الموضوع: وسائل الثبات
عرض مشاركة واحدة
قديم 22-02-2003, 03:06 PM   رقم المشاركة : 2
ابوسعود
مؤسس قديم
 
الصورة الرمزية ابوسعود
الملف الشخصي







 
الحالة
ابوسعود غير متواجد حالياً

 


 

سادساً : الحرص على أن يسلك المسلم طريقاً صحيحاً :

والطريق الوحيد الصحيح الذي يجب على كل مسلم سلوكه هو طريق أهل السنة والجماعة ، طريق الطائفة المنصورة والفرقة الناجية ، أهل العقيدة الصافية والمنهج السليم واتباع السنة والدليل ، والتميز عن أعداء الله ومفاصلة أهل الباطل ..

وإذا أردت أن تعرف قيمة هذا في الثبات فتأمل وسائل نفسك : لماذا ضل كثير من السابقين واللاحقين وتحيروا ولم تثبت أقدامهم على الصراط المستقيم ولا ماتوا عليه ؟ أو وصلوا إليه بعدما انقضى جل عمرهم وأضاعوا أوقاتاً ثمينة من حياتهم ؟؟.

فترى أحدهم يتنقل في منازل البدع والضلال من الفلسفة إلى علم الكلام والاعتزال إلى التحريف والتأويل إلى التفويض والإرجاء ، ومن طريقة في التصوف إلى أخرى ..

وهكذا أهل البدع يتحيرون ويضطربون ، وانظر كيف حُرم أهل الكلام الثبات عند الممات فقال السلف : " أكثر الناس شكاً عند الموت أهل الكلام " لكن فكر وتدبر هل رجع من أهل السنة والجماعة عن طريقه سَخْطَةً بعد إذ عرفه وفقه وسلكه ؟ قد يتركه لأهواء وشهوات أو لشبهات عرضت لعقله الضعيف ، لكن لا يتركه لأنه قد رأى أصح منه أو تبين له بطلانه .

ومصداق هذا مساءلة هرقل لأبي سفيان عن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال هرقل لأبي سفيان : " فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ " قال أبو سفيان : لا . ثم قال هرقل : " وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب " رواه البخاري ، الفتح 1/32 .

سمعنا كثيراً عن كبار تنقلوا في منازل البدع وآخرين هداهم الله فتركوا الباطل وانتقلوا إلى مذهب أهل السنة والجماعة ساخطين على مذاهبهم الأولى ، ولكن هل سمعنا العكس ؟!

فإن أردت الثبات فعليك بسبيل المؤمنين .

سابعاً : التربية :

التربية الإيمانية العلمية الواعية المتدرجة عامل أساسي من عوامل الثبات .

التربية الإيمانية : التي تحيي القلب والضمير بالخوف والرجاء والمحبة ، المنافية للجفاف الناتج من البعد عن نصوص القرآن والسنة ، والعكوف على أقاويل الرجال .

التربية العلمية : القائمة على الدليل الصحيح المنافية للتقليد والأمعية الذميمة .

التربية الواعية : التي لا تعرف سبيل المجرمين وتدرس خطط أعداء الإسلام وتحيط بالواقع علماً وبالأحداث فهماً وتقويماً ، المنافية للانغلق والتقوقع على البيئات الصغيرة المحدودة .

التربية المتدرجة : التي تسير بالمسلم شيئاً فشيئاً ، ترتقي به في مدارج كماله بتخطيط موزون ، والمنافية للارتجال والتسرع والقفزات المحطمة .

ولكي ندرك أهمية هذا العنصر من عناصر الثبات ، فلنعد إلى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسائل أنفسنا .

- ما هو مصدر ثبات صحابة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ، إبان فترة الاضطهاد ؟

- كيف ثبت بلال وخباب ومصعب وآل ياسر وغيرهم من المستضعفين وحتى كبار الصحابة في حصار الشعب وغيره ؟

- هل يمكن أن يكون ثباتهم بغير تربية عميقة من مشكاة النبوة ، صقلت شخصياتهم ؟

لنأخذ رجلاً صحابياً مثل خباب بن الأرت رضي الله عنه ، الذي كانت مولاته تحمي أسياخ الحديد حتى تحمر ثم تطرحه عليها عاري الظهر فلا يطفئها إلا ودك ( أي الشحم ) ظهره حين يسيل عليها ، ما الذي جعله يصبر على هذا كله ؟ .

- وبلال تحت الصخرة في الرمضاء ، وسمية في الأغلال والسلاسل ..

- وسؤال منبثق من موقف آخر في العهد المدني ، من الذي ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حُنين لما انهزم أكثر المسلمين ؟ هل هم حديثو العهد بالإسلام ومُسلِمة الفتح الذين لم يتربوا وقتاً كافياً في مدرسة النبوة والذين خرج كثير منهم طلباً للغنائم ؟ كلا .. إن غالب من ثبت هم أولئك الصفوة المؤمنة التي تلقت قدراً عظيماً من التربية على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

لو لم تكن هناك تربية ترى هل كان سيثبت هؤلاء ؟

ثامناً : الثقة بالطريق :

لا شك أنه كلما ازدادت الثقة بالطريق الذي يسلكه المسلم ، كان ثباته عليه أكبر .. ولهذا وسائل منها :

- استشعار أن الصراط المستقيم الذي تسلكه - يا أخي - ليس جديداً ولا وليد قرنك وزمانك ، وإنما هو طريق عتيق ( عتيق صفة مدح ) قد سار فيه من قبلك الأنبياء والصديقون والعلماء والشهداء والصالحون ، فتزول غربتك ، وتتبدل وحشتك أنساً ، وكآبتك فرحاً وسروراً ، لأنك تشعر بأن أولئك كلهم أخوة لك في الطريق والمنهج.

- الشعور بالاصطفاء ، قال الله عز وجل : ( الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ) النمل /59 . وقال : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) فاطر /32 . وقال : ( وكذلك يجتبك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ) يوسف /6 . وكما أن الله اصطفى الأنبياء فللصالحين نصيب من ذلك الاصطفاء وهو ما ورثوه من علوم الأنبياء .

- ماذا يكون شعورك لو أن الله خلقك جماداً ، أو دابة ، أو كافراً ملحداً ، أو داعياً إلى بدعة ، أو فاسقاً ، أو مسلماً غير داعية لإسلامه ، أو داعية في طريق متعدد الأخطاء ؟

- ألا ترى أن شعورك باصطفاء الله لك وأنْ جعلك داعية من أهل السنة والجماعة من عوامل ثباتك على منهجك وطريقك ؟

تاسعاً : ممارسة الدعوة إلى الله عز وجل :

النفس إن لم تتحرك تأسن ، وإن لم تنطلق تتعفن ، ومن أعظم مجالات انطلاق النفس : الدعوة إلى الله ، فهي وظيفة الرسل ، ومخلصة النفس من العذاب ؛ فيها تتفجر الطاقات ، وتنجز المهمات ( فلذلك فادع ، واستقم كما أمرت ) . وليس يصح شيء يقال فيه " فلان لا يتقدم ولا يتأخر " فإن النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية ، والإيمان يزيد وينقص .

والدعوة إلى المنهج الصحيح - ببذل الوقت ، وكدّ الفكر ، وسعي الجسد ، وانطلاق اللسان ، بحيث تصبح الدعوة هم المسلم وشغله الشاغل - يقطع الطريق على محاولات الشيطان بالإضلال والفتنة .

زد على ذلك ما يحدث في نفس الداعية من الشعور بالتحدي تجاه العوائق ، والمعاندين ، وأهل الباطل ، وهو يسير في مشواره الدعوي ، فيرتقي إيمانه ، وتقوى أركانه .

فتكون الدعوة بالإضافة لما فيها من الأجر العظيم وسيلة من وسائل الثبات ، والحماية من التراجع والتقهقر ، لأن الذي يُهاجم لا يحتاج للدفاع ، والله مع الدعاة يثبتهم ويسدد خطاهم والداعية كالطبيب يحارب المرض بخبرته وعلمه ، وبمحاربته في الآخرين فهو أبعد من غيره عن الوقوع فيه .

عاشراً : الالتفاف حول العناصر المثبتة :

تلك العناصر التي من صفاتها ما أخبرنا به عليه الصلاة والسلام : ( إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر ) حسن رواه ابن ماجة عن أنس مرفوعاً 237 وابن أبي عاصم في كتاب السنة 1/127 وانظر السلسلة الصحيحة 1332 .

