اخر المواضيع

اضف اهداء

 

العودة   منتديات الرائدية > المنتديات الاجتماعية > :: منتدى الرائدية الصحي::
 

إضافة رد
مشاهدة الموضوع
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-10-2007, 07:07 PM   رقم المشاركة : 1
لمفروح
رائدي مهم
الملف الشخصي






 
الحالة
لمفروح غير متواجد حالياً

 


 

موسوعة الطب النبوي

فصل‏:‏ في هديه في داء الاستسقاء وعلاجه


في الصحيحين ‏:‏ من حديث أنس بن مالك، قال‏:‏ قدم رهط من عرينة وعكل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاجتووا المدينة، فشكوا ذلك إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال‏:‏ ‏(‏لو خرجتم إلى إبل الصدقة فشربتم من أبوالها وألبانها، ففعلوا، فلما صحوا، عمدوا إلى الرعاة فقتلوهم، واستاقوا الإبل، وحاربو الله ورسوله، فبعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في آثارهم، فأخذوا، فقطع أيديهم، وأرجلهم، وسمل أعينهم، وألقاهم في الشمس حتى ماتوا‏)‏‏.‏
والدليل على أن هذا المرض كان الإستسقاء، ما رواه مسلم في صحيحه في هذا الحديث أنهم قالوا‏:‏ إنا اجتوينا المدينة، فعظمت بطوننا، وارتهشت أعضاؤنا، وذكر تمام الحديث‏.‏‏.‏‏.‏
الجوى‏:‏ داء من أدواء الجوف ـ والاستسقاء‏:‏ مرض مادي سببه مادة غريبة باردة تتخلل الأعضاء فتربو لها إما الأعضاء الظاهرة كلها، وإما المواضع الخالية من النواحي التي فيها تدبير الغذاء والأخلاط، وأقسامه ثلاثة‏:‏ لحمي، وهو أصعبها‏.‏ وزقي، وطبلي‏.‏ لما كانت الأدوية المحتاج إليها فى علاجه هي الأدوية الجالبة التي فيها إطلاق معتدل، وإدرار بحسب الحاجة، وهذه الأمور موجودة في أبوال الإبل وألبانها، أمرهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بشربها، فإن في لبن اللقاح جلاءً وتليينًا، وإدرارًا وتلطيفًا، وتفتيحًا للسدد، إذ كان أكثر رعيها الشيح، والقيصوم، والبابونج، والأقحوان، والإذخر، وغير ذلك من الأدوية النافعة للإستسقاء‏.‏
هذا المرض لا يكون إلا مع آفة في الكبد خاصة، أو مع مشاركة، وأكثرها عن السدد فيها، ولبن اللقاح العربية نافع من السدد، لما فيه من التفتيح، والمنافع المذكورة‏.‏
قال الرازي‏:‏ لبن اللقاح يشفي أوجاع الكبد، وفساد المزاج، وقال الإسرائيلي‏:‏ لبن اللقاح أرق الألبان، وأكثرها مائية وحدة، وأقلها غذاء، فلذلك صار أقواها على تلطيف الفضول، وإطلاق البطن، وتفتيح السدد، ويدل على ذلك ملوحته اليسيرة التي فيه لإفراط حرارة حيوانية بالطبع، ولذلك صار أخص الألبان بتطرية الكبد، وتفتيح سددها، وتحليل صلابة الطحال إذا كان حديثًا، والنفع من الاستسقاء خاصة إذا استعمل لحرارته التي يخرج بها من الضرع مع بول الفصيل، وهو حار كما يخرج من الحيوان، فإن ذلك مما يزيد في ملوحته، وتقطيعه الفضول، وإطلاقه البطن، فإن تعذر انحداره وإطلاقه البطن، وجب أن يطلق بدواء مسهل‏.‏
قال صاحب القانون‏:‏ ولا يلتفت إلى ما يقال‏:‏ من أن طبيعة اللبن مضادة لعلاج الإستسقاء‏.‏ قال‏:‏ واعلم أن لبن النوق دواء نافع لما فيه من الجلاء برفق، وما فيه من خاصية، وأن هذا اللبن شديد المنفعة، فلو أن إنسانًا أقام عليه بدل الماء والطعام شفي به، وقد جرب ذلك في قوم دفعوا إلى بلاد العرب، فقادتهم الضرورة إلى ذلك، فعوفوا‏.‏ وأنفع الأبوال‏:‏ بول الجمل الأعرابي، وهو النجيب، انتهى‏.‏
وفي القصة‏:‏ دليل على التداوي والتطبب، وعلى طهارة بول مأكول اللحم، فإن التداوي بالمحرمات غير جائز، ولم يؤمروا مع قرب عهدهم بالإسلام بغسل أفواههم، وما أصابته ثيابهم من أبوالها للصلاة، وتأخير البيان لا يجوز عن وقت الحاجة‏.‏
وعلى مقاتلة الجاني بمثل ما فعل، فإن هؤلاء قتلوا الراعي، وسملوا عينيه، ثبت ذلك في صحيح مسلم ‏.‏ على قتل الجماعة، وأخذ أطرافهم بالواحد‏.‏
وعلى أنه إذا اجتمع في حق الجاني حد وقصاص استوفيا معًا، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قطع أيديهم وأرجلهم حدًا لله على حرابهم، وقتلهم لقتلهم الراعي‏.‏
وعلى أن المحارب إذا أخذ المال، وقتل، قطعت يده ورجله في مقام واحد وقتل‏.‏
وعلى أن الجنايات إذا تعددت، تغلظت عقوباتها، فإن هؤلاء ارتدوا بعد إسلامهم، وقتلوا النفس، ومثلوا بالمقتول، وأخذوا المال، وجاهروا بالمحاربة‏.‏
وعلى أن حكم ردء المحاربين حكم مباشرهم، فإنه من المعلوم أن كل واحد منهم لم يباشر القتل بنفسه، ولا سأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ذلك‏.‏
وعلى أن قتل الغيلة يوجب قتل القاتل حدًا، فلا يسقطه العفو، ولا تعتبر فيه المكافأة، وهذا مذهب أهل المدينة، وأحد الوجهين فى مذهب أحمد، اختاره شيخنا، وأفتى به‏.‏







رد مع اقتباس
قديم 10-10-2007, 07:08 PM   رقم المشاركة : 2
لمفروح
رائدي مهم
الملف الشخصي






 
الحالة
لمفروح غير متواجد حالياً

 


 

