اخر المواضيع

اضف اهداء

 

العودة   منتديات الرائدية > المنتديات العامة > منتدى الثقافة العامة
 

إضافة رد
مشاهدة الموضوع
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-08-2014, 09:22 PM   رقم المشاركة : 1
ابو جواد
رائدي فـعـّـال
الملف الشخصي






 
الحالة
ابو جواد غير متواجد حالياً

 


 

الفضيل بن عياض
الخشية من الله والبكاء يلازمانه، لا يُرى إلا وعيناهٍ تفيض من الدمع، كلما ذكر اسم الله تعالى عنده ظهر عليه الخوف والوجل، وارتعشت كل أعضاء جسده، ترى من يكون هذا الرجل الذي غمر الإيمان قلبه ؟!
كان عاصيًا فتاب الله عليه، وجعله من عباده المؤمنين، تحول من قاطع طريق يروع الآمنين إلى عابد زاهد، وكان سبب توبته؛ أنه كان يتسلق جدران أحد المنازل بالليل؛ فسمع صوتًا يتلو قوله تعالي: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق} [الحديد: 16] فلما سمعها قال: بلي يا رب، قد آن.
فرجع فمرَّ على أرض خربة، فوجد بها قومًا، فقال بعضهم: نرحل، وقال بعضهم: ننتظر حتى نصبح، فإن الفضيل يقطع علينا الطريق، قال (أي: الفضيل): ففكرت وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي وقوم من المسلمين هاهنا يخافونني !! وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع (أي أن الله قدر لي أن آتي إلى هذا المكان لأتوب وأرجع إليه) اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام.. لقد جعل مظاهر توبته مجاورته لبيت الله حيث الرحمة والبركة، يدعو الله ويستغفره، ويندم على ما فرط في حقه.
في أرض خراسان ولد (الفضيل بن عياض) ثم رحل إلى الكوفة في العراق، فسمع الأحاديث النبوية الشريفة والفقه من العلماء؛ أمثال (الأعمش) و(يحيي بن سعيد الأنصاري) و(جعفر الصادق) فأثرت تأثيرًا كبيرًا في شخصيته، حتى أصبح من الزهاد الذين يرون أن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، ولا تستحق أن يتكالب الناس عليها، ويتصارعون من أجلها، فهي فانية زائلة، بل الأولى أن يعمل الناس
لأخراهم، فهي الباقية الدائمة بفعل الخير، وتجنب المعاصي، ثم انتقل إلى مكة وأقام بها حتى توفي.
وكان إذا خرج في جنازة مع الناس، يعظهم ويذكرهم بالآخرة، حتى إذا وصل إلى المقبرة، جلس في حزن شديد، وظل يبكي ولا ينقطع بكاؤه، سأله الخليفة
(هارون الرشيد) ما هي صفات المؤمن أيها الزاهد؟ فقال له الفضيل: صفات
المؤمن؛ صبر كثير، ونعيم طويل، وعجلة قليلة، وندامة طويلة.
ومرَّ الفضيل بن عياض على جماعة أغنياء، فوجدهم يلعبون ويشربون ويلهون؛ فقال لهم بصوت عال: إن مفتاح الخير كله هو الزهد في الدنيا، وقد سأله أحدهم: وما الزهد في الدنيا ؟ فقال: القناعة والرضا وهما الغنى الحقيقي، فليس الغنى في كثرة المال والعيال، إنما الغنى غنى النفس بالقناعة والرضا في الدنيا، حتى نفوز في الآخرة، ثم توجه إلى الله داعيًا: اللهم زهدنا في الدنيا، فإنه صلاح قلوبنا وأعمالنا وجميع طلباتنا ونجاح حاجتنا.
وحجَّ هارون الرشيد ذات مرة؛ فسأل أحد أصحابه أن يدله على رجل يسأله؛ فدله على الفضيل، فذهبا إليه، فقابلهما الفضيل وقال للرشيد: إن عمر بن عبد العزيز لما ولِّي الخلافة دعا أناسًا من الصالحين فقال لهم: إني قد ابتليت بهذا البلاء
(يعني الحكم) فأشيروا علي.. فعدَّ عمر الخلافة بلاء، وعددتها أنت وأصحابك
نعمة، فبكى الرشيد، فقال له صاحب الرشيد: ارفق بأمير المؤمنين، فقال الفضيل: تقتله أنت وأصحابك وأرفق به أنا ؟ (يقصد أن عدم نصحه كقتله) فقال له الرشيد: زدني يرحمك الله..
فأخذ يعظه وينصحه، ثم قال له: يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عن هذا الخلق يوم القيامة، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل، وإياك أن تصبح
وتمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
(ما من والٍ يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاشٌ لهم إلا حَرَّمَ الله
عليه الجنة) [متفق عليه] فبكي هارون وقال له: أعليك دين أقضيه عنك؟ فقال:
نعم، دين لربي لم يحاسبني عليه، والويل لي إن ناقشني، فالويل لي إن لم ألهم
حجتي، قال: إنما أعني من دين العباد.
قال: إن ربي لم يأمرني بهذا؛ أمرني أن أصدق وعده وأطيع أمره، فقال الرشيد: هذه ألف دينار خذها فأنفقها على عيالك وتقوَّ بها على عبادة ربك، فقال الفضيل: سبحان الله،أنا أدلك على طريق النجاة وأنت تكافئني بمثل هذا، سلَّمك الله
ووفَّقك، ثم صمت فلم يكلمنا؛ فخرج الرشيد وصاحبه، وكان الفضيل شديد التواضع، يشعر دائمًا بأنه مقصر في حق الله، رغم كثرة صلاته وعبادته.
وتمضي الأيام، ويتقدم السن بالفضيل بن عياض وذات مرة كان بعض الناس جلوسًا عنده، فقالوا له: كم سنك ؟ فقال:
بلغتُ الثَّمانين أوجُزْتهَــــــا
فَمَاذا أُؤمِّلُ أَو أَنْـَتظِــــــرْ
عَلَتْني السِّنُون فأبْلَيْننَــــــي
فَدَقَّ العِظامُ وَكَلَّ البَصَــــــرْ
ومرض الفضيل، فسُمِع يقول: ارحمني بحبي إياك، فليس شيء أحب إلي منك، وأقام الزاهد العابد الفضيل بن عياض بـ(مكة) حتى توفي عام 187هـ وأطلق عليه
هناك (شيخ الحرم المكي).







رد مع اقتباس
قديم 02-08-2014, 09:23 PM   رقم المشاركة : 2
ابو جواد
رائدي فـعـّـال
الملف الشخصي






 
الحالة
ابو جواد غير متواجد حالياً

 


 