البحث عن العلماء والصالحين والدعاة المؤمنين ، والالتفاف حولهم معين كبير على الثبات . وقد حدثت في التاريخ الإسلامي فتن ثبت الله فيها المسلمين برجال .

ومن ذلك : ما قاله علي بن المديني رحمه الله تعالى " أعز الله الدين بالصديق يوم الردة ، وبأحمد يوم المحنة " .

وتأمل ما قاله ابن القيم رحمه الله عن دور شيخه شيخ الإسلام في التثبيت : " وكنا إذا اشتد بنا الخوف ، وساءت بنا الظنون ، وضاقت بنا الأرض أتيناه ، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله عنا ، وينقلب انشراحاً وقوة ويقيناً وطمأنينة ، فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه وفتح لهم أبوابها في دار العمل ، وآتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها " . الوابل الصيب ص 97 .

وهنا تبرز الأخوة الإسلامية كمصدر أساسي للتثبيت ، فإخوانك الصالحون والقدوات والمربون هم العون لك في الطريق ، والركن الشديد الذي تأوي إليه فيثبتوك بما معهم من آيات الله والحكمة .. الزمهم وعش في أكنافهم وإياك والوحدة فتتخطفك الشياطين فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية .

الحادي عشر : الثقة بنصر الله وأن المستقبل للإسلام :

نحتاج إلى الثبات كثيراً عند تأخر النصر ، حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها ، قال تعالى : ( وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ، وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ، فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة ) آل عمران /146-148 .

ولما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يثبت أصحابه المعذبين أخبرهم بأن المستقبل للإسلام في أوقات التعذيب والمحن فماذا قال ؟

جاء في حديث خباب مرفوعاً عند البخاري : ( وليُتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف الله والذئب على غنمه ) رواه البخاري ، انظر فتح الباري 7/165 .

فعرض أحاديث البشارة بأن المستقبل للإسلام على الناشئة مهم في تربيتهم على الثبات .

الثاني عشر : معرفة حقيقة الباطل وعدم الاغترار به :

في قول الله عز وجل : ( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد ) آل عمران /196 تسرية عن المؤمنين وتثبيت لهم .

وفي قوله عز وجل : ( فأما الزبد فيذهب جفاء ) الرعد /17 عبرة لأولي الألباب في عدم الخوف من الباطل والاستسلام له .

ومن طريقة القرآن فضح أهل الباطل وتعرية أهدافهم ووسائلهم ( وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين ) الأنعام /55 حتى لا يؤخذ المسلمون على حين غرة ، وحتى يعرفوا من أين يؤتى الإسلام .

وكم سمعنا ورأينا حركات تهاوت ودعاة زلت أقدامهم ففقدوا الثبات لما أتوا من حيث لم يحتسبوا بسبب جهلهم بأعدائهم .

الثالث عشر : استجماع الأخلاق المعينة على الثبات :

وعلى رأسها الصبر ، ففي حديث الصحيحين : ( وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر ) رواه البخاري في كتاب الزكاة - باب الاستعفاف عن المسألة ، ومسلم في كتاب الزكاة - باب فضل التعفف والصبر . وأشد الصبر عند الصدمة الأولى ، وإذا أصيب المرء بما لم يتوقع تحصل النكسة ويزول الثبات إذا عدم الصبر .

- تأمل فيما قاله ابن الجوزي رحمه الله : " رأيت كبيراً قارب الثمانين وكان يحافظ على الجماعة فمات ولد لابنته ، فقال : ما ينبغي لأحد أن يدعو ، فإنه ما يستجيب . ثم قال : إن الله تعالى يعاند فما يترك لنا ولداً " الثبات عند الممات لابن الجوزي ص34 تعالى الله عن قوله علواً كبيراً .

- لما أصيب المسلمون في أحد لم يكونوا ليتوقعوا تلك المصيبة لأن الله وعدهم بالنصر ، فعلمهم الله بدرس شديد بالدماء والشهداء : ( أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا ؟ قل هو من عند أنفسكم ) آل عمران /165 ماذا حصل من عند أنفسهم ؟

فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون ، منكم من يريد الدنيا .







رد مع اقتباس