فصل‏:‏ في هديه في العلاج بشرب العسل، والحجامة، والكي


في صحيح البخاري‏:‏ عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏الشفاء في ثلاث‏:‏ شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنا أنهى أمتي عن الكي‏)‏‏.‏
قال أبو عبد الله المازري‏:‏ الأمراض الامتلائية‏:‏ إما أن تكون دموية، أو صفراوية، أو بلغمية، أو سوداوية‏.‏ فإن كانت دموية، فشفاؤها إخراج الدم، وإن كانت من الأقسام الثلاثة الباقية، فشفاؤها بالإسهال الذي يليق بكل خلط منها، وكأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالعسل على المسهلات، وبالحجامة على الفصد، وقد قال بعض الناس‏:‏ إن الفصد يدخل في قوله‏:‏ شرطة محجم‏.‏ فإذا أعيا الدواء، فآخر الطب الكي، فذكره ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الأدوية، لأنه يستعمل عند غلبة الطباع لقوى الأدوية، وحيث لا ينفع الدواء المشروب‏.‏ وقوله‏:‏ وأنا أنهى أمتي عن الكي، وفي الحديث الآخر‏:‏ وما أحب أن أكتوي، إشارة إلى أن يؤخر العلاج به حتى تدفع الضرورة إليه، ولا يعجل التداوي به لما فيه من استعجال الألم الشديد في دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكي، انتهى كلامه‏.‏
وقال بعض الأطباء‏:‏ الأمراض المزاجية‏:‏ إما أن تكون بمادة، أو بغير مادة، والمادية منها‏:‏ إما حارة، أو باردة، أو رطبة، أو يابسة، أو ما تركب منها، وهذه الكيفيات الأربع، منها كيفيتان فاعلتان‏:‏ وهما الحرارة والبرودة، وكيفيتان منفعلتان، وهما الرطوبة واليبوسة، ويلزم من غلبة إحدى الكيفيتين الفاعلتين استصحاب كيفية منفعلة معها، وكذلك كان لكل واحد من الأخلاط الموجودة في البدن، وسائر المركبات كيفيتان‏:‏ فاعلة ومنفعلة‏.‏
فحصل من ذلك أن أصل الأمراض المزاجية هي التابعة لأقوى كيفيات الأخلاط التي هي الحرارة والبرودة، فجاء كلام النبوة في أصل معالجة الأمراض التي هي الحارة والباردة على طريق التمثيل، فإن كان المرض حارًا، عالجناه بإخراج الدم، بالفصد كان أو بالحجامة، لأن في ذلك استفراغًا للمادة، وتبريدًا للمزاج‏.‏ وإن كان باردًا عالجناه بالتسخين، وذلك موجود في العسل، فإن كان يحتاج مع ذلك إلى استفراغ المادة الباردة، فالعسل أيضًا يفعل في ذلك لما فيه من الإنضاج، والتقطيع، والتلطيف، والجلاء، والتليين، فيحصل بذلك استفراغ تلك المادة برفق وأمن من نكاية المسهلات القوية‏.‏
وأما الكي‏:‏ فلأن كل واحد من الأمراض المادية، إما أن يكون حادًا فيكون سريع الإفضاء لأحد الطرفين، فلا يحتاج إليه فيه، وإما أن يكون مزمنًا، وأفضل علاجه بعد الإستفراغ الكي في الأعضاء التي يجوز فيها الكي، لأنه لا يكون مزمنًا إلا عن مادة باردة غليظة قد رسخت في العضو، وأفسدت مزاجه، وأحالت جميع ما يصل إليه إلى مشابهة جوهرها، فيشتعل في ذلك العضو، فيستخرج بالكي تلك المادة من ذلك المكان الذي هو فيه بإفناء الجزء الناري الموجود بالكي لتلك المادة‏.‏
فتعلمنا بهذا الحديث الشريف أخذ معالجة الأمراض المادية جميعها، كما استنبطنا معالجة الأمراض الساذجة من قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏إن شدة الحمى من فيح جهنم، فأبردوها بالماء‏)‏‏.‏







رد مع اقتباس
قديم 10-10-2007, 07:10 PM   رقم المشاركة : 3
لمفروح
رائدي مهم
الملف الشخصي






 
الحالة
لمفروح غير متواجد حالياً

 


 

فصل‏:‏ في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قطع العروق والكي


ثبت في الصحيح من حديث جابر بن عبد الله، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعث إلى أبي بن كعب طبيبًا، فقطع له عرقًا وكواه عليه‏.‏ ولما رمي سعد بن معاذ في أكحله حسمه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم ورمت، فحسمه الثانية‏.‏ والحسم‏:‏ هو الكي‏.‏
وفي طريق آخر‏:‏ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كوى سعد بن معاذ في أكحله بمشقص، ثم حسمه سعد بن معاذ أو غيره من أصحابه‏.‏
وفي لفظ آخر‏:‏ أن رجلًا من الأنصار رمي في أكحله بمشقص، فأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ به فكوي‏.‏
وقال أبو عبيد‏:‏ وقد أتي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ برجل نعت له الكي، فقال‏:‏ ‏(‏اكووه وارضفوه‏)‏‏.‏ قال أبو عبيد‏:‏ الرضف‏:‏ الحجارة تسخن، ثم يكمد بها‏.‏
وقال الفضل بن دكين‏:‏ حدثنا سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كواه في أكحله‏.‏
وفي صحيح البخاري من حديث أنس، أنه كوي من ذات الجنب والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حي‏.‏
وفي الترمذي، عن أنس، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏كوى أسعد بن زرارة من الشوكة‏)‏، وقد تقدم الحديث المتفق عليه وفيه ‏(‏وما أحب أن أكتوي‏)‏ وفي لفظ آخر‏:‏ ‏(‏وأنا أنهى أمتي عن الكي‏)‏‏.‏
وفي جامع الترمذي وغيره عن عمران بن حصين، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن الكي قال‏:‏ فابتلينا فاكتوينا فما أفلحنا، ولا أنجحنا‏.‏ وفي لفظ‏:‏ نهينا عن الكي وقال‏:‏ فما أفلحن ولا أنجحن‏.‏
قال الخطابي‏:‏ إنما كوى سعدًا ليرقأ الدم من جرحه، وخاف عليه أن ينزف فيهلك‏.‏ والكي مستعمل في هذا الباب، كما يكوى من تقطع يده أو رجله‏.‏
وأما النهي عن الكي، فهو أن يكتوي طلبًا للشفاء، وكانوا يعتقدون أنه متى لم يكتو، هلك، فنهاهم عنه لأجل هذه النية‏.‏
وقيل‏:‏ إنما نهى عنه عمران بن حصين خاصة، لأنه كان به ناصور، وكان موضعه خطرًا، فنهاه عن كيه، فيشبه أن يكون النهي منصرفًا إلى الموضع المخوف منه، والله أعلم‏.‏
وقال ابن قتيبة‏:‏ الكي جنسان‏:‏ كي الصحيح لئلا يعتل، فهذا الذي قيل فيه‏:‏ لم يتوكل من اكتوى، لأنه يريد أن يدفع القدر عن نفسه‏.‏
والثاني‏:‏ كي الجرح إذا نغل، والعضو إذا قطع، ففي هذا الشفاء‏.‏
وأما إذا كان الكي للتداوي الذي يجوز أن ينجع، ويجوز أن لا ينجع، فإنه إلى الكراهة أقرب‏.‏ انتهى‏.‏
وثبت في الصحيح في حديث السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ‏(‏أنهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون‏)‏‏.‏
فقد تضمنت أحاديث الكي أربعة أنواع، أحدها‏:‏ فعله، والثاني‏:‏ عدم محبته له، والثالث‏:‏ الثناء على من تركه، والرابع‏:‏ النهي عنه، ولا تعارض بينها بحمد الله تعالى، فإن فعله يدل على جوازه، وعدم محبته له لا يدل على المنع منه‏.‏ وأما الثناء على تاركه، فيدل على أن تركه أولى وأفضل‏.‏ وأما النهي عنه، فعلى سبيل الإختيار والكراهة، أو عن النوع الذي لا يحتاج إليه، بل يفعل خوفًا من حدوث الداء، والله أعلم‏.‏