عقبة بن نافع
كان والده من المسلمين الأوائل الذين جاهدوا في سبيل الله، فلم يكن غريبًا أن يشب (عقبة بن نافع بن عبد القيس الفهري) وحب الجهاد يجري في عروقه، وتمنى أن يكون أحد أبطال مكة وفرسانها، تعلم المبارزة، وتدرب مع الشباب المسلم على حمل السلاح، وازداد عقبة حبًّا واشتياقًا للجهاد من سماعه لقصص البطولة التي قام بها المسلمون أثناء حروبهم ضد أعداء الإسلام، حكاها له ابن خالته
(عمرو بن العاص).
ولما بلغ عقبة مبلغ الشباب أصبح يجيد المبارزة وكل فنون الحرب والقتال، منتظرًا اللحظة المواتية ليدافع عن دين الله، وجاءت الفرصة عندما أسند الخليفة العادل
(عمر بن الخطاب) فتح بعض بلاد الشام إلى عمرو بن العاص، وجعل عمرو
(عقبة بن نافع) في مقدمة الجيش وهو لم يبلغ بعد سن العشرين، وكان عقبة عند حسن ظن عمرو بن العاص، فقد أظهر مقدرة بطولية على اختراق صفوف
الأعداء، ونجح نجاحًا كبيرًا في أول امتحان له في الجهاد في سبيل الله.
وفي أثناء فتح عمرو بن العاص لمصر أظهر عقبة تفوقًا ملحوظًا، واستطاع بمهارته الحربية أن يساعد عمرو بن العاص في هزيمة الروم، وكان كل يوم يمر على عقبة يزداد حبًّا للجهاد في سبيل الله، وشغفًا بنشر دين الإسلام في كل بقاع الأرض؛ حتى ينعم الناس بالأمن والعدل والرخاء، وظل عقبة بن نافع جنديًّا في صفوف المجاهدين دون تميز عن بقية الجنود، على الرغم من براعته في القتال وشجاعته التي ليس لها حدود في مقاتلة أعدائه، إلى أن كلفه عمرو بن العاص ذات يوم أن يتولى قيادة مجموعة محدودة من الجنود يسير بهم لفتح فزان (مجموعة الواحات الواقعة في الصحراء الكبرى شمال إفريقيا) .
وانطلق عقبة إلى (فزان) وكله أمل ورجاء في النصر على أعدائه، وعندما وصل عقبة إليها دارت معارك عنيفة بين البربر والمسلمين أظهر فيها عقبة شجاعة نادرة حتى فرَّ البربر من أمامه ورفعوا راية الاستسلام، وأراد عمرو بن العاص فتح إفريقية
كلها، لكنه كان في حاجة إلى عدد كبير من الجنود، فبعث إلى الخليفة
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يستأذنه في فتحها، لكن الخليفة عمر -رضي الله عنه- كان من رأيه الانتظار عدة سنوات حتى يرسخ المسلمون في مصر وتثبت إمارتهم ويزداد جيش المسلمين ويقوى عدةً وعتادًا.
انتقل عقبة -رضي الله عنه- إلى برقة (منطقة في ليبيا) بأمر من عمرو بن العاص رضي الله عنه ؛ لِيُعَلِّمَ المسلمين فيها أمور دينهم، وينشر الإسلام في هذه
المنطقة، ومكث -رضي الله عنه- مخلصًا في نشر نور الإسلام، وتدعيم شعائره في نفوس الذين أقبلوا على تعلم لغة القرآن .. فأسلم على يديه كثير منهم، وأحبوه حتى استطاع عقبة أن يكتسب خبرة واسعة بكل أحوال البربر.
وتمر الأيام والسنون وعقبة يواصل جهاده في سبيل الله، حتى كانت سنة (40هـ) وهي السنة التي تولي فيها معاوية بن أبي سفيان الخلافة، وعاد عمرو بن العاص واليًا على مصر، وحين أراد عمرو بن العاص أن يستكمل الفتوحات الإسلامية التي كان قد بدأها في برقة رأى أن خير من يقوم بهذه الفتوحات عقبة بن نافع؛ لإقامته بين البربر لسنوات عديدة، فأصبح من أكثر الناس معرفة بحياة البربر وعاداتهم
وتقاليدهم.
وبدأ عقبة الجهاد في سبيل الله، ونشر الإسلام بين قبائل البربر، وكانت برقة آنذاك قد تغيرت معالمها بعد أن اعتنق أهلها الدين الإسلامي، وانتشرت المساجد في كل مكان فيها، وظل عقبة واليًا على برقة يدعو إلى الإسلام إلى أن جاءته رسالة من الخليفة يخبره فيها بأنه قد اختاره لفتح إفريقية وأن جيشًا كبيرًا في الطريق إليه، ووصل
الجيش الذي أرسله الخليفة معاوية بن أبي سفيان، وكان يبلغ عدده عشرة آلاف
جندي، وكان في انتظاره جيش آخر من البربر الذين أسلموا
فحسن إسلامهم.
انطلق عقبة بجيشه المكون من العرب والبربر يفتتح البلاد، ويقاتل القبائل التي ارتدت عن الإسلام دون أن يقتل شيخًا كبيرًا، ولا طفلاً، ولا امرأة، بل كان يعاملهم
معاملة طيبة، حسب تعاليم الإسلام في الحروب، واستطاع عقبة أن يستولي على منطقة (ودان) وبعدها قام بالسيطرة على (فزان) ثم اتجه ناحية مدينة (خاوار) التي كانت تقع على قمة جبل شديد الارتفاع، فكان من الصعب على الجيش
أن يتسلقه، فوصل عقبة إلى أسوار المدينة، ولكن أهلها دخلوا حصونهم فحاصرها حصارًا شديدًا.
وهنا تظهر عبقرية عقبة الحربية، فحين علم أن دخول المدينة أمر صعب، تراجع بجيشه مبتعدًا عن المدينة، حتى ظن أهلها أن جيش المسلمين قد انسحب، ففتحوا أبواب مدينتهم آمنين، ولم يكن تراجع عقبة إلا حيلة من حيله الحربية، فقد علم أن هناك طريقًا آخر للوصول إلى هذه المدينة فسار عقبة فيه، ولكنه فوجيء بأن هذا الطريق لم يسلكه أحد من قبل وليس فيه عشب ولا ماء، وكاد جيش عقبة يموت عطشًا، فاتجه إلى الله يسأله ويدعوه أن يخرجه من هذا المأزق الخطير.
فما كاد ينتهي من دعائه حتى رأى فرسه يضرب الأرض برجليه بحثًا عن الماء من شدة العطش، وحدث ما لم يكن في الحسبان، فقد استجاب الله دعاء عقبة وانفجر الماء من تحت أقدام الفرس، وكبَّر عقبةُ ومعه المسلمون، وأخذوا يشربون من هذا الماء العذب، ولما شرب الجيش وارتوى؛ أمر عقبة جنوده بأن يحفروا سبعين حفرة في هذا المكان علَّهم يجدون ماء عذبًا، وتحققت قدرة الله وأخذ الماء يتفجر من كل حفرة يحفرها المسلمون، ولما سمع البربر المقيمون بالقرب من هذه المنطقة بقصة الماء أقبلوا من كل جهة يشاهدون ما حدث، واعتنق عدد كبير منهم الإسلام.
وانطلق عقبة ومعه جنوده إلى مدينة (خاوار) ودخلوها ليلاً، ولما عاد عقبة فكر في بناء مدينة يعسكر فيها المسلمون، فاختار مكانًا كثيف الأشجار يسمي (قمونية)
جيد التربة، نقي الهواء ليبني فيه مدينته التي أسماها فيما بعد (القيروان) فقال لأصحابه: انزلوا بسم الله.
وانشغل عقبة ببناء مدينة القيروان عن الفتح الإسلامي، وطلب (مسلمة بن مخلد الأنصاري) وكان واليًا على مصر والمغرب من الخليفة معاوية بن أبي سفيان عزل عقبة وتعيين (أبي المهاجر بن دينار) وبالفعل تمَّ عزله، وفي عهد الخليفة يزيد بن
معاوية عاد عقبة إلى قيادة الجيش في إفريقية وأقام عقبة عدة أيام في القيروان يعيد تنظيم الجيش حتى أصبح على أتم الاستعداد للغزو والفتح، ثم انطلق إلى مدينة الزاب
(وهي المدينة التي يطلق عليها الآن اسم قسطنطينة بالجزائر) يسكنها الروم
والبربر، والتحم الجيشان، وأظهر عقبة في هذه المعركة شجاعة نادرة، فكان يحصد رءوس أعدائه حصدًا، أما الجنود المسلمون فقد استبسلوا في القتال حتى تم لهم النصر بإذن الله تعالى، واستراح عقبة بن نافع وجيشه أيامًا قليلة، ثم أمر الجيش بالانطلاق إلى (طنجة) في المغرب الأقصى فدخلوها دون قتال، حيث خرج ملكها (يليان) لاستقبال جيش المسلمين وأكرمهم ووافق على كل مطالبهم.
وظل عقبة يجاهد في سبيل الله يتنقل من غزو إلى غزو ومن فتح إلى فتح حتى وصل إلى شاطئ المحيط الأطلنطي، فنزل بفرسه إلى الماء، وتطلع إلى السماء وقال:
يا رب .. لولا هذا المحيط لمضيت في البلاد مدافعًا عن دينك، ومقاتلاً من كفر بك وعَبَدَ غيرك..
وظن القائد البطل عقبة بن نافع أن البربر مالوا إلى الاستسلام وأنهم ليس لديهم استعداد للحرب مرة أخرى، فسبقه جيشه إلى القيروان، وبقي هو مع ثلاثمائة مقاتل في مدينة طنجة ليتم فتح عدد من الحاميات الرومية، ولما علم بعض أعداء الإسلام من البربر أن عقبة ليس معه إلا عدد قليل من رجاله، وجدوا الفرصة ملائمة للهجوم عليه، وكان على رأس هؤلاء البربر (الكاهنة) ملكة جبال أوراس (سلسلة جبال بالجزائر) وفوجئ البطل عقبة بن نافع عند بلدة (تهودة) بآلاف الجنود من البربر يهجمون عليه فاندفع بفرسه متقدمًا جنوده يضرب الأعداء بسيفه، متمنيًا الشهادة في سبيل الله، حتى أحاط البربر به وجنوده من كل جانب، فاستشهدوا جميعًا، واستشهد معهم (عقبة بن نافع) فرحمه الله رحمة واسعة، جزاء ما قدم للإسلام
والمسلمين.
وكان استشهاد عقبة في مدينة تهودة سنة 64هـ (من أرض الزاب) بعد أن خاض كثيرًا من المعارك، وذاق حلاوة النصر، ورفع راية الإسلام، ويُعَد استشهاد عقبة هزيمة عسكرية لكنه كان نصرًا رائعًا للإيمان، وتناقلت الألسن ملحمة عقبة بن نافع الفارس المؤمن الذي حمل رسالة دينه إلى أقصى المعمورة، وأبى إلا أن يستشهد بعد أن حمل راية دينه فوق الثمانية آلاف كيلو متر.







