سر الحياة
بقلم الأستاذة / جولان رشاد الواوي*
الحب و الموت ؛ كلاهما سر من أسرار الله جل وعلا ، وما الانسان بينهما إلا ريشة في مهب الحياة يقلبها الله حيث شاء ، نمضي دون أن ندرك حقا بأننا سنسير إلى قمة العشق في قفزة واحدة ، ولذلك فالسقوط من قمة العشق يكون مميتا في أغلب الأحيان .
نحن حين نحب لا نشعر بالمسافة الشاهقة التي نقطعها بكل اللهفة والهذيان ، ولكننا حين نسقط من هناك في حادث نسيان أو حادث خيانة ، نجبر على عبور الطريق التي عبرناها بكثير من المشقة والألم وندرك حينها كم كانت المسافة بعيدة بين الحب واللاحب .
قد نخرج من بيوتنا غير محميين من عدوى الحب ، حين يفاجئنا الشخص الذي يعيد تعريف الحياة لنا ، ومثله الموت مترصدا لنا في الزوايا ، يمد يده لينهش أحدنا على عجل ، قبل أن ندرك حقا بأن الوقت ..انتهى.
الحب والموت كالروح ، سر من أسرار الله ، لم ولن يدرك الإنسان ماهيتها أو شكلها حتى اللحظة ، يقول العقاد "عند الحب حياة يهون من أجلها الموت , وموت تباع من أجله الحياة"
فكيف يستحكم الحب فينا حتى يهون في مواجهته الموت الذي نهرب منه دائما ، لولا أن ذلك الشيء يملك قوة تقهر كل مخاوفنا وتدحض كل معتقداتنا ..
وكما تغشاك لحظة حب ، تسلبك منك لحظة الموت ، لا تدرك في صخب الحياة كيف يزحف إليك وأنت في قمة انشغالك ، وليت الذين رحلوا عادوا فأخبرونا عن كنه ذلك السر الإلهي كيف اجتث ريعانهم وامتص رحيقهم .. في لحظة .
الذين رحلوا أيضا تركوا فينا مساحات شاسعة من الحزن ، لا نفتأ نزرعها بالدموع فنحصد المزيد من الوجع والحسرة ، نعبر الطرق الضحلة لنسيانهم ونحاول العيش بعدهم ثم ندرك كم كنا نجهل تشبثهم في قلوبنا .
لا يوجد وهم يبدو كأنه حقيقة مثل الحب ولا حقيقة نتعامل معها وكأنها الوهم مثل الموت ، يقول مصطفى محمود : " فهل هو وهم فعلا ؟ أم أنه سر ؟ "
نحن ندرك جيدا بأننا حين نسقط من قمة حب شاهقة فإن أرواحنا ستتهشم وتتشظى ألف قطعة وأننا سنفني أضعاف العمر الذي قضيناه في كنف الحب لرتق أسمال الروح وتجميع شظايا النفس ، ورغم ذلك فإننا نحب ، ونسعى إلى من نحب بكل ما لدينا من أحاسيس وأسرار ، مأخوذين بجماله مأسورين إلى اللحظات التي تسبق الحب ،
وعندما نخرج من بيوتنا لا نخشى الموت ، ولا نفكر فيه قد يصدفنا ونحن نيام ، قد يصدفنا ونحن نسير على الأقدام ، لذلك فهو سر .
لو كنا نعرف اليوم الذي سنموت فيه لزالت الرغبة في الحياة ، ولمكثنا العمر كله نحسب لساعة الصفر ، ولو أننا أدركنا الساعة التي يباغتنا فيها الحب ، لأفسدنا جمال اللقاء به صدفة ، ولهدمنا التفاصيل الجميلة التي تسبقه.
إنهما سرا من أسرار الحياة ، من أجمل الأسرار وأشدها إيلاما على الإطلاق ، وأنا لن أتوقف عن الحياة في انتظار أحدهما أو الخوف من الآخر .. فإذا كان الموت قادم لا محالة فلماذا نهدر الوقت في انتظاره .
*كاتبة وروائية ، إعلامية ومدربة في تطوير الذات والتنمية البشرية