رد مع اقتباس
قديم 10-10-2007, 07:11 PM   رقم المشاركة : 4
لمفروح
رائدي مهم
الملف الشخصي






 
الحالة
لمفروح غير متواجد حالياً

 


 

فصل‏:‏ في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في علاج الصرع


أخرجا في الصحيحين من حديث عطاء بن أبي رباح، قال‏:‏ قال ابن عباس‏:‏ ألا أريك امرأة من أهل الجنة‏؟‏ قلت‏:‏ بلى‏.‏ قال‏:‏ هذه المرأة السوداء، أتت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت‏:‏ إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله لي، فقال‏:‏ ‏(‏إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شيءت دعوت الله لك أن يعافيك، فقالت‏:‏ أصبر‏.‏ قالت‏:‏ فإني أتكشف، فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها‏)‏‏.‏
قلت‏:‏ الصرع صرعان‏:‏ صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية، وصرع من الأخلاط الرديئة‏.‏
والثاني‏:‏ هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه‏.‏
وأما صرع الأرواح، فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به، ولا يدفعونه، ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة، فتدافع آثارها، وتعارض أفعالها وتبطلها، وقد نص على ذلك بقراط في بعض كتبه، فذكر بعض علاج الصرع، وقال‏:‏ هذا إنما ينفع من الصرع الذي سببه الأخلاط والمادة‏.‏ وأما الصرع الذي يكون من الأرواح، فلا ينفع فيه هذا العلاج‏.‏
وأما جهلة الأطباء وسقطهم وسفلتهم، ومن يعتقد بالزندقة فضيلة، فأولئك ينكرون صرع الأرواح، ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع، وليس معهم إلا الجهل، وإلا فليس في الصناعة الطبية ما يدفع ذلك، والحس والوجود شاهد به، وإحالتهم ذلك على غلبة بعض الأخلاط، هو صادق في بعض أقسامه لا في كلها‏.‏
وقدماء الأطباء كانوا يسمون هذا الصرع‏:‏ المرض الإلهي، وقالوا‏:‏ إنه من الأرواح، وأما جالينوس وغيره، فتأولوا عليهم هذه التسمية، وقالوا‏:‏ إنما سموه بالمرض الإلهي لكون هذه العلة تحدث في الرأس، فنضر بالجزء الإلهي الطاهر الذي مسكنه الدماغ‏.‏
هذا التأويل نشأ لهم من جهلهم بهذه الأرواح وأحكامها، وتأثيراتها، وجاءت زنادقة الأطباء فلم يثبتوا إلا صرع الأخلاط وحده‏.‏ ومن له عقل ومعرفة بهذه الأرواح وتأثيراتها يضحك من جهل هؤلاء وضعف عقولهم‏.‏
علاج هذا النوع يكون بأمرين‏:‏ أمر من جهة المصروع، وأمر من جهة المعالج، فالذي من جهة المصروع يكون بقوة نفسه، وصدق توجهه إلى فاطر هذه الأرواح وبارئها، والتعوذ الصحيح الذي قد تواطأ عليه القلب واللسان، فإن هذا نوع محاربة، والمحارب لا يتم له الانتصاف من عدوه بالسلاح إلا بأمرين‏:‏ أن يكون السلاح صحيحًا في نفسه جيدًا، وأن يكون الساعد قويًا، فمتى تخلف أحدهما لم يغن السلاح كثير طائل، فكيف إذا عدم الأمران جميعًا‏:‏ يكون القلب خرابًا من التوحيد، والتوكل، والتقوى، والتوجه، ولا سلاح له‏.‏
الثاني‏:‏ من جهة المعالج، بأن يكون فيه هذان الأمران أيضًا، حتى إن من المعالجين من يكتفي بقوله‏:‏ اخرج منه‏.‏ أو بقول‏:‏ بسم الله أو بقول لا حول ولا قوة إلا بالله، والنبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يقول‏:‏ ‏(‏اخرج عدو الله أنا رسول الله‏)‏‏.‏
وشاهدت شيخنا يرسل إلى المصروع من يخاطب الروح التي فيه، ويقول‏:‏ قال لك الشيخ‏:‏ اخرجي، فإن هذا لا يحل لك، فيفيق المصروع، وربما خاطبها بنفسه، وربما كانت الروح ماردة فيخرجها بالضرب، فيفيق المصروع ولا يحس بألم، وقد شاهدنا نحن وغيرنا منه ذلك مرارًا‏.‏
وكان كثيرًا ما يقرأ في أذن المصروع‏:‏ ‏{‏أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون‏}‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏ 115‏]‏‏.‏
وحدثني أنه قرأها مرة في أذن المصروع، فقالت الروح‏:‏ نعم، ومد بها صوته‏.‏ قال‏:‏ فأخذت له عصا، وضربته بها في عروق عنقه حتى كلت يداي من الضرب،، ولم يشك الحاضرون أنه يموت لذلك الضرب‏.‏ ففي أثناء الضرب قالت‏:‏ أنا أحبه، فقلت لها‏:‏ هو لا يحبك، قالت‏:‏ أنا أريد أن أحج به، فقلت لها‏:‏ هو لا يريد أن يحج معك، فقالت‏:‏ أنا أدعه كرامة لك، قال‏:‏ قلت‏:‏ لا ولكن طاعة لله ولرسوله، قالت‏:‏ فأنا أخرج منه، قال‏:‏ فقعد المصروع يلتفت يمينًا وشمالًا، وقال‏:‏ ما جاء بي إلى حضرة الشيخ، قالوا له‏:‏ وهذا الضرب كله‏؟‏ فقال‏:‏ وعلى أي شيء يضربني الشيخ ولم أذنب، ولم يشعر بأنه وقع به ضرب البتة‏.‏ وكان يعالج بآية الكرسي، وكان يأمر بكثرة قراءتها المصروع ومن يعالجه بها، وبقراءة المعوذتين‏.‏
وبالجملة فهذا النوع من الصرع، وعلاجه لا ينكره إلا قليل الحظ من العلم والعقل والمعرفة، وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة على أهله تكون من جهة قلة دينهم، وخراب قلوبهم وألسنتهم من حقائق الذكر، والتعاويذ، والتحصنات النبوية والايمانية، فتلقى الروح الخبيثة الرجل أعزل لا سلاح معه، وربما كان عريانًا فيؤثر فيه هذا‏.‏ ولو كشف الغطاء، لرأيت أكثر النفوس البشرية صرعى هذه الأرواح الخبيثة، وهي في أسرها وقبضتها تسوقها حيث شاءت، ولا يمكنها الإمتناع عنها ولا مخالفتها، وبها الصرع الأعظم الذي لا يفيق صاحبه إلا عند المفارقة والمعاينة، فهناك يتحقق أنه كان هو المصروع حقيقة، وبالله المستعان‏.‏
وعلاج هذا الصرع باقتران العقل الصحيح إلى الإيمان بما جاءت به الرسل، وأن تكون الجنة والنار نصب عينيه وقبلة قلبه، ويستحضر أهل الدنيا، وحلول المثلات والآفات بهم، ووقوعها خلال ديارهم كمواقع القطر، وهم صرعى لا يفيقون، وما أشد داء هذا الصرع، ولكن لما عمت البلية به بحيث لا يرى إلا مصروعًا، لم يصر مستغربًا ولا مستنكرًا، بل صار لكثرة المصروعين عين المستنكر المستغرب خلافه‏.‏
فإذا أراد الله بعبد خيرًا أفاق من هذه الصرعة، ونظر إلى أبناء الدنيا مصروعين حوله يمينًا وشمالًا على اختلاف طبقاتهم، فمنهم من أطبق به الجنون، ومنهم من يفيق أحيانًا قليلة، ويعود إلى جنونه، ومنهم من يفيق مرة، ويجن أخرى، فإذا أفاق عمل عمل أهل الإفاقة والعقل، ثم يعاوده الصرع فيقع في التخبط‏.‏







رد مع اقتباس
قديم 10-10-2007, 07:11 PM   رقم المشاركة : 5
لمفروح
رائدي مهم
الملف الشخصي






 
الحالة
لمفروح غير متواجد حالياً

 


 

فصل‏:‏ في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في علاج حكة الجسم وما يولد القمل


في الصحيحين من حديث قتادة، ‏(‏عن أنس بن مالك قال‏:‏ رخص رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهما في لبس الحرير لحكة كانت بهما‏)‏‏.‏
وفي رواية‏:‏ ‏(أ‏ن عبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهما، شكوا القمل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزاة لهما، فرخص لهما في قمص الحرير، ورأيته عليهما‏)‏‏.‏
هذا الحديث يتعلق به أمران‏:‏ أحدهما‏:‏ فقهي، والآخر طبي‏.‏
فأما الفقهي‏:‏ فالذي استقرت عليه سنته ـ صلى الله عليه وسلم ـ إباحة الحرير للنساء مطلقًا، وتحريمه على الرجال إلا لحاجة ومصلحة راجحة، فالحاجة إما من شدة البرد، ولا يجد غيره، أو لا يجد سترة سواه‏.‏ ومنها‏:‏ لباسه للجرب، والمرض، والحكة، وكثرة القمل كما دل عليه حديث أنس هذا الصحيح‏.‏
والجواز‏:‏ أصح الروايتين عن الإمام أحمد، وأصح قولي الشافعي، إذ الأصل عدم التخصيص، والرخصة إذا ثبتت في حق بعض الأمة لمعنى تعدت إلى كل من وجد فيه ذلك المعنى، إذ الحكم يعم بعموم سببه‏.‏
ومن منع منه، قال‏:‏ أحاديث التحريم عامة، وأحاديث الرخصة يحتمل اختصاصها بعبد الرحمن بن عوف والزبير، ويحتمل تعديها إلى غيرهما‏.‏ وإذا احتمل الأمران، كان الأخذ بالعموم أولى، ولهذا قال بعض الرواة في هذا الحديث‏:‏ فلا أدري أبلغت الرخصة من بعدهما، أم لا‏؟‏
والصحيح‏:‏ عموم الرخصة، فإنه عرف خطاب الشرع في ذلك ما لم يصرح بالتخصيص، وعدم إلحاق غير من رخص له أولًا به، كقوله لأبي بردة في تضحيته بالجذعة من المعز‏:‏ ‏(‏تجزيك ولن تجزي عن أحد بعدك‏)‏ وكقوله تعالى لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في نكاح من وهبت نفسها له‏:‏ ‏(‏خالصة لك من دون المؤمنين‏)‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 50‏]‏‏.‏
وتحريم الحرير‏:‏ إنما كان سدًا للذريعة، ولهذا أبيح للنساء، وللحاجة، والمصلحة الراجحة، وهذه قاعدة ما حرم لسد الذرائع، فإنه يباح عند الحاجة والمصلحة الراجحة، كما حرم النظر سدًا لذريعة الفعل، وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة والمصلحة الراجحة، وكما حرم التنفل بالصلاة في أوقات النهي سدًا لذريعة المشابهة الصورية بعباد الشمس، وأبيحت للمصلحة الراجحة، وكما حرم ربا الفضل سدًا لذريقة ربا النسيئة، وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة من العرايا، وقد أشبعنا الكلام فيما يحل ويحرم من لباس الحرير في كتاب التحبير لما يحل ويحرم من لباس الحرير‏







رد مع اقتباس
قديم 10-10-2007, 07:12 PM   رقم المشاركة : 6
لمفروح
رائدي مهم
الملف الشخصي






 
الحالة
لمفروح غير متواجد حالياً

 


 

