الهشاشة النفسية(٢)..
ظاهرة تضخيم المشكلة
بقلم الأستاذة: أفراح الغفيلي*
ظهرت في الآونة الأخيرة ظاهرة تضخيم المشكلة بالرغم من انها لا تندرج ضمن المشاكل الكبيرة، وهذا مايحدث معنا بحياتنا اليومية تصرفات خاطئة ولا نعي خطورتها من هