بالإصلاح تزول الأحقاد وتتآلف القلوب وتنتشر المحبة , ويجتمع الناس بقلوبهم وأجسادهم متحابين متآلفين
ساعين لنفع الناس ومايقربهم إلى رضا الله عز وجل , ومايكسبون به الدنيا والآخرة , وأما القطيعة والتباعد
والتشاحن فمن شأنها قسوة القلوب وغضب الله , وهي نتاج الإنقياد خلف الهوى والشيطان .
لاشك أن هناك وسائل معينة ينبغي أن يفيد منها مُـريد الإصلاح , لربما كانت رافداً له في مسيرته الإصلاحية.
1 = إخلاص النية في هذا العمل : فإن المرء إذا أخلص النية وصدق فيها يُوفّق بإذن الله لما أراد .
فإذا صدق المصلح في إصلاحه وأراد الخير وفقه الله إلى الخير , ولذلك قال الله في حق الحكمين اللذين
يختارهما الزوجان عند الإختلاف بينهما : { إن يُريدا إصلاحاً يُوفق الله بينهما } . ولذا جاء في الأثر أن
أحد الخلفاء الراشدين لما عرض عليه أمر شخصين حكما في قضية زوجين ولم يتفقا , جــلـدهـمـا
وأستدل بقوله تعالى : { إن يُريدا إصلاحاً يُوفق الله بينهما } , فقال إنكما لا تريدا الإصلاح ولو
أردتماه لتحقق لكما ذلك أو كما قال - رضي الله عنه - .
2 = إحتساب الأجر عند الله عز وجل : وهذا الأمر إذا ترسخ في قلب المصلح سهل عليه مهمة
الإصلاح من جهة وأحس بطعم السعادة من جهة رغم الجهد والعناء الذي يلاقيه , وفوق ذلك
هيّـأ نفسه وكان مستعداً لكل مشكلة قد ترد عليه أو تنبني على مشواره الإصلاحي , أما إذا كان
هدف المرء الثناء والمديح من هذا وكسب رضا ذلك أو عرضاً في الدنيا , فسرعان ماينثني
ويتراجع لأي عارض يعرض له , فالدافع الوهمي سرعان مايزول ويضمحل .
3 = أن يستحضر كل الوسائل المعنية له في مهمته , فإذا كان المختلفان اللذان يُـراد الإصلاح
بينهما ممن يرغبون في الـمــال قدّم المصلح لهما المال , ولذلك جعل الشارع من مصارف الزكاة
الغارمين , وهم الذين يغرمون من مالهم للإصلاح بين الناس .
وإن كان المتخاصمان ممن يحبون الجاه فعلى المصلح بينهما أن يصطحب معه شخص من ذوي الجاه
الذين يرى أن بوجودهم مساعدة له في تحقيق هذا الصلح وإتمامه .
وإن كانا ممن يحبان الثناء والمديح أثنى عليهما في حدود المشروع أي أنه يستغل كل فرصة لزرع
الصلح وإعادة الأمور في نصابها حتى لو أدّى الأمر إلى الكذب لللإصلاح , فلا بأس بذلك ,
يقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ) .
فلو جاء لأحد المتخاصمين وقال أن فلاناً - وهو خصمه - يمدحك ويثني عليك , وحاول أن يذكر
مايمتاز به هذا الشخص من خصال , وقال أن فلاناً يثني عليك ويقول كذا وكذا , ثم يأتي للآخر
ويقول له مثلما قال للأول من عبارات الثناء من الأول فله ذلك وإن كان كاذباً . وهما لم يقولا ذلك
فهذا من الكذب المباح الذي يُــراد منه الإصلاح بين الناس .
وإن كان المتخاصمان ممن يحبون الهدية حمل الـمُـصلح معه من الهدايا مايطمع أن يحقق المصلحة .
4 = لابأس أن يشترك في هذا العمل النبيل أكثر من شخص . هذا بماله وهذا بجاهه وهذا بلباقته
وحُـسن عباراته , وهذا لقرابته من الإثنين مثلاً . المهم الوصول إلى الهدف الأسمى وهو الإصلاح
بين المتخاصمين وتطييب القلوب وإزالة الضغائن والأحقاد منها .
أن من الواجب أن يفطن العارفون ومحبو الخير إلى التأسيس لهذا المنهج العظيم , وهو الإصلاح ,
وذلك بأن تقوم كل أسرة أو قبيلة بـإختيار مجموعة من الأشخاص ليكونوا بمثابة لجنة إصلاحية
لفض المنازعات التي تحصل داخل هذة الأسرة أو تلك القبيلة , ومن الممكن عمل مثل ذلك في
الأحياء السكنية يستفيد منها أهل الحي في الإصلاح . فيما قد يحصل بين بعضهم من مشاكل
أو تنافر . ويستفيد منها غيرهم أيضاً في هذا الشأن . وهو باب عظيم نافع للمسلمين , ولمن يقوم به
في الدنيا والآخرة .