فصل‏:‏ وأما الأمر الطبي


‏‏ فهو أن الحرير من الأدوية المتخذة من الحيوان، ولذلك يعد في الأدوية الحيوانية، لأن مخرجه من الحيوان، وهو كثير المنافع، جليل الموقع، ومن خاصيته تقوية القلب، وتفريحه، والنفع من كثير من أمراضه، ومن غلبة المرة السوداء، والأدواء الحادثة عنها، وهو مقو للبصر إذا اكتحل به، والخام منه ـ وهو المستعمل في صناعة الطب ـ حار يابس في الدرجة الأولى‏.‏ وقيل‏:‏ حار رطب فيها‏:‏ وقيل‏:‏ معتدل‏.‏ وإذا اتخذ منه ملبوس كان معتدل الحرارة في مزاجه، مسخنًا للبدن، وربما برد البدن بتسمينه إياه‏.‏
قال الرازي‏:‏ الإبريسم أسخن من الكتان، وأبرد من القطن، يربى اللحم، وكل لباس خشن، فإنه يهزل، ويصلب البشرة وبالعكس‏.‏ قلت‏:‏ والملابس ثلاثة أقسام‏:‏ قسم يسخن البدن ويدفئه، وقسم يدفئه ولا يسخنه، وقسم لا يسخنه ولا يدفئه، وليس هناك ما يسخنه ولا يدفئه، إذ ما يسخنه فهو أولى بتدفئته، فملابس الأوبار والأصواف تسخن وتدفئ، و ملابس الكتان والحرير والقطن تدفئ ولا تسخن، فثياب الكتان باردة يابسة، وثياب الصوف حارة يابسة، وثياب القطن معتدلة الحرارة، وثياب الحرير ألين من القطن وأقل حرارة منه‏.‏
قال صاحب المنهاج‏:‏ ولبسه لا يسخن كالقطن، بل هو معتدل، كل لباس أملس صقيل، فإنه أقل إسخانًا للبدن، وأقل عونًا في تحلل ما يتحلل منه، وأحرى أن يلبس في الصيف، وفي البلاد الحارة‏.‏ ولما كانت ثياب الحرير كذلك، وليس فيها شيء من اليبس والخشونة الكائين في غيرها، صارت نافعة من الحكة، إذ الحكة لا تكون إلا عن حرارة ويبس وخشونة، فلذلك رخص رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للزبير وعبد الرحمن في لباس الحرير لمداواة الحكة، وثياب الحرير أبعد عن تولد القمل فيها، إذ كان مزاجها مخالفًا لمزاج ما يتولد منه القمل‏.‏
وأما القسم الذي لا يدفئ ولا يسخن، فالمتخذ من الحديد والرصاص، والخشب والتراب، ونحوها، فإن قيل‏:‏ فإذا كان لباس الحرير أعدل اللباس وأوفقه للبدن، فلماذا حرمته الشريعة الكاملة الفاضلة التي أباحت الطيبات، وحرمت الخبائث‏؟‏
قيل‏:‏ هذا السؤال يجيب عنه كل طائفة من طوائف المسلمين بجواب، فمنكرو الحكم والتعليل لما رفعت قاعدة التعليل من أصلها لم يحتاجوا إلى جواب عن هذا السؤال‏.‏
ومثبتو التعليل والحكم ـ وهم الأكثرون ـ منهم من يجيب عن هذا بأن الشريعة حرمته لتصبر النفوس عنه، وتتركه لله، فتثاب على ذلك لا سيما ولها عوض عنه بغيره‏.‏
ومنهم من يجيب عنه بأنه خلق في الأصل للنساء، كالحلية بالذهب، فحرم على الرجال لما فيه من مفسدة تشبه الرجال بالنساء، ومنهم من قال‏:‏ حرم لما يورثه من الفخر والخيلاء والعجب‏.‏ ومنهم من قال‏:‏ حرم لما يورثه بملامسته للبدن من الأنوثة والتخنث، وضد الشهامة والرجولة، فإن لبسه يكسب القلب صفة من صفات الإناث، ولهذا لا تكاد تجد من يلبسه في الأكثر إلا وعلى شمائله من التخنث والتأنث، والرخاوة ما لا يخفى، حتى لو كان من أشهم الناس وأكثرهم فحولية ورجولية، فلا بد أن ينقصه لبس الحرير منها، وإن لم يذهبها، ومن غلظت طباعه وكثفت عن فهم هذا، فليسلم للشارع الحكيم، ولهذا كان أصح القولين‏:‏ أنه يحرم على الولي أن يلبسه الصبي لما ينشأ عليه من صفات أهل التأنيث‏.‏
وقد روى النسائي من حديث أبي موسى الأشعري، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏إن الله أحل لإناث أمتي الحرير والذهب، وحرمه على ذكورها‏)‏‏.‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأحل لإناثهم‏)‏‏.‏
وفي صحيح البخاري عن حذيفة قال‏:‏ نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن لبس الحرير والديباج، وأن يجلس عليه، وقال‏:‏ ‏(‏و لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة‏)‏‏.‏







رد مع اقتباس
قديم 10-10-2007, 07:13 PM   رقم المشاركة : 7
لمفروح
رائدي مهم
الملف الشخصي






 
الحالة
لمفروح غير متواجد حالياً

 


 

فصل‏:‏ في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في علاج القمل الذي في الرأس وإزالته


في الصحيحين عن كعب بن عجرة، قال‏:‏ كان بي أذى من رأسي، فحملت إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والقمل يتناثر على وجهي، فقال‏:‏ ‏(‏ما كنت أرى الجهد قد بلغ بك ما أرى‏)‏، وفي رواية‏:‏ فأمره أن يحلق رأسه، وأن يطعم فرقًا بين ستة، أو يهدي شاة، أو يصوم ثلاثة أيام‏.‏
القمل يتولد في الرأس والبدن من شيئين‏:‏ خارج عن البدن وداخل فيه، فالخارج‏:‏ الوسخ والدنر المتراكم في سطح الجسد، والثاني من خلط رديء عفن تدفعه الطبيعة بين الجلد واللحم، فيتعفن بالرطوبة الدموية في البشرة بعد خروجها من المسام، فيكون منه القمل، وأكثر ما يكون ذلك بعد العلل والأسقام، وبسبب الأوساخ، وإنما كان في رؤوس الصبيان أكثر لكثرة رطوباتهم وتعاطيهم الاسباب التي تولد القمل، ولذلك حلق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رؤوس بني جعفر‏.‏ ومن أكبر علاجه حلق الرأس لتنفتح مسام الأبخرة، فتتصاعد الأبخرة الرديئة، فتضعف مادة الخلط، ويبنغي أن يطلى الرأس بعد ذلك بالأدوية التي تقتل القمل، وتمنع تولده‏.‏
وحلق الرأس ثلاثة أنواع‏:‏ أحدها‏:‏ نسك وقربة‏.‏ والثاني‏:‏ بدعة وشرك، والثالث‏:‏ حاجة ودواء، فالأول‏:‏ الحلق في أحد النسكين، الحج أو العمرة‏.‏ والثاني‏:‏ حلق الرأس لغير الله سبحانه، كما يحلقها المريدون لشيوخهم، فيقول أحدهم‏:‏ أنا حلقت رأسي لفلان، وأنت حلقته لفلان، وهذا بمنزلة أن يقول‏:‏ سجدت لفلان، فإن حلق الرأس خضوع وعبودية وذل، ولهذا كان من تمام الحج، حتى إنه عند الشافعي ركن من أركانه لا يتم إلا به، فإنه وضع النواصي بين يدي ربها خضوعًا لعظمته، وتذللًا لعزته، وهو من أبلغ أنواع العبودية، ولهذا كانت العرب إذا أرادت إذلال الأسير منهم وعتقه، حلقوا رأسه وأطلقوه، فجاء شيوخ الضلال، والمزاحمون للربوبية الذين أساس مشيختهم على الشرك والبدعة، فأرادوا من مريديهم أن يتعبدوا لهم، فزينوا لهم حلق رؤوسهم لهم، كما زينوا لهم السجود لهم، وسموه بغير اسمه، وقالوا‏:‏ هو وضع الرأس بين يدي الشيخ، ولعمر الله إن السجود لله هو وضع الرأس بين يديه سبحانه، وزينوا لهم أن ينذروا لهم، ويتوبوا لهم، ويحلفوا بأسمائهم، وهذا هو اتخاذهم أربابًا وآلهة من دون الله، قال تعالى‏:‏ ‏{‏ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابًا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 79 ـ 80‏]‏‏.‏
وأشرف العبودية عبودية الصلاة، وقد تقاسمها الشيوخ والمتشبهون بالعلماء والجبابرة، فأخذ الشيوخ منها أشرف ما فيها، وهو السجود، وأخذ المتشبهون بالعلماء منها الركوع، فإذا لقي بعضهم بعضًا ركع له كما يركع المصلي لربه سواء، وأخذ الجبابرة منهم القيام، فيقوم الأحرار والعبيد على رؤوسهم عبودية لهم، وهم جلوس، وقد نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن هذه الأمور الثلاثة على التفصيل، فتعاطيها‏.‏ مخالفة صريحة له، فنهى عن السجود لغير الله وقال‏:‏ ‏(‏لا ينبغي لأحد أن يسجد لأحد‏)‏‏.‏ وأنكر على معاذ لما سجد له وقال‏:‏ مه‏.‏
وتحريم هذا معلوم من دينه بالضرورة، وتجويز من جوزه لغير الله مراغمة لله ورسوله، وهو من أبلغ أنواع العبودية، فإذا جوز هذا المشرك هذا النوع للبشر، فقد جوز العبودية لغير الله، وقد صح أنه قيل له‏:‏ الرجل يلقى أخاه أينحني له‏؟‏ قال‏:‏ لا ‏.‏ قيل‏:‏ أيلتزمه ويقبله قال‏:‏ لا ‏.‏ قيل‏:‏ أيصافحه‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏
وأيضًا‏:‏ فالإنحناء عند التحية سجود، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وادخلوا الباب سجدا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 58‏]‏ أي منحنين، وإلا فلا يمكن الدخول على الجباه، وصح عنه النهي عن القيام، وهو جالس، كما تعظم الأعاجم بعضها بعضًا، حتى منع من ذلك في الصلاة، وأمرهم إذا صلى جالسًا أن يصلوا جلوسًا، وهم أصحاء لا عذر لهم، لئلا يقوموا على رأسه وهو جالس، مع أن قيامهم لله، فكيف إذا كان القيام تعظيمًا وعبودية لغيره سبحانه‏.‏

والمقصود‏:‏ أن النفوس الجاهلة الضالة أسقطت عبودية الله سبحانه، وأشركت فيها من تعظمه من الخلق، فسجدت لغير الله، وركعت له، وقامت بين يديه قيام الصلاة، وحلفت بغيره، ونذرت لغيره، وحلقت لغيره، وذبحت لغيره، وطافت لغير بيته، وعظمته بالحب، والخوف، والرجاء، والطاعة، كما يعظم الخالق، بل أشد، وسوت من تعبده من المخلوقين برب العالمين، وهؤلاء هم المضادون لدعوة الرسل، وهم الذين بربهم يعدلون، وهم الذين يقولون ـ وهم في النار مع آلهتهم يختصمون ـ‏:‏ ‏{‏تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏ 98‏]‏‏.‏ وهم الذين قال فيهم‏:‏ ‏{‏ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 165‏]‏، وهذا كله من الشرك، والله لا يغفر أن يشرك به‏.‏ فهذا فصل معترض في هديه في حلق الرأس، ولعله أهم مما قصد الكلام فيه، والله الموفق‏.‏







رد مع اقتباس
قديم 10-10-2007, 07:14 PM   رقم المشاركة : 8
لمفروح
رائدي مهم
الملف الشخصي






 
الحالة
لمفروح غير متواجد حالياً

 


 

في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في علاج ذات الجنب


روى الترمذي في جامعه من حديث زيد بن أرقم، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏تداووا من ذات الجنب بالقسط البحري والزيت‏)‏‏.‏
وذات الجنب عند الأطباء نوعان‏:‏ حقيقي وغير حقيقي‏.‏ فالحقيقي‏:‏ ورم حار يعرض في نواحي الجنب في الغشاء المستبطن للأضلاع‏.‏ وغير الحقيقى‏:‏ ألم يشبهه يعرض في نواحي الجنب عن رياح غليظة مؤذية تحتقن بين الصفاقات، فتحدث وجعًا قريبًا من وجع ذات الجنب الحقيقي، إلا أن الوجع في هذا القسم ممدود، وفي الحقيقي ناخس‏.‏
قال صاحب القانون‏:‏ قد يعرض في الجنب، والصفاقات، والعضل التي في الصدر، والأضلاع، ونواحيها أورام مؤذية جدًا موجعة، تسمى شوصة وبرسامًا، وذات الجنب‏.‏ وقد تكون أيضًا أوجاعًا في هذه الأعضاء ليست من ورم، ولكن من رياح غليظة، فيظن أنها من هذه العلة، ولا تكون منها‏.‏ قال‏:‏ واعلم أن كل وجع في الجنب قد يسمى ذات الجنب اشتقاقًا من مكان الألم، لأن معنى ذات الجنب صاحبة الجنب، والغرض به ها هنا وجع الجنب، فإذا عرض في الجنب ألم عن أي سبب كان نسب إليه، وعليه حمل كلام بقراط في قوله‏:‏ إن أصحاب ذات الجنب ينتفعون بالحمام‏.‏ قيل‏:‏ المراد به كل من به وجع جنب، أو وجع رئة من سوء مزاج، أو من أخلاط غليظة، أو لذاعة من غير ورم ولا حمى‏.‏
قال بعض الأطباء‏:‏ وأما معنى ذات الجنب في لغة اليونان، فهو ورم الجنب الحار، وكذلك ورم كل واحد من الأعضاء الباطنة، وإنما سمي ذات الجنب ورم ذلك العضو إذا كان ورمًا حارًا فقط‏.‏
ويلزم ذات الجنب الحقيقي خمسة أعراض‏:‏ وهي الحمى والسعال، والوجع الناخس، وضيق النفس، والنبض المنشاري‏.‏
العلاج الموجود في الحديث، ليس هو لهذا القسم، لكن للقسم الثاني الكائن عن الريح الغليظة، فإن القسط البحري ـ وهو العود الهندي على ما جاء مفسرًا في أحاديث أخر ـ صنف من القسط إذا دق دقًا ناعمًا، وخلط بالزيت المسخن، ودلك به مكان الريح المذكور، أو لعق، كان دواء موافقًا لذلك، نافعًا له، محللًا لمادته، مذهبًا لها، مقويًا للأعضاء الباطنة، مفتحًا للسدد، والعود المذكور في منافعه كذلك‏.‏
قال المسبحي‏:‏ العود‏:‏ حار يابس، قابض يحبس البطن، ويقوي الأعضاء الباطنة، ويطرد الريح، ويفتح السدد، نافع من ذات الجنب، ويذهب فضل الرطوبة، والعود المذكور جيد للدماغ‏.‏ قال‏:‏ ويجوز أن ينفع القسط من ذات الجنب الحقيقية أيضًا إذا كان حدوثها عن مادة بلغمية لا سيما في وقت انحطاط العلة، والله أعلم‏.‏
وذات الجنب‏:‏ من الأمراض الخطرة، وفي الحديث الصحيح‏:‏ عن أم سلمة، أنها قالت‏:‏ بدأ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمرضه في بيت ميمونة، وكان كلما خف عليه، خرج وصلى بالناس، وكان كلما وجد ثقلًا قال‏:‏ ‏(‏مروا أبا بكر فليصل بالناس‏)‏، واشتد شكواه حتى غمر عليه من شدة الوجع، فاجتمع عنده نساؤه، وعمه العباس، وأم الفضل بنت الحارث وأسماء بنت عميس، فتشاوروا في لده، فلدوه وهو مغمور، فلما أفاق قال‏:‏ ‏(‏من فعل بي هذا، هذا من عمل نساء جئن من ها هنا، وأشار بيده إلى أرض الحبشة، وكانت أم سلمة وأسماء لدتاه، فقالوا‏:‏ يا رسول الله ‏!‏ خشينا أن يكون بك ذات الجنب‏.‏ قال‏:‏ فبم لددتموني‏؟‏ قالوا‏:‏ بالعود الهندي، وشيء من ورس، وقطرات من زيت‏.‏ فقال‏:‏ ما كان الله ليقذفني بذلك الداء، ثم قال‏:‏ عزمت عليكم أن لا يبقى في البيت أحد إلا لد إلا عمي العباس‏)‏‏.‏
وفي الصحيحين عن عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ قالت‏:‏ لددنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأشار أن لا تلدوني، فقلنا‏:‏ كراهية المريض للدواء، فلما أفاق قال‏:‏ ‏(‏ألم أنهكم أن تلدوني، لا يبقى منكم أحد إلا لد غير عمي العباس، فإنه لم يشهدكم‏)‏‏.‏
قال أبو عبيد عن الأصمعي‏:‏ اللدود‏:‏ ما يسقى الإنسان في أحد شقي الفم، أخذ من لديدي الوادي، وهما جانباه‏.‏ وأما الوجور‏:‏ فهو في وسط الفم‏.‏
قلت‏:‏ واللدود ـ بالفتح‏:‏ ـ هو الدواء الذي يلد به‏.‏ والسعوط‏:‏ ما أدخل من أنفه‏.‏
وفي هذا الحديث من الفقه معاقبة الجاني بمثل ما فعل سواء، إذا لم يكن فعله محرمًا لحق الله، وهذا هو الصواب المقطوع به لبضعة عشر دليلًا قد ذكرناها في موضع آخر، وهو منصوص أحمد وهو ثابت عن الخلفاء الراشدين، وترجمة المسألة بالقصاص في اللطمة والضربة، وفيها عدة أحاديث لا معارض لها البتة، فيتعين القول بها‏.‏