رد مع اقتباس
قديم 02-08-2014, 09:24 PM   رقم المشاركة : 3
ابو جواد
رائدي فـعـّـال
الملف الشخصي






 
الحالة
ابو جواد غير متواجد حالياً

 


 

طارق بن زياد
يا خيول (طارق) جاوزي الموانع والسدود، وتخطي البحار والأنهار، لا تتراجعي ولا تترددي، ستصمت أصوات الأجراس، وترتفع أصوات المآذن، ليذكر اسم الله في أرض كان يسودها الظلم والطغيان، وتسود مبادئ العدل والحق والحرية، فانطلقي على بركة الله !!
ولد (طارق بن زياد) وفتح عينيه على الحياة ليجد المسلمين يجاهدون في سبيل
الله، ويضحون بأموالهم وأنفسهم لنصرة دينه، وينتقلون من نصر إلى نصر، وأصبح الطفل الصغير شابًّا فتيًّا، فوهب نفسه لخدمة الإسلام، ولم يتردد لحظة في القيام بأي عمل من شأنه أن يرفع رايته، وتدرج في المناصب حتى أصبح أميرًا لمدينة (طنجة) وقائدًا لجيوش المسلمين، وعامة جنوده كانوا من البربر الذين تميزوا بالشجاعة والإقدام.
كان (طارق بن زياد) يحلم بذلك اليوم الذي ينتشر فيه الإسلام في كل أرجاء
الدنيا، ويتمنى بينه وبين نفسه أن يشارك في تحقيق هذا الأمر العظيم، وجاءت الفرصة، فقد علم (موسى بن نصير) والي إفريقية بضعف الأندلس وملوكها، فأرسل إلى الخليفة الأموي (الوليد بن عبد الملك) يستأذنه في فتحها، فأذن له الخليفة بشرط ألا يعرض المسلمين للهلاك دون فائدة، وأن يحترس من أعدائه، فرح
(موسى بن نصير) فرحًا شديدًا وجهز الجيش، ولم يجد خيرًا من (طارق بن زياد) لقيادته.
وبمجرد أن تولى طارق بن زياد أمور القيادة أرسل بعض الجواسيس لمعرفة أخبار هذه البلاد، فعادوا ليخبروه بضعفها وتنازع أمرائها على السلطة، وأعد (طارق) الخطة لفتح الأندلس) وبعد أن اطمأن على الإعداد الجيد لجيشه، عبر بجنوده البحر حتى وصلوا إلى الشاطئ، وانطلق طارق كالحصان الجامح يفتح هذه البلاد، يساعده في ذلك بعض الثائرين على الملك (ردريك) ملك القوط، ولما علم هذا الملك بنزول العرب المسلمين إلى الأندلس -وكان مشغولاً بثورة قامت ضده- جمع أعدادًا هائلة من الجنود استعدادًا لملاقاة المسلمين.
ولما رأى طارق هذه الأعداد الكبيرة، طلب الإمداد من موسى بن نصير والي إفريقية فأرسل إليه اثني عشر ألفًا من الجنود، والتقي الجيشان؛ جيش طارق بن زياد، وجيش ردريك في معركة حامية عرفت باسم (وادي البرباط) أو معركة (شذونة) استطاع طارق أن ينتصر عليهم، ويقتل ملكهم ردريك بعد أن استمرت المعركة من
28 رمضان إلى 5 شوال سنة 92هـ.
وسعد المسلمون بهذا النصر العظيم، وتوافدوا إلى بلاد الأندلس التي سمعوا عن اعتدال جوها، وخيراتها التي لا تعد ولا تحصى، ولم يكتف القائد العظيم طارق بن زياد بهذا الانتصار العظيم،بل واصل فتوحاته حتى استطاع في صيف هذه السنة (92هـ) أن يفتح أكثر من نصف الأندلس.
وتلقى طارق أوامر من موسى بن نصير بالتوقف عن الفتح خشية محاصرة جيوش الأعداء لهم، وقطع الإمداد عنهم، وحتى لا يكونوا صيدًا سهلاً في أيديهم، وبعدها جهز (موسى بن نصير) جيشًا كبيرًا عبر به إلى الأندلس؛ ففتح مدينة (إشبيلية) التي كانت خلف ظهر المسلمين، والتقى بقائد جيشه (طارق بن زياد) عند مدينة (طليطلة) وانطلق الاثنان لفتح باقي مدن الأندلس.
وظل جيش المسلمين يحقق الانتصارات وينتقل من فتح إلى فتح، حتى وصلت رسالة إلى القائدين موسى، وطارق من خليفة المسلمين (الوليد بن عبد الملك) تأمرهما بالعودة إلى دمشق، خوفًا من انتشار جيش المسلمين في مناطق مجهولة وغير
آمنة، وصل القائدان المنتصران إلى دمشق قبل وفاة (الوليد بن عبد الملك) بأربعين يومًا في موكب مهيب، أمامهما الأسرى والغنائم، والجنود يرفعون
شارات النصر، وظل طارق على العهد مخلصًا لدين الله حتى لقي ربه بعد أن كتب اسمه في صفحات التاريخ بحروف من نور.







رد مع اقتباس
قديم 02-08-2014, 09:25 PM   رقم المشاركة : 4
ابو جواد
رائدي فـعـّـال
الملف الشخصي






 
الحالة
ابو جواد غير متواجد حالياً

 


 

موسى بن نصير
(وايم الله لا أريد هذه القلاع والجبال الممتنعة حتى يضع الله أرفعها، ويذل
أمنعها، ويفتحها على المسلمين بعضها أو جميعها، أو يحكم الله لي، وهو خير الحاكمين).. ما أروع كلامك أيها القائد العظيم.
في خلافة (عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- ولد (موسى بن نصير)
سنة 19هـ/640م في قرية من قرى الخليل في شمال فلسطين تسمي (كفر مترى) فتعلم الكتابة، وحفظ القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة، ونظم الشعر، ولما كان والده (نصير) قائدًا لحرس معاوية بن أبي سفيان ومن كبار معاونيه؛ تهيأت الفرصة لـ(موسى) لأن يكون قريبًا من كبار قادة الفتح، وأصحاب الرأي والسياسة، ويرى عن قرب ما يحدث في دار الخلافة .
وشب موسى وهو يشاهد جيوش المسلمين تجاهد في سبيل الله، لنشر الدين الإسلامي في ربوع الأرض، ورأى والده وهو يستعد لإحدى الحروب، وقد لبس
خوذته، وتقلد سيفه، فنظر إليه وأطال النظر، وتمنى أن يكون مثل أبيه يجاهد في سبيل الله ويرفع راية الإسلام، وجاءت اللحظة الموعودة لينال موسى قيادة بعض الحملات البحرية التي وجهها معاوية لإعادة غزو (قبرص) التي سبق أن فتحها معاوية في سنة 27هـ؛ فنجح في غزوها، وبنى هناك حصونًا، ثم تولى إمارتها، وفي سنة 53هـ (673م)، كان موسى أحد القادة الذين خرجوا لغزو جزيرة (رودس) التي انتصر المسلمون فيها.
وتمر الأيام والسنون ويتولى مروان بن الحكم الخلافة، ويتحين موسى بن نصير الفرصة ليحقق أحلامه وطموحاته، ففي سنة 65هـ/ 684م أمر مروان بتجهيز الجيش للسير به نحو مصر، وزحف الجند مسرعين بقيادة ابنه (عبد العزيز) وصديقه
(موسى بن نصير) ووصل الجيش إلى مصر، واستطاع مروان أن يضمها تحت لواء المروانيين الأمويين، ثم غادرها إلى دمشق بعد أن عين ابنه (عبد العزيز) واليًا، وجعل موسى بن نصير وزيرًا له.
وعاش موسى مع عبد العزيز بن مروان في مصر، فكان موضع سره، ووزيره
الأول، يساعده في حكم مصر، حتى ازدادت خبرة موسى في شئون السياسة
والحكم، ومات مروان، وتولى الخلافة بدلاً منه ابنه (عبد الملك) وكان
عبد العزيز بن مروان يشيد بشجاعة موسى وإخلاصه أمام الخليفة مما جعله يخص موسى بالحفاوة والتكريم.
وفي يوم من الأيام حمل البريد رسالة من الخليفة إلى أخيـه عبد العزيز والي مصر يخبره فيها بأنه قد عين أخاه بشر بن مروان واليًا على البصرة، وجعل موسى بن نصير وزيرًا يساعده على إدارة الولاية ورئيسًا لديوان العراق، ومكن الله لموسى، وثبت أركان وزارته، فلم يمضِ وقت طويل، حتى عين الخليفة أخاه بشرًا على
الكوفة، وبذلك ترك لموسى بن نصير ولاية البصرة ليدير شئونها وحده بوعي
وبصيرة، ثم عَيَّنَه صديقه عبد العزيز بن مروان واليًا على شمال إفريقية بدلاً من
حسان بن النعمان الذي غضب عليه عبد العزيز.
وتمكن موسى في زمن قصير من تجهيز جيش إسلامي قوي قادر على النصر، وسار برجاله، ووقف بينهم خطيبًا، فقال بعد أن حمد الله وأثني عليه: إنما أنا رجل كأحدكم، فمن رأى مني حسنة فليحمد الله، وليحضَّ على مثلها، ومن رأى مني سيئة فلينكرها، فإني أخطئ كما تخطئون، وأصيب كما تصيبون.. ثم انطلق موسى بجيشه نحو المغرب حيث تزعزع الأمن هناك برحيل الأمير السابق حسان بن النعمان وقيام البربر بالعديد من الغارات على المسلمين.
واستطاع موسى أن يهزم قبائل البربر التي خرجت عن طاعة المسلمين، ولما وصل إلى مدينة القيروان، صلى بالجند صلاة شكر لله على النصر، ثم صعد المنبر وخطب قائلاً: (وايم الله لا أريد هذه القلاع والجبال الممتنعة حتى يضع الله أرفعها، ويذل
أمنعها، ويفتحها على المسلمين بعضها أو جميعها، أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين) وانتشرت جيوش (موسى بن نصير) في شرق المغرب وشماله تفتح كل ما يصادفها من الحصون المنيعة، حتى أخضع القبائل التي لم تكن قد خضعت بعد للمسلمين.
وتطلع موسى إلى فتح (طنجة) التي كانت تحت سيادة الأمير الرومي
(يوليان) فانطلق من قاعدته في القيروان بجيش كبير تحت قيادة طارق بن زياد حتى وصل إلى (طنجة) فحاصرها حصارًا طويلا وشديدًا حتى فتحها، وأقام للمسلمين مُدنًا جديدة فيها، وأسلم أهلها، وبعث موسى لصديقه عبد العزيز يبشره بالفتح، وأن خُمس الغنائم قد بلغ ثلاثين ألفًا، وجاءت الرسل إلى الخليفة في دمشق تزفُّ إليه خبر النصر، ففرح فرحًا شديدًا لانتصارات موسى، وكافأه على انتصاراته، ولم يكتفِ موسى بهذه الانتصارات، بل أخذ يجهز أسطولا بحريًّا، وأمر في الحال ببناء ترسانة بحرية في تونس، فجاء بصانعي المراكب، وأمرهم بإقامة مائة مركب.
وبعد أن تمَّ له إنشاء السفن أمر جنوده بأن يركبوا السفن وعلى رأسهم ابنه
عبد الله، ثم أمره بفتح جزيرة (صقلية) وسار عبد الله بن موسى بجند الحق حتى وصل إلى الجزيرة فدخلها، وأخذ منها غنائم كثيرة، حتى وصل نصيب الجندي مائة دينار من الذهب، وكان عدد الجنود المسلمين ما بين التسعمائة إلى الألف، ثم عـاد
عبد الله بن موسى من غزواته سالمًا غانمًا، وبعث موسى قائده (عياش بن أخيل) على مراكب أهل إفريقية، ففتح جزيرة صقلية للمرة الثانية، واستولى على مدينة من مدنها تسمي (سرقوسة) وعاد منتصرًا.
وفي سنة 89هـ بعث موسى بن نصير (عبد الله بن فرة) لغزو (سردينيا) ففتحها، وفي العام نفسه، جهز موسى ولده عبد الله، بما يحتاجه من جند وعتاد، ثم سار في
البحر، ففتح جزيرتي (ميورقة) و(منورقة) وهما جزيرتان في البحر بين صقلية والشاطئ الأندلسي.
وبدأ موسى بن نصير ينشر دين الله في المدن المفتوحة، ونجح في ذلك نجاحًا
كبيرًا، وحكم بين أهل هذه البلاد بالعدل، لا يفرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح، فأحبوا الإسلام، واستجابوا لدعوة الحق، ودخلوا في دين الله
أفواجًا، وتحولوا من الشرك والكفر إلى الإسلام والتوحيد بفضل الله أولا، ثم بجهود موسى وبطولاته.
ولما ضمن موسى ولاء أهل المغرب واستمساكهم بدعوة الإسلام، أخذ يعد العدة لغزو جديد، وبينما هو يفكر في هذا الأمر إذ جاءه رسول من قبل طارق بن زياد يخبره بأن يوليان حاكم (سبته) عرض عليه أن يتقدم لغزو أسبانيا، وأنه على استعداد لمعاونة العرب في ذلك، وتقديم السفن اللازمة لنقل الجنود المسلمين، وبعث موسى إلى الخليفة الوليد بن عبد الملك يستشيره، فردَّ عليه الخليفة بقوله: (خضها أولاً بالسرايا يعني بقلة من الجنود حتى ترى وتختبر شأنها ولا تغرر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال).
فأرسل موسى رجلاً من البربر يسمى (طريف بن مالك) في مائة فارس وأربعمائة رجل، وركب هو وجنوده البحر في أربعة مراكب حتى نزل ساحل الأندلس فأصاب سبيًا كثيرًا ومالاً وفيرًا، ثم رجع إلى المغرب غانمًا سالمًا، وفي شهر رجب من
عام 92هـ جهز موسى جيشًا خليطًا من العرب والبربر تعداده سبعة آلاف جندي بقيادة طارق بن زياد، وانطلق طارق بالجيش إلى أن وصل سبتة، وهناك خطط لعبور المضيق، وفي اليوم الخامس من شهر رجب سنة 92هـ (إبريل 710م) وبفضل الله كانت آخر دفعة من الجنود بقيادة طارق تعبر المضيق الذي حمل اسم طارق بن زياد منذ ذلك الوقت.
ونزل طارق -قائد جيش موسى بن نصير- أرض الأندلس، وبعد عدة معارك فتح الجزيرة الخضراء، وعلم الإمبراطور (لذريق) بنزول المسلمين في أسبانيا من (بتشو) حاكم إحدى المقاطعات الجنوبية الذي بعث إليه يقول: أيها الملك، إنه قد نزل بأرضنا قوم لا ندري أمن السماء أم من الأرض، فالنجدة ..النجدة، والعودة على عجل.
وزحف لذريق بجيش كبير ليوقف المسلمين عن الزحف، فأرسل طارق إلى
موسى مستنجدًا، فأمده بخمسة آلاف من المسلمين على رأسهم طريف بن مالك وأكثرهم من الفرسان فأصبح تعداد جيش المسلمين اثني عشر ألفًا، وكان اللقاء الحاسم بين جيش المسلمين بقيادة طارق بن زياد، وجيش الإمبراطور لذريق
يوم الأحد 28 من شهر رمضان المبارك عام 92هـ، واستمرت المعركة حوالي سبعة أيام، انتهت بانتصار المسلمين بفضل الله في معركة عرفت باسم معركة (شذونة) أو معركة (وادي البرباط).
واصل طارق بن زياد فتوحاته في الأندلس، وخشي موسى بن نصير من توغله في أراضيها، فعبر إليه على رأس حملة كبيرة وأخذ القائدان يتمَّان فتح ما بقي من مدن الأندلس، وظل موسى يجاهد في سبيل الله حتى أصبحت الأندلس في قبضة
المسلمين، وبعد أن انتهي موسى من فتوحاته ألحَّ عليه (مغيث الرومي) رسول الخليفة بالعودة إلى دار الخلافة في دمشق، فاستجاب له موسى، وبدأ يستعد لمغادرة الأندلس، وواصل موسى السير، حتى وصل إلى دمشق فاستقبله الوليد وأحسن استقباله، وتحامل على نفسه -وهو مريض- وجلس على المنبر لمشاهدة الغنائم وموكب الأسرى، فدهش الخليفة مما رأى وسجد لله شكرًا، ثم دعا موسى بن نصير وصبَّ عليه من العطر ثلاث مرات، وأنعم عليه بالجوائز.
ولم يمضِ أربعون يومًا على ذلك حتى مات الوليد بن عبد الملك، وتولى الخلافة أخوه سليمان بن عبد الملك ومن يومها بدأت متاعب موسى بن نصير، فقد أراد سليمان أن يعاقب موسى بن نصير لخلاف بينهما فأمر به أن يظل واقفًا في حرِّ الشمس المتوهجة، وكان قد بلغ الثمانين من عمره، فلما أصابه حر الشمس وأتعبه الوقوف سقط مغشيًّا عليه، وبعدها اندفع موسى يقول في شجاعة مخلوطة بالأسى للخليفة سليمان بن عبد الملك: (أما والله يا أمير المؤمنين ما هذا بلائي ولا قدر
جزائي).
وعاش موسى في دمشق وهو راض عما نزل به من قضاء الله، وندم سليمان على
ما فعله في حق موسى، وكان يقول: ما ندمت على شيء ندمي على ما فعلته
بموسى، وأراد سليمان أن يكفر عن ذنبه، فاصطحب موسى بن نصير معه إلى
الحج في سنة 99هـ، لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة في أثناء الرحلة، وفرح شيخ المجاهدين بلقاء ربه بعدما قضى أعوامًا رفع فيها راية الجهاد.. فسلامًا عليك يا شيخ المجاهدين.







رد مع اقتباس
قديم 02-08-2014, 09:25 PM   رقم المشاركة : 5
ابو جواد
رائدي فـعـّـال
الملف الشخصي






 
الحالة
ابو جواد غير متواجد حالياً

 


 

أسد بن الفرات
في (حرَّان) من ديار بكر، ولد أبو عبد الله الحراني، أسد بن الفرات
سنة 144هـ/ 761م، ثم قدم القيروان وهو ابن سنتين مع أبيه الذي كان من أعيان الجند في جيش (محمد بن الأشعث الخزاعي) والي إفريقية من قبل الخليفة
أبي جعفر المنصور.
تلقى (أسد) دراسته الأولى بالقيروان، ثم رحل مع أبيه إلى تونس فأقام بها تسع سنين لزم خلالها الفقيه المعروف (علي بن زياد) وتعلم منه وتفقَّه عليه، ولم يكتفِ
بذلك، بل أراد أن يستزيد من العلم فقرر الرحيل إلى المدينة المنورة
سنة 172هـ/ 788م، لينهل من علم الإمام مالك عدة سنين تعلم فيها
الكثير، وبعدها قرر الرحيل إلى العراق، فدخل على الإمام مالك مودعًا
وشاكرًا، وسأله أن يوصيه، فقال له: (أوصيك بتقوى الله، والقرآن، والنصيحة للناس).
ورحل (أسد) إلى العراق حيث الإمام محمد بن الحسن صاحب الإمام
أبي حنيفة، فلزمه، فكان يحضر دروسه العامة، ثم أحب أن يكون له درس خاص يغرف فيه ما استطاع من علم الإمام محمد ليحمله إلى بلاده، فأخذه الإمام محمد إلى بيته، وأعطاه غرفة كان يسهر معه فيها الليل كله، ويضع أمام التلميذ قدح ماء، فإذا نعس نضح وجهه ليصحو، فكان (أسد) أول من جمع بين مذهب الإمام مالك ومذهب أبي حنيفة، ولم يكتفِ أسد بن الفرات بذلك العلم، بل رحل إلى مصر حيث يوجد بها عالمان من تلاميذ الإمام مالك هما (أشهب بن عبد العزيز)
و(ابن القاسم) وهناك جمع ما أخذه من ابن القاسم من مسائل، وأفاض عليها من ذهنه وجعلها في رسالة مدونة سُميت بـ (الأَسَدِيَّة).
ثم قدم ابن الفرات إلى (القيروان) عاصمة المغرب سنة 181هـ بعد غيبة امتدت نحو عشرين سنة صام نهارها وأحيا ليلها بالعلم والدرس فيها، ولم ينفق لحظة في راحة
ولا لعب، ولم يصحب فيها إلا الأئمة والعلماء، حتى قارب الخمسين، فجلس للتدريس والإفتاء، وكان من تلاميذه (سحنون بن سعيد) و(معمر بن منصور) و(سليمان بن عمر) ثم تقلد القضاء مع (أبي محرز) فكان أبو محرز فيه لينًا، وأما أسد فكان شديدًا في الحق، ومتمكنًا من علمي الحديث والفقه.
وكان مع توسعه في علمه فارسًا شجاعًا مقدامًا، فقد طلب أسد بن الفرات أن يكون مع المجاهدين في الحرب ضد الروم في جزيرة صقلية فأبى الأمير خوفًا عليه، فألح أسد في طلبه وقال: (وجدتم من يسير لكم المراكب من النوتية (الملاحين) وما أحوجكم إلى من يسيرها لكم بالكتاب والسنة).
وكان يريد أن يكون جنديًّا متطوعًا لا يريد الإمارة، فلما أعطيها تألم وقال
للأمير: أَبَعْدَ القضاء والنظر في الحلال والحرام تعزلني وتوليني الإمارة؟! فقال: ما عزلتك عن القضاء، ولكن أضفت إليك الإمارة فأنت قاضٍ وأمير، وكان أول من جمع له المنصبان، واجتمع الناس لوداع الجيش والأمير أسد بن الفرات، فقال
أسد للناس في وداعهم: (والله يا معشر الناس ما ولي لي أب ولا جد ولاية قط، وما رأى أحد من أسلافي مثل هذا قط، وما بلغته إلا بالعلم، فعليكم بالعلم، أتعبوا فيه أذهانكم، وكدوا به أجسادكم تبلغوا به الدنيا والآخرة).
وزحف الجيش إلى جزيرة صقلية سنة 212هـ/827م، وخرج لهم صاحب صقلية في مائة ألف وخمسين ألفًا، قال رجل: رأيت أسدًا وبيده اللواء يقرأ سورة (يس) ثم حمل بالجيش حملة عنيفة على صاحب صقلية، حتى سقط أسد بن الفرات شهيدًا
سنة 213هـ/ 828م، وهو يحمل راية النصر ولم يعْرَفْ له قبر.







رد مع اقتباس
قديم 02-08-2014, 09:27 PM   رقم المشاركة : 6
ابو جواد
رائدي فـعـّـال
الملف الشخصي






 
الحالة
ابو جواد غير متواجد حالياً

 


 

يوسف بن تاشفين
في النصف الأول من القرن الخامس الهجري، في أقصى بلاد المغرب العربي، التفت جماعة من الناس حول عالم فقيه يدعى (عبد الله بن ياسين) وكان هدفهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر تعاليم الإسلام، أطلق عليهم الملثمون لأنهم كانوا يتلثمون ولا يكشفون وجوههم، وهي عادة لهم كانوا يتوراثونها جيلاً بعد
جيل، وحين قتل عبد الله بن ياسين سنة 461هـ/1068م في حرب جرت مع (برغواطة) قام مقامه أبو بكر بن عمر الذي عين ابن عمه يوسف بن تاشفين أميرًا على الملثمين، لانشغاله بقتال عبدة الأصنام في جنوب المغرب، والقضاء
على فتنتهم.
وكان يوسف بن تاشفين يتمتع بصفات جعلته محبوبًا؛ فهو شهم، حازم، شجاع علاوة على قدرته على القيادة والزعامة، ومهابة الناس له، مما جعل الناس تلتف حوله، وتساعده في العمليات العسكرية، ونشر تعاليم الإسلام في المغرب
الأقصى، وبناء دولة المرابطين، ولما عاد أبو بكر بن عمر بعد قضائه على الفتنة وجد يوسف بن تاشفين يتمتع بمكانة عالية بين جنده ورعيته، فتنازل له رسميًّا عن السلطة وخلع نفسه وأقام مكانه ابن عمه يوسف.
اتخذ ابن تاشفين مدينة (مراكش) التي أنشأها عاصمة لملكه سنة 465هـ لتكون نقطة الانطلاق لتوحيد وتجميع قبائل المغرب الأقصى تحت سيطرته، وبناء دولة
قوية، كما أنشأ أسطولاً بحريًّا، ساعده على ضم المناطق المطلة على مضيق جبل طارق مما سهل ضم المغرب الأوسط، وأقام ابن تاشفين علاقات سياسية مع جيرانه من أمراء المغرب والمشرق، كما أحاط نفسه بمجموعة من الأتباع ينظمون أمور الدولة، فأعطى دولته طابع الملك.
وفي ذلك الوقت كانت الأندلس تعاني من التفكك تحت حكم ملوك الطوائف الذين كانوا يواجهون خطر غزوات المسيحيين، وسيطرة ملوكهم وتعسفهم في مطالبة الولاة المسلمين بما لا طاقة لهم به، وكان يوسف يفكر في حال المسلمين في بلاد الأندلس وما يفعله النصارى بهم ويتجه إلى الله تعالى مستخيرًا إياه يتلمس منه
النصر، وكان إذا أجبر على الكلام قال: أنا أول منتدب لنصرة هذا الدين، ولا يتولى هذا الأمر إلا أنا.
واستنجد أمراء الأندلس بابن تاشفين لينقذهم من النصارى وكان على رأس من استنجد به (المعتمد بن عباد) أمير إشبيلية، فأعد ابن تاشفين جيشه وقبل أن يعبر البحر نحو الأندلس بسط يديه بالدعاء نحو السماء قائلاً: اللهم إن كنت تعلم أن في جوازنا أي (اجتياز البحر) هذا خيرًا للمسلمين، فسهل علينا جواز هذا البحر، وإن كان غير ذلك فصعبه حتى لا أجوزه.
والتقي بجيش النصارى بقيادة ألفونسو السادس في موقعة (الزلاقة)
سنة 480هـ/1087م وانتصر جيش ابن تاشفين انتصارًا هائلاً، وبعدها وحَّد المغرب والأندلس تحت قيادته الخاصة، ورأى شيوخ المرابطين ما يقوم به يوسف من أعمال عظيمة فاجتمعوا عليه وقالوا له : أنت خليفة الله في المغرب وحقك أكبر من أن تدعى بالأمير، بل ندعوك بأمير المؤمنين، فقال لهم: حاشا لله أن أتسمى بهذا
الاسم، إنما يتسمى به الخلفاء، وأنا رجل الخليفة العباسي، والقائم بدعوته في بلاد المغرب، فقالوا له: لابد من اسم تمتاز به ، فقال لهم: يكون (أمير المسلمين).
وبعد انتهاء موقعة الزلاقة بايعه من شهدها معه من ملوك الأندلس وأمرائها أميرًا على المسلمين، وكانوا ثلاثة عشر ملكًا، واستطاع يوسف بن تاشفين أن يوقف زحف جيوش النصارى، وأن يعيد ما استولوا عليه من الأندلس، وقد امتدت دولته فشملت الأندلس والمغرب الأقصى، وازدهرت البلاد في عصره، وضرب السكة (أي العملة) ونقش ديناره: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتحت ذلك: أمير المسلمين
يوسف بن تاشفين، وكتب في الدائرة: (ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وكتب على الوجه الآخر من الدينار: الأمير عبد الله
أمير المؤمنين العباسي، وفي الدائرة تاريخ ضرب الدينار وموضع سكه.
وكان ابن تاشفين كثيرَ العفو، مقربًا للعلماء، وكان إذا وعظه أحدهم خشع عند استماع الموعظة، ولان قلبه لها، وظهر ذلك عليه، ولما بلغ الإمام أبا حامد الغزالي ما عليه ابن تاشفين من الأوصاف الحميدة وميله إلى أهل العلم، عزم على التوجه إليه فوصل الإسكندرية، وشرع في تجهيز ما يحتاج إليه، وعندما وصله خبر وفاة
ابن تاشفين رجع عن ذلك العزم، ففي سنة 498هـ أصيب يوسف بن تاشفين بمرض أدى إلى وفاته ودفن في مدينة مراكش.
وقال عنه المستشرق يوسف أشباخ: (يوسف.. أحد أولئك الرجال الأفذاذ الذين يلوح أن القدر قد اصطفاهم لتغيير وجهة سير الحوادث في التاريخ، فقد بثَّ بما استحدث من نظم وأساليب روحًا قوية في القبائل والشعوب التي يحكمها، وقد فاضت هذه الروح إلى تحقيق العجائب).. رحمه الله رحمة واسعة جزاء ما قدم للإسلام والمسلمين.







رد مع اقتباس
قديم 02-08-2014, 09:29 PM   رقم المشاركة : 7
ابو جواد
رائدي فـعـّـال
الملف الشخصي






 
الحالة
ابو جواد غير متواجد حالياً

 


 

عمر المختار
اتركوه.. لا تقتلوا شيخًا كبيرًا جاوز السبعين من عمره.. أي ذنب جناه؟! لم يفعل شيئًا سوى أنه دافع عن تراب وطنه وعزة دينه!! لم يستجيبوا لنداء الرحمة.. أعدموه وسط أهله وعشيرته.. لم يتركوهم ليعبروا عن أحزانهم.. حبسوا دموعهم في عيونهم.. قتلوا البطل المجاهد.. قتلوا العزة والكرامة.. ألا ساء ما يفعلون!! وهب حياته من أجل حرية بلاده والجهاد في سبيل الله، وتمنى أن يلقى الله شهيدًا فحقق الله أمنيته.
ولد في (البطنان) ببرقة الليبية عام 1275هـ/1858م لأبوين صالحين، وشاءت إرادة الله أن ينشأ (عمر المختار) يتيمًا، فقد توفي والده أثناء سفره إلى الحج بعد أن أوصى أحد رفاقه بولديه عمر، ومحمد، وكانا يقيمان بـ (زنزور) يدرسان بزاويتها.
ذهب عمر إلى زاوية (الجغبوب) لإتمام دراسته، وظل بها ثمانية أعوام يحفظ القرآن الكريم، ويتعلم العلوم الإسلامية وخلال الدراسة ظهرت صفاته الخلقية السامية، ولما كان عمر المختار قد تأدب بآداب الإسلام، فقد أحبه شيوخ الطريقة السنوسية وزعماؤها الذين كانت لهم مقاليد الأمور في ليبيا، ونال ثقتهم، ولذلك اصطحبه السيد محمد المهدي السنوسي معه عندما انتقل إلى (الكُفْرة) وكان محل ثقته، كما عينه شيخًا لزاوية القصور بالجبل الأخضر.
واحتل الاستعمار الإيطالي ليبيا سنة 1911م، وارتكبوا الكثير من الفظائع، وعاثوا في الأرض الفساد، وبدأ نضال المجاهدين من أبناء ليبيا، ودعا الزعماء السنوسيون
في بني غازي وغيرها شيوخَ الزوايا للجهاد، وأسرع عمر المختار يلبي النداء، وأظهر في كفاحه ضد المستعمر الغاصب شجاعة نادرة، ومقدرة كبيرة على القتال، فقد كان مؤمنًا بحق وطنه في الحرية والكرامة.
وتولى عمر المختار قيادة المجاهدين، وبدأ في رسم الخطط لأتباعه، وقد التزم في بداية الأمر موقف الدفاع والتربص بالعدو، حتى إذا خرج الجنود الإيطاليون من
مواقعهم؛ انقض المجاهدون عليهم كالصقور، فقاتلوهم قتالاً شديدًا، وأخذوا منهم ما يحتاجون إليه من أسلحة، وبعد أن بدأت الحرب العالمية الأولى
عام 1914م، فاجأ المجاهدون المعسكرات الإيطالية، وأشعلوا الثورة في الجهات
التي يحتلها الإيطاليون.
وسافر الأمير إدريس السنوسي إلى مصر في سنة 1922 للعلاج، ولطلب المساعدة من مصر، فعين عمر المختار نائبًا عنه، نظم عمر المختار صفوف المجاهدين بعد هجمات الإيطاليين المتتالية، وأخذ مجموعة المجاهدين، وذهب بهم إلى الجبل الأخضر، وأنشأ قاعدة عسكرية، ومراكز لتدريب المتطوعين، فتوافد عليه الناس من كل
ناحية؛ ليشاركوا في الجهاد ضد المستعمر.
فعين لكل قبيلة رئيسًا منها، وأجمع الرؤساء على أن يكون عمر المختار قائدًا عامًا ورئيسًا لكل المجاهدين، بعد أن أقسموا على الجهاد حتى آخر لحظة في حياتهم، حتى يخلصوا وطنهم العزيز من أنياب المستعمر، وازداد القتال شراسة بين المجاهدين والإيطاليين، وكانت معركة (الرحيبة) ومعركة (عقيره المطمورة) و(كرِسَّة) وهي أسماء أماكن في الجبل الأخضر.. من أعظم تلك المعارك التي شهدتها منطقة الجبل الأخضر، وانتهت كلها بانسحاب الإيطاليين مخذولين، مما رفع من شأن عمر المختار في نفوس المجاهدين، فالتفوا حوله، وتعاهدوا على مناصرته.
لم يركن البطل عمر المختار إلى الراحة، بل ظل يقاتل، وكيف لا يستمر في
القتال وأمام عينيه صور الفظائع والانتهاكات وأصناف العذاب التي صبها الإيطاليون على شعبه، فقد قتلوا الآلاف، ومثلوا بالكثيرين، وهتكوا أعراض النساء، وألقوا في السجون أعدادًا عظيمة من الرجال والنساء، وأذلوا الشيوخ والأطفال، وحرقوا الزروع والثمار، فكان لابد من القتال حتى الموت أو النصر، وبعد أن انتشر القتال في كل أنحاء ليبيا، قرر عمر المختار الذهاب إلى مصر لمقابلة الأمير إدريس السنوسي ليتلقى منه التعليمات بشأن الجهاد.
وفي طريق عودته من مصر إلى برقة عن طريق السلوم أبلغ جواسيس الجيش الإيطالي رؤساءهم أن عمر المختار عبر الحدود الشرقية، فأعدوا له كمينًا للقبض عليه، وما إن ظهر عمر المختار ورفاقه حتى أطلق عليهم العدو مدافعهم الرشاشة، لكن المجاهدين استطاعوا التصدي لهم وانقضوا على القوة الإيطالية وأبادوها عن آخرها، ولمع اسم عمر المختار في سماء الجهاد.. عرفه الصغير والكبير كقائد بارع يتقن أساليب
الكر والفر، وانضمت إليه القبائل المقيمة بالجبال، وتعاطف معه الشعب؛ فأمدوه بما يقدرون عليه من مؤن وأسلحة.
ولم يعرف المجاهد الكبير طعم الراحة، وحاول مشايخ قبيلته، ذات مرة منعه من الجهاد لكبر سنه، فقال لهم: (إن ما أسير فيه هو طريق الخير، ومن يبعدني عنه فهو عدو لي، ولا ينبغي لأحد أن ينهاني عنه).. ولم تفلح مدافع الجيش الإيطالي في وقف هجمات عمر المختار ورفاقه، فحاولوا استمالته وشراءه بالمال، ووعدوه بحياة ناعمة هنيئة، لكنه رفض، وأخذ يدافع عن تراب وطنه بكل قوة وشراسة، وألحق بالإيطاليين خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات، مما دفع (موسوليني) إلى تعيين
المارشال (بادوليو) حاكمًا على (طرابلس وبرقة) وبمجيئه إلى ليبيا بدأت مرحلة جديدة من النضال في (برقة والجبل الأخضر).
واتصل الحاكم الجديد بعمر المختار لإنهاء الخلاف، وقبل عمر بشروط فيها الكرامة والعزة لوطنه، لكن الإيطاليين حاولوا خداعه، وتأكد غدرهم عندما قامت الطائرات الإيطالية بإلقاء قذائفها على عمر المختار ورفاقه من المجاهدين، فبدأ النضال من جديد!!
اشتبك المجاهدون مع الإيطاليين في معركة كبيرة في أكتوبر عام 1930م، وقد عثر الإيطاليون بعد انتهائها على نظارة عمر المختار، كما عثروا على جواده المشهور مقتولاً في ميدان المعركة، فقال (جرازياني) نائب المارشال بادوليو متوعدًا: لقد أخذنا اليوم نظارة عمر المختار، وغدًا نأتي برأسه، وظل عمر المختار يقاومهم وهو متسلح بالإيمان حتى وقع البطل في الأسر؛ ففرحت إيطاليا كلها فرحًا شديدًا.
ودعيت المحكمة إلى الانعقاد، ونصبت المشنقة، وجاءوا بالبطل الكبير عمر المختار مقيد اليدين بالسلاسل والقيود، وحكموا عليه بالإعدام شنقًا في محاكمة صورية لم تستغرق سوى ساعة وربع الساعة، وكان الشيخ آنذاك في السبعين من عمره، وسار المجاهد الكبير إلى حبل المشنقة بقدم ثابتة وشجاعة نادرة، لا يتوقف لسانه عن ترديد الشهادتين؛ حتى نفذ فيه حكم الإعدام، وعندما وجدوا أنه لم يمت أعادوا شنقه مرة ثانية.
واستشهد البطل بعد أن غرس الحرية والكرامة في نفوس شعبه، وحقق الله ما
نتمناه، فقد أشرقت شمس الحرية على ليبيا من جديد، ورحلت إيطاليا
عنها، وحصلت على استقلالها 1951م ولا ينسى العالم الإسلامي عامة والشعب الليبي خاصة واحدًا من أبرز مجاهديها، بعدما ضحى بكل ما يملك في سبيل نصرة الإسلام، واستقلال وطنه.







