نحو مجتمع أرقى.. التغيير بناءً على النظرية النقدية
بقلم : د. نجوى مرضاح المري *
قيل لسمكة صفي الماء فلم تستطع حتى خرجت منه وكادت أن تموت ، مقتبس من مثل صيني قديم. هذه المقولة تلفت أنظارنا إلى حقيقة مهمة وهي أننا لن نستطيع رؤية مجتمعنا الرؤية الصحيحة إلا إذا خرجنا خارج إطاره.
قد يكون في السفر حل، وذلك حينما يشتاق الفرد لوطنه فيتذكر مواطن الجمال فيه، وأيضاً في السفر فرصة حيث يتسنى مقارنة مجتمعه بغيره من المجتمعات. على كل حال، هناك النظرية النقدية الاجتماعية The Critical Social Theory التي تبناها جورقن هابرمس وتطورت لتشمل عدة جوانب وأشكال, ولكن ما سيتم التركيز عليه هنا هو عمل هاربرت ماركوس الذي حدد خطوات معينه للتغيير الاجتماعي.
النظرية قائمة على أن التغيير في المجتمع لن يحصل إلا باتباع عدة خطوات وهي:
١-contradiction أو النقيض: وهي قائمة على أن أساس التغيير هو وجود النقيض؛ قد يكون النقيض فكرة، عادة، طبقة اجتماعية، أو مجتمع آخر. فأول خطوة نحو التغيير هو البحث عن نقيض أجمل وأرقى لواقعك.
٢- Reasoning and Imagination وهي تعني السببية والخيال. وهذه النقطة جداً مهمة وهي البحث عن أسباب وجود أي ظاهرة من ظواهر المجتمع وهل من الممكن تغييرها أم لا. من جهة أخرى، عنصر الخيال يلعب دورا مهما في تحفيز النفس على العمل؛ فحينما يتخيل الشخص المجتمع من غير هذه الظاهرة وكيف سيكون أجمل وأهدى، يكون ذلك أدعى إلى عزم الهمه للتغير. فلنتخيل مجتمعا يحترم النظام، يقف أفراده بالصف بهدوء وسلام لتلقي خدمتهم، مجتمع يُحترم فيه الإنسان من أي مجتمع كان أو قبيلة من غير عنصرية ولا عصبية..الخ. بالتأكيد سيصيح مجتمع راقي وهذا الخيال يزيد من العزيمة لتبني فكرة التغيير والعمل على تغيير الظاهرة وهذا يقودنا إلى الخطوة التالية وهي الأخيره في هذه النظرية.
٣- Emancipation and Self-Determination وهي تحرير النفس و عقد العزيمة. هذه الخطوة تعتمد على القدرة على تحرير النفس من القيود ورؤية المجتمع من خارج إطاره. العيش في المجتمع ورؤية هذه الظواهر بشكل يومي يجعل الشخص يتعود عليها ويتقبلها ويظن أنه من الصعب تغييرها. لكن، عندما يتحرر الفرد من الحدود الضيقة لمجتمعه ويرى المجتمع داخل صندوق وهو خارجه، عندها سيستطيع أن يرى المجتمع بما فيه من ظواهر بعين قادره على تمييز الصالح من الطالح. أيضاً سيستطيع أن يضع أصبعه على مواطن الخلل ومن ثم البحث عن النقيض الأجمل، ومعرفة أسباب الظاهرة السيئة وكيف يمكن معالجتها.ومن ثم الأهم، أن يعقد العزم على التغيير.
من هنا أناشد كل فرد في المجتمع أن يتبنى مسؤولية التغيير للأصلح وأن يبتدئ بنفسه فالفرد هو اللبنة الأولى في المجتمع ومن ناحية أخرى لن يتحقق التغير المأمول إلا بتغيير النفس أولا امتثالا لقوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ).
عودة إلى المثل الصيني، لا تكن كالسمكة التي لم تعلم حقيقة مجتمعها إلا بعد أن خرجت منه وكادت أن تموت، فأنت قادر على رؤية مجتمعك وتعزيز مواطن القوة فيه وإزالة الظواهر السيئة منه بإعطائه جزءً من مسؤوليتك وعزيمتك؛ فقط ابحث عن المساوئ وأسبابها وتخيل النقيض الأجمل وحرر نفسك من القيود واعزم النية على التغيير .. بارك الله لكم ولنا في جميع خطواتنا نحو مجتمع أرقى في رضا رب الأرض والسموات العلى.
*دكتوراه إدارة عامة وموارد بشرية