رد مع اقتباس
قديم 10-10-2007, 07:16 PM   رقم المشاركة : 9
لمفروح
رائدي مهم
الملف الشخصي






 
الحالة
لمفروح غير متواجد حالياً

 


 

فصل : التداوي بالحناء

شجر الحناء وأغصانها مركبة من قوة محللة اكتسبتها من جوهر فيها مائي، حار باعتدال، ومن قوة قابضة اكتسبتها من جوهر فيها أرضي بارد‏.‏
ومن منافعه أنه محلل نافع من حرق النار، وفيه قوة موافقة للعصب إذا ضمد به، وينفع إذا مضغ، من قروح الفم والسلاق العارض فيه، ويبرئ القلاع الحادث في أفواه الصبيان، والضماد به ينفع من الأورام الحارة الملهبة، ويفعل في الجراحات فهل دم الأخوين‏.‏ وإذا خلط نوره مع الشمع المصفى، ودهن الورد، ينفع من أوجاع الجنب‏.‏ ومن خواصه أنه إذا بدأ الخدري يخرج بصبي، فخضبت أسافل رجليه بحناء، فإنه يؤمن على عينيه أن يخرج فيها شيء منه، وهذا صحيح مجرب لا شك فيه‏.‏ وإذا جعل نوره بين طي ثياب الصوف طيبها، ومنع السوس عنها، وإذا نقع ورقه في ماء يغمره، ثم عصر وشرب من صفوه أربعين يومًا كل يوم عشرون درهمًا مع عشرة دراهم سكر، ويغذى عليه بلحم الضأن الصغير، فإنه ينفع من ابتداء الجذام بخاصية فيه عجيبة‏.‏
وحكي أن رجلًا تشققت أظافير أصابع يده، وأنه بذل لمن يبرئه مالًا، فلم يجد، فوصفت له امرأة، أن يشرب عشرة أيام حناء، فلم يقدم عليه، ثم نقعه بماء وشربه، فبرأ ورجعت أظافيره إلى حسنها‏.‏
الحناء إذا ألزمت به الأظفار معجونًا حسنها ونفعها، وإذا عجن بالسمن وضمد به بقايا الأورام الحارة التي ترشح ماء أصفر، نفعها ونفع من الجرب المتقرح المزمن منفعة بليغة، وهو ينبت الشعر ويقويه، ويحسنه، ويقوي الرأس، وينفع من النفاطات، والبثور العارضة في الساقين والرجلين، وسائر البدن‏.‏







رد مع اقتباس
قديم 10-10-2007, 07:16 PM   رقم المشاركة : 10
لمفروح
رائدي مهم
الملف الشخصي






 
الحالة
لمفروح غير متواجد حالياً

 


 

فصل‏:‏ في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في معالجة المرضى بترك إعطائهم ما يكرهونه


من الطعام والشراب، وأنهم لا يكرهون على تناولهما روى الترمذي في جامعه، وابن ماجه، عن عقبة بن عامر الجهني، قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب، فإن الله ـ عز وجل ـ يطعمهم ويسقيهم‏)‏‏.‏
قال بعض فضلاء الأطباء‏:‏ ما أغزر فوائد هذه الكلمة النبوية المشتملة على حكم إلهية، لا سيما للأطباء، ولمن يعالج المرضى، وذلك أن المريض إذا عاف الطعام أو الشراب، فذلك لاشتغال الطبيعة بمجاهدة المرض، أو لسقوط شهوته، أو نقصانها لضعف الحرارة الغريزية أو خمودها، وكيفما كان، فلا يجوز حينئذ إعطاء الغذاء في هذه الحالة‏.‏
واعلم أن الجوع إنا هو طلب الأعضاء للغذاء لتخلف الطبيعة به عليها عوض ما يتحلل منها، فتجذب الأعضاء القصوى من الأعضاء الدنيا حتى ينتهي الجذب الى المعدة، فيحس الإنسان بالجوع، فيطلب الغذاء، وإذا وجد المرض، اشتغلت الطبيعة بمادته وإنضاجها وإخراجها عن طلب الغذاء، أو الشراب، فإذا أكره المريض على استعمال شيء من ذلك، تعطلت به الطبيعة عن فعلها، واشتغلت بهضمه وتدبيره عن إنضاج مادة المرض ودفعه، فيكون ذلك سببًا لضرر المريض، ولا سيما في أوقات البحران، أو ضعف الحار الغريزي أو خموده، فيكون ذلك زيادة في البلية، وتعجيل النازلة المتوقعة، ولا ينبغي أن يستعمل في هذا الوقت والحال إلا ما يحفظ عليه قوته ويقويها من غير استعمال مزعج للطبيعة البتة، وذلك يكون بما لطف قوامه من الأشربة والأغذية، واعتدل مزاجه كشراب اللينوفر، والتفاح، والورد الطري، وما أشبه ذلك، ومن الأغذية مرق الفراريج المعتدلة الطيبة فقط، وإنعاش قواه بالأراييح العطرة الموافقة، والأخبار السارة، فإن الطبيب خادم الطبيعة، ومعينها لا معيقها‏.‏
واعلم أن الدم الجيد هو المغذي للبدن، وأن البلغم دم فج قد نضج بعض النضج، فإذا كان بعض المرضى في بدنه بلغم كثير، وعدم الغذاء، عطفت الطبيعة عليه، وطبخته، وأنضجته، وصيرته دمًا، وغذت به الأعضاء، واكتفت به عما سواه، والطبيعة هي القوة التي وكلها الله سبحانه بتدبير البدن وحفظه وصحته، وحراسته مدة حياته‏.‏
واعلم أنه قد يحتاج في الندرة إلى إجبار المريض على الطعام والشراب، وذلك في الأمراض التي يكون معها اختلاط العقل، وعلى هذا فيكون الحديث من العام المخصوص، أو من المطلق الذي قد دل على تقييده دليل، ومعنى الحديث‏:‏ أن المريض قد يعيش بلا غذاء أيامًا لا يعيش الصحيح في مثلها‏.‏
وفي قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏فإن الله يطعمهم ويسقيهم‏)‏ معنى لطيف زائد على ما ذكره الأطباء لا يعرفه إلا من له عناية بأحكام القلوب والأرواح، وتأثيرها في طبيعة البدن، وانفعال الطبيعة عنها، كما تنفعل هي كثيرًا عن الطبيعة، ونحن نشير إليه إشارة، فنقول‏:‏ النفس إذا حصل لها ما يشغلها من محبوب أو مكروه أو مخوف، اشتغلت به عن طلب الغذاء والشراب، فلا تحس بجوع ولا عطش، بل ولا حر ولا برد، بل تشتغل به عن الإحساس المؤلم الشديد الألم، فلا تحس به، وما من أحد إلا وقد وجد في نفسه ذلك أو شيئًا منه، وإذا اشتغلت النفس بما دهمها، وورد عليها، لم تحس بألم الجوع، فإن كان الوارد مفرحًا قوي التفريح، قام لها مقام الغذاء، فشبعت به، وانتعشت قواها، وتضاعفت، وجرت الدموية في الجسد حتى تظهر في سطحه، فيشرق وجهه، وتظهر دمويته، فإن الفرح يوجب انبساط دم القلب، فينبعث في العروق، فتمتلئ به، فلا تطلب الأعضاء حظها من الغذاء المعتاد لاشتغالها بما هو أحب إليها، وإلى الطبيعة منه، والطبيعة إذا ظفرت بما تحب، آثرته على ما هو دونه‏.‏
وإن كان الوارد مؤلمًا أو محزنًا أو مخوفًا، اشتغلت بمحاربته وققاومته ومدافعته عن طلب الغذاء، فهي في حال حربها في شغل عن طلب الطعام والشراب‏.‏ فإن ظفرت في هذا الحرب، انتعشت قواها، وأخلفت عليها نظير ما فاتها من قوة الطعام والشراب وإن كانت مغلوبة مقهورة، انحطت قواها بحسب ما حصل لها من ذلك، وإن كانت الحرب بينها وبين هذا العدو سجالًا، فالقوة تظهر تارة وتختفي أخرى، وبالجملة فالحرب بينهما على مثال الحرب الخارج بين العدوين المتقاتلين، والنصر للغالب، والمغلوب إما قتيل، وإما جريح، وإما أسير‏.‏
فالمريض‏:‏ له مدد من الله تعالى يغذيه به زائدًا على ما ذكره الأطباء من تغذيته بالدم، وهذا المدد بحسب ضعفه وانكساره وانطراحه بين يدي ربه ـ عز وجل ـ فيحصل له من ذلك ما يوجب له قربًا من ربه، فإن العبد أقرب ما يكون من ربه إذا انكسر قلبه، ورحمة ربه عندئذ قريبة منه، فإن كان وليًا له، حصل له من الأغذية القلبية ما تقوى به قوى طبيعته، وتنتعش به قواه أعظم من قوتها، وانتعاشها بالأغذية البدنية، وكلما قوي إيمانه وحبه لربه، وأنسه به، وفرحه به، وقوي يقينه بربه، واشتد شوقه إليه ورضاه به وعنه، وجد في نفسه من هذه القوة ما لا يعبر عنه، ولا يدركه وصف طبيب، ولا يناله علمه‏.‏
ومن غلظ طبعه، وكثفت نفسه عن فهم هذا والتصديق به، فلينظر حال كثير من عشاق الصور الذين قد امتلأت قلوبهم بحب ما يعشقونه من صورة، أو جاه، أو مال، أو علم، وقد شاهد الناس من هذا عجائب في أنفسهم وفي غيرهم‏.‏
وقد ثبت في الصحيح‏:‏ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان يواصل في الصيام الأيام ذوات العدد، وينهى أصحابه عن الوصال ويقول‏:‏ ‏(‏لست كهيئتكم إني أظل يطعمني ربي ويسقيني‏)‏‏.‏
ومعلوم أن هذا الطعام والشراب ليس هو الطعام الذي يأكله الإنسان بفمه، وإلا لم يكن مواصلًا، ولم يتحقق الفرق، بل لم يكن صائمًا، فإنه قال‏:‏ ‏(‏أظل يطعمني ربي ويسقيني‏)‏‏.‏
وأيضًا فإنه فرق بينه وبينهم في نفس الوصال، وأنه يقدر منه على ما لا يقدرون عليه، فلو كان يأكل ويشرب بفمه، لم يقل لست كهيئتكم، وإنما فهم هذا من الحديث من قل نصيبه من غذاء الأرواح والقلوب، وتأثيره في القوة وإنعاشها، واغتذائها به فوق تأثير الغذاء الجسماني، والله الموفق‏







رد مع اقتباس
 
إضافة رد

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
موسوعة الطب النبوي םـבـםـנ :: منتدى الرائدية الصحي:: 11 02-08-2010 01:49 AM
.. وصفآت من الطب النبوي .. (1) << مهم للقراءة قصـ ألمـ ـة المنتدى الإسلامي 5 28-11-2007 12:48 PM
الآمك في اقدامك من عجائب الطب الصيني المعترف بها في الطب الحديث ثـامر البـلوي :: منتدى الرائدية الصحي:: 8 17-04-2007 09:23 AM
لحق بسرعه/ موسوعة الحديث النبوي الشريف ,,,, عجاج المنتدى الإسلامي 6 30-01-2007 11:18 AM
كتاب الطب النبوي ( موقع الكتروني ) شوق الغلا :: منتدى الرائدية الصحي:: 7 10-05-2006 10:43 AM



الساعة الآن 02:06 AM.

كل ما يكتب فى  منتديات الرائدية  يعبر عن رأى صاحبه ،،ولا يعبر بالضرورة عن رأى المنتدى .
سفن ستارز لخدمات تصميم وتطوير واستضافة مواقع الأنترنت