رد مع اقتباس
قديم 02-08-2014, 09:30 PM   رقم المشاركة : 8
ابو جواد
رائدي فـعـّـال
الملف الشخصي






 
الحالة
ابو جواد غير متواجد حالياً

 


 

الخليل بن أحمد
(اللهم هب لي علمًا لم يسبقني إليه أحد).. قالها وهو يتضرع إلى الله متعلقًا بأستار الكعبة، كان يرجو أن يسبق الناس بوضع علم جديد، فيكون سبَّاقًا إلى الخير، ولم يكن هذا الرجاء وليد تكاسل وتواكل، بل كانت قدراته ومهاراته تؤهله لأن يكون عظيم الشأن.
هو (الخليل بن أحمد الفراهيدي) الذي وُلِدَ في البصرة عام (100هـ) ونشأ عابدًا لله تعالى، مجتهدًا في طلب العلم، واسع المعرفة، شديد الذكاء، أدرك الخليل بفطرته السليمة أن الإسلام دين شامل لكل جوانب الحياة، فاجتهد في طلب العلم وأخلص في طلبه؛ فكان غيورًا على اللغة العربية (لغة القرآن)؛ مما دفعه إلى العمل على وضع قواعد مضبوطة للغة، حتى عدَّه العلماء الواضع الحقيقي لعلم النحو في صورته النهائية، التي نقلها عنه تلميذه (سِيبوَيه) في كتابه المسمى (الكتاب) فذكره وروى آراءه في نحو ثلاثمائة وسبعين موضعًا معترفًا له بوافر علمه، وعظيم فضله.
وذات يوم ذهب الفراهيدي إلى الكعبة حاجًّا، فتعلق بأستار الكعبة، ودعا الله أن يهب له علمًا لم يسبقه أحد إليه، ثم عاد إلى وطنه، فاعتزل الناس في كوخ بسيط من خشب الأشجار، كان يقضي فيه الساعات الطويلة يقرأ كل ما جمعه من أشعار العرب، ويرتبها حسب أنغامها، ويضع كل مجموعة متشابهة في دفتر منفرد..
وذات يوم مَرَّ الخليل بسوق النخَّاسين، فسمع طرقات مطرقة على طَست من
نحاس، فلمعت في ذهنه فكرة عِلم العَرُوض -ميزان الشعر أو موسيقى الشعر- الذي مَيز به الشعر عن غيره من فنون الكلام، فكان للخليل بذلك فضل على العرب، إذ ضبط أوزان الشعر العربي، وحفظه من الاختلال والضياع، وقد اخترع هذا العلم وحصر فيه أوزان الشعر في خمسة عشر بحرًا (وزنًا) وكما اهتم بالوزن اهتم بضبط أحوال القافية -وهي الحرف الأخير في بيت الشعر، والتي يلتزم بها الشاعر طوال القصيدة- فأخرج للناس هذين العلمين الجليلين كاملين مضبوطين مجهزين بالمصطلحات.
ولم يكتف الخليل بما أنجزه، وبما وهبه الله من علم؛ استجابة لدعائه وتوسله وتضرعه، فواصل جهوده وأعدَّ معجمًا يعَد أول معجم عرفته اللغة العربية، وامتدت رغبته في التجديد إلى عدم تقليد من سبقوه، فجمع كلمات المعجم بطريقة قائمة على الترتيب الصوتي، فبدأ بالأصوات التي تُنْطَق من الحَلْق وانتهي بالأصوات التي تنطق من الشفتين، وهذا الترتيب هو (ع- ح- هـ- خ- غ...) بدلا من (أ- ب- ت- ث- ج ...) وسمَّاه معجم (العين) باسم أول حرف في أبجديته الصوتية.
وعُرِف الخليل بالتعبد والورع والزهد والتواضع، وكان إذا أفاد إنسانًا شيئًا لم يشْعِره بأنه أفاده، وإن استفاد من أحد شيئًا أجزل له الشكر، وأشعره بأنه استفاد منه، وقيل في زهده: أقام الخليل في خُص له بالبصرة لا يقدر على فِلْسَين (قدر ضئيل من المال) وتلامذته يكسبون بعلمه الأموال، وأرسل إليه سليمان بن علي -والي منطقة البصرة- ليأتيه يؤدب ولده، فأخرج الخليل خبزًا يابسًا، وقال: ما عندي غيره وما دمت أجده فلا حاجة لي في سليمان، ثم قال لرسول سليمان:
أبلغ سليمان أني عنه فـــي سعــة
وفي غني غير أني لستُ ذا مــال
والفقرُ في النّفس لا في المال تعرفه
ومـثل ذاك الغِني في النفس لا المال
وقال: إني لأغلق علي بابي فما يجاوزه همي، وذلك لانصرافه عن الدنيا واستغراقه في العلم والعبادة، وذات يوم دخل المسجد وهو شارد البال مستغرق الفكر فاصطدم بسارية (عمود) المسجد فانصدع رأسه ومات سنة 170هـ.







رد مع اقتباس
قديم 02-08-2014, 09:30 PM   رقم المشاركة : 9
ابو جواد
رائدي فـعـّـال
الملف الشخصي






 
الحالة
ابو جواد غير متواجد حالياً

 


 

سيبويه
في أدب طالب العلم مع أستاذه، وفي عزم المسلم الصادق في تحصيل ما ينفعه قال سيبويه: (لا جرم، سأطلب علمًا لا تُلَحِّنيَّ فيه (لا تُخَطِّئني فيه).
مقولة قالها سيبويه لأستاذه حماد بن سلمة مفتي البصرة، فقد كان يعقد حلقة
للعلم، وكان سيبويه تلميذه، وكان حريصًا كل الحرص على حضورها، وذات
مرة جلس حماد يلقي درسًا من دروسه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس من أصحابي إلا من لو شئت لأخذت عليه ليس أبا الدرداء) فظن سيبويه أن شيخه قد أخطأ في عبارة: (ليس أبا الدرداء) فقام من مكانه ليصححها له،وقال:
(ليس أبو الدرداء) لأنه اعتقد أن كلمة (أبا) اسم ليس التي ترفع المبتدأ وتنصب الخبر فابتسم الشيخ في وجه الفتى الصغير وقال: لحنتَ وأخطأتَ يا سيبويه، ليس هذا حيث ذهبتَ، إنما ليس ها هنا استثناء، فقال سيبويه بأدب لأستاذه قولته السابقة: لا جرم سأطلب علمًا لا تُلَحِّني فيه.
ومنذ ذلك الحين بدأ الفتى الصغير رحلة الاجتهاد والجد، لتحصيل علوم اللغة العربية وخاصة علم النحو، ولد أمير النحاة (عمرو بن عثمان بن قنبر) أبو بِشْر، المعروف بـ(سيبويه) في (البيضاء) إحدى قرى (شيراز) ببلاد فارس عام 148هـ، وكان نظيفًا كل من يلقاه يشم منه رائحة طيبة؛ وكانت أمه تناديه منذ صغره بـ(سيبويه) وهي كلمة فارسية تعني: رائحة التفاح، وذلك لطيب رائحة التفاح.
رحل سيبويه إلى البصرة، فنشأ بها، وكانت لديه رغبة شديدة في تحصيل العلم؛ فبدأ يتعلم الحديث والفقه ولازم الفقهاء وأهل الحديث، ثم أخذ يتلقى العلم على أيدي العلماء، فتعلم على يد (حماد ابن سلمة) مفتي البصرة وأحد علماء عصره، كما تعلم على يد (الأخفش الأكبر) وهو من أئمة اللغة والنحو، فأخذ عنه سيبوبه اللغة وشيئًا من النحو، أما (الخليل بن أحمد) فقد كان المعلم الأكبر لسيبويه، حتى إنه دخل على الخليل ذات مرة، فقال له: مرحبًا بزائر لا يُمل، وكان يحب سيبويه كثيرًا ويفسح له صدره.
ظل سيبويه على هذه الحال حتى أصبح معلمًا، وأصبح له تلاميذ يلتفون حوله ويأخذون منه، ويكتبون عنه، وكان من تلاميذه (أبو الحسن الأخفش) وقد ألف سيبويه كتابًا عظيمًا في علم النحو سماه (الكتاب) جمع فيه كل ما سمعه من أستاذه (الخليل بن أحمد) وغيره من العلماء في هذا العلم، واشتهر بعده
بـ (كتاب سيبويه) الذي يعده العلماء دستورًا لعلم النحو وقانونًا لقواعده، ومن شدة اعتزاز الفَرَّاء -وهو أحد كبار علماء النحو- بهذا الكتاب أن الناس وجدوا عند موته وتحت وسادته (كتاب سيبويه)!!
وقد أفاد سيبويه الكثيرين بعلمه، حتى وصل علمه إلى عامة الناس الذين أخذوا
عنه، وتعلموا منه الفصاحة.. يحكي أن رجلاً قال لسماك (يبيع السمك)
بالبصرة: بكم هذه السمكة؟ قال: بدرهمان.. فضحك الرجل مستهزئًا من السماك لأنه رفع المجرور.
فقال السماك: ويلك أنت أحمق، لقد سمعت سيبويه يقول: ثمنها درهمان!!
وقد أصيب سيبويه بمرض قبل وفاته، وفي أثناء مرضه، وجده أخوه -يومًا- متعبًا قد اشتد عليه المرض، فبكى وتساقطت دموعه على وجه سيبويه، فرآه سيبويه فأنشد يقول:
يَسُرُّ الفَتَى مَا كَانَ قَدَّمَ مِنْ تُقَى
إِذَا عَرَفَ الدَّاءَ الذي هُوَ قَاتِلُهْ
وعند مماته أخذ ينصح أصحابه ومن حوله قائلاً:
يُؤمِّــــل دُنْيَا لِتَبْقَى لَـــــهُ
فَمَات المؤَمِّلُ قَبْلَ الأَمَــلْ
حَثِيثًا يُرَوِّي أُصُولَ النَّخِيلِ
فَعَاشَ الفَسِيلُ وَمَاتَ الرَّجُلْ
ومات سيبويه سنة 180هـ بعد أن ترك ثروة كبيرة من العلم، لينتفع بها الناس في كل زمان ومكان.







رد مع اقتباس
قديم 02-08-2014, 09:31 PM   رقم المشاركة : 10
ابو جواد
رائدي فـعـّـال
الملف الشخصي






 
الحالة
ابو جواد غير متواجد حالياً

 


 

أبو العتاهية
(ما رأيته إلا توهمت أنه سماوي وأني أرضي).. قالها أبو نواس الشاعر المعروف اعترافًا بفضله وتعظيمًا لقدره وتقديرًا لشعره.
إنه (إسماعيل بن القاسم بن سويد) المعروف بأبي العتاهية، ولد سنة 130هـ لأبوين فقيرين في قرية صغيرة بالقرب من الكوفة بأرض العراق، ولما اشتدت ظروف الحياة بأسرته واشتكت آلام الفقر، قرر الأب الرحيل إلى الكوفة، لعلَّه يجد بها فرجًا لضيقه ومخرجًا لهمِّه، وكانت الكوفة في تلك الفترة مدينة المتناقضات والأضداد؛ ففي مقابل الغنى الفاحش يوجد الفقر الشديد، وفي مقابل الزهد والتنسك يوجد المجون والاستهتار، وفي مقابل العلم يوجد الجهل.
فرح إسماعيل بقدومه إلى الكوفة، لأنه كان يهوى الشعر منذ نعومة أظافره، فبحث عن شعراء الكوفة وتردد على مجالسهم وكان يقضي نهاره متجولاً في دروب الكوفة وأزقتها، حاملاً قفصًا مليئًا بالجرار والخزف، ويعود آخر النهار بدراهم قليلة يسد بها جوعه، وكان يهون على نفسه عناء العمل بترديد أشعار يحفظها.
وذات يوم مرَّ بفتيان يتذاكرون الشعر ويتنافسون في إنشاده، فسلم عليهم، ووضع قفصه عن ظهره، ثم قال: يا فتيان أراكم تتذاكرون الشعر، سأقول شطرًا من بيت فتكملونه، فإن فعلتم فلكم عشرة دراهم، وإن لم تفعلوا فعليكم عشرة
دراهم، فتعجبوا من بائع جرار يتردد على مجالس الشعراء، وسخروا منه، وقالوا له: مالك والشعر؟! ولكنه أصر على التحدي.. فقال: أكملوا البيت:
ساكني الأجداث أنتم....
فلم يستطيعوا أن يكملوا البيت، ولما طال انتظاره لهم سخر منهم، ثم أكمل:
ساكني الأجداث أنتـــم مثلنا بالأمس كنتــــــم
ليت شعري ما صنعتُـــم أربِحتم أم خسرتــــــم
وبدأت شهرة أبي العتاهية تنتشر في الكوفة، وذاع شعره لجودته وحسنه، ولما تميز به من بساطة وبعد عن التعقيد، ورحل بعد ذلك إلى الحيرة، واستقر بها فترة من
الزمن، واتَّجه أبو العتاهية في بداية حياته الشعرية إلى شعر الغزل الذي كان شائعًا، ثم تركه بعد ذلك إلى حياة الزهد والتعفف، فكتب أرجوزته (ذات الأمثال) التي تتضمن أربعة آلاف مثل يبدو من خلالها عقلاً أدرك ما في الحياة من خير وشر، فأراد تنمية الخير ومقاومة الشر.
ومن جيد شعره قوله الذي يصلح حكمة في كل العصور:
إن الشَّبابَ والفراغَ والجِـدَه
مَفسدةٌ للمـــرء أي مفســـده
وقال: مذكرًا للعباد:
الناس فـــي غفلاتهـــمْ
ورحَـــى المنيةِ تَطْحَــــــنُ
ما دون دائــرة الــــرَّدى
حصــــنٌ لمــــــن يتحصَّنُ
وظل أبو العتاهية على زهده وتنسكه حتى لاقى ربه سنة 213هـ، بعد أن ترك شعرًا مازال يتردد حتى الآن.







رد مع اقتباس
 
إضافة رد

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من اعلام الاسلام لحظه الم المنتدى الإسلامي 14 22-07-2013 10:14 PM
ضعف المسلمين , ضعفاء المسلمين ندى المنتدى الإسلامي 4 28-05-2013 03:27 PM
خطوات ارسال بطاقة اعمال ايفون - طريقة ارسال بطاقة اعمال ايفون بالصور سـَمآ ♪ :: منتدى الاتصالات:: 16 06-04-2012 01:31 AM
][][ من اعلام الاسلام ][][ ][][ SiCK_LOvE ][][ المنتدى الإسلامي 4 29-12-2006 04:04 PM



الساعة الآن 11:05 AM.

كل ما يكتب فى  منتديات الرائدية  يعبر عن رأى صاحبه ،،ولا يعبر بالضرورة عن رأى المنتدى .
سفن ستارز لخدمات تصميم وتطوير واستضافة مواقع الأنترنت