كن أنت كالغيث
بقلم الكاتبة / أشواق النمر*
حينما أتأمل الحياة أتأمل سيرها فينتهي بي المطاف إلى أنها تشبه العجلة في سيرها
فتلك العجلة كأنها تقودنا إلى محطات مختلفه
ونحن في داخلها وتسير بنا فوق سطح الأرض
ونخوض معها مختلف المواقف والشخصيات
فالحياة مليئة جدًا بالأحداث والتحديات
فيها المُفرح والمُحزن والإيجابي والسلبي
فيها القوي والضعيف
فنواجه مختلف المواقف والشخصيات والأعمار
بمختلف أنماطهم وأشكالهم وألوانهم وعاداتهم ومعتقداتهم ومعارفهم وأفكارهم وميولهم وأهدافهم وانجازاتهم ونجاحاتهم
ومن بين تلك المواقف والشخصيات
التي واجهناها نجد أننا قد ألفناها وألفنا بعضًا من تلك الأماكن فمن بين تلك المواقف التي واجهناها جمعتنا
بشخصيات قد أحببناها وتألفت الأرواح حين اجتمعت
فإذا ما واجهنا في حياتنا أشخاصًا نألفها وتألفنا
نحبها وتحبّنا كما في الحديث:
" الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ،
وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ ".
_متى تتآلف الأرواح.؟
تتألف الأرواح عندما تتوافق القيم والمعتقدات والعادات
في السلوك تتألف الأرواح عندما تتوافق الأهداف ويتنافس الإنجاز
_ هل سألت نفسك يومًا لماذا تتآلف الأرواح.؟
_ ما هو الشعور الذي نشعر به عندما نقابلهم.؟
تتآلف الأروح حينما تشعر أن
في وجود من تعرفهم راحة ،وفي حديثهم متعه ،
وفي نصحهم فائدة ،
وفي عباراتهم صدق ،وفي عتابهم محبة،
وفي دعواتهم نجاة ،وفي دعمهم وتحفيزهم نجاح.
"نعم هذا ما يحدث إذا تآلفت الأرواح"
فالنفس لا تستمر على حال ثابته فهي تتذبذب
مابين قوة وتراخي كالعجلة تمامًا مابين هبوط وارتفاع لكنها مستمرة لا تتوقف
فأنت كذلك قد تستريح قليلًا وتسترخي وتتأمل وتعيد النظر وترتب أولوياتك تغير من نظام عاداتك المعيقة عن النمو بأخرى جديدة إيجابية نافعة مثمرة
المهم لا تتوقف بل تستمر وتكمل الميسر
تأمل معي هذا التأمل العجيب والجميل حقيقة دائمًا ما أتأمله وأسقطه على حياة الإنسان
تأمل معي جيدًا عالم النبات ذلك العالم العجيب
فهي مخلوقات عظيمة
اليس عالم النبات يشبه عالم الإنسان
فحياة النباتات والأشجار تبدأ بذور صغيرة تحتاج منّا في هذه المرحلة أشد اهتمام من رعاية وسقاية
حتى تكبر وتنضج وتثمر هل تأملت مرحلة نموها حينما تزهر وتثمر فهي لم تعد تحتاج منّا مزيدًا من تلك الرعاية المستمرة
وفي مرحلة جفافها وضعفها تعود مرّة أخرى إلى مرحلة
الاهتمام والرعاية من جديد كما هو حالها في أول بذرتها
اليس عالم النبات يشبه عالم الإنسان
في مراحل نموه وضعفه
فنحن كبذور تبرعمت فأزهرت ثم أثمرت ونضجت
فلو ركزنا في تأملنا في مخلوقات الله حتمًا سوف نتعرف
على حقيقة هذه الحياة وتتضح لنا بشكل أكبر
فهذه النباتات الصغيرة تمر بمراحل كما في قوله تعالى
الآية { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ }
وذكر سبحانه في مراحل خلق الإنسان
الآية في مراحل خلق الإنسان { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ }
فعندما نعود للتأمل من جديد ونتأمل سير العجلة وما تحمله من المواقف والأحداث والذكريات فمنها ما هو
جميل ومنها ما هو مؤلم لكنها مستمرة في السير دون توقف رضينا أم أبينا
فالتوقف يعني السقوط وعدم الصمود طويلًا فهو بمعنى
الموت البطيئ لحياتك للفرص للمشاعر لتلك الذكريات
يموت كل شيء فيك
السؤال هو:
_ كيف نستطيع أن نثبت ونقوى إذا ما سقطنا.؟
فهل من الممكن أن يكون الإنسان في هذه الحالة
كالغيث.؟
كيف ذلك.؟
إذا أردنا أن نسير على ظهرها ونستمر ونكون أقويا حتى إذا تعثرنا لا نتأثر بهذا التعثر ونتعلم منه.
عليك أن تكون كالغيث.
كالغيث .؟
نعم كالغيث حينما تكون كلماتك طيبة فالكلمة الطيبة
صدقة ، وعباراتك جميلة ، وقلبك نقي، وروحك ومعطاءة حيّة ، وابتسامتك مشرقة ، وعينك متفائلة ، ومشاعرك حيّة وعالية تشعر بما تمتلكه من النعم وتشعر بمن حولك تكن كغيمة ماطرة مرّت فأسقت وروت فأثمرت
فالغيث إذا نزل بأمر الله أسقى الأرض الميته فأحياها
فأنت في هذه الحياة كالغيث
تسقي الأرواح من حولك الحب والعطاء والنقاء والسلام
إذا أحببت الناس وأسقيت الخير أثمر الزرع
_لا تؤجل الشكر على أبسط المعروف
_لا تبخل بالابتسامة على من تقابل
_لا تؤجل الاعتذار وتُعلن الكِبر
_لا تؤجل المعروف لعدم وجود السبب
_لا تتلذذ بجرح المشاعر وكسر القلوب
بل سامح نعم سامح في أصل هذا المعنى وعمقه
وكن حرًّا طليقًا من أجل نفسك
بدون مقابل كالغيث يعُمّ نفعه على كافة الأرض
فتفوح الأرض بأطيب عطور الزهر
وكذلك أنت يفوح عطرك بأطيب الأثر.
بالكلمة الطيبة والذكر الحسن.
إذا كانت هذه الحياة قصيرة بنفس ما نحن نراها
و نتصورها بأعيننا
وأنها تبدأ بضعف وتنتهي به
فلماذا إذن التكبّر والتجبّر والتعالي
فكلنا مردّنا إلى هذا الضعف مهما بلغ بنا الازدهار
فلتكن كالغيث إذا حلّ أسقى القلوب والأرواح
إذا مرّ سقى الأنفس بالحياة وحب العطاء وترك الأثر.