أن مالوا بعقولهم الصدئة نحوي :
صوت 1 : كنت أريد أن أعطيه ماله ، لكنه مات ..! وأنا الحيّ أولى منه به ..!
صوت 2 : رحمه الله ؛ صحيح أنه كان طيباً ، لكنه يتدخّل حتى بين النملة واختها ..!
صوت 3 : رحمه الله كان ..!! الله يرحمه .. الله يرحمه..!

أهكذا بعد أن فارقت روحي جسدي الطري تجرأتم عليّ ..!! أهكذا ..؟!

وأنا متدثّر بهمومي وأحزاني ، استيقظت على أنغام هاتفي النقال ، فتحتُ عيناي فأبصرت أول ما أبصرت صورتي الكئيبة .. ما زالت مُتأبطة الحائط المكلوم . انتزعت هاتفي النقال من أحضان الوسادة فوجدت مكالمات لطالما تعبتْ من إهمالي لها ، وعدم التلصص بالنظر إليها ؛ ولم أتفاجأ بأنها من ..
صوت 1
وصوت 2
وصوت 3

فنفضت سريري بعد أن قرأت المعوّذتين وآية الكرسي .. فكم هي الأحلام أحياناً سوداااء ...!





تأليف / عمر الدرويش







التوقيع :

لملمت جرحك يا أبي
برموش أشعاري
فبكت عيون الناس
من حزني ... و من ناري
و غمست خبزي في التراب ...
وما التمست شهامة الجار !
وزرعت أزهاري
في تربة صماء عارية
بلا غيم ... و أمطار
فترقرقت لما نذرت لها
جرحا بكى برموش أشعاري !
عفوا أبي !
قلبي موائدهم
و تمزقي ... و تيتمي العاري !
ما حيلة الشعراء يا أبتي
غير الذي أورثت أقداري
إن يشرب البؤساء من قدحي
لن يسألوا
من أي كرم خمري الجاري !

محمود درويش

رد مع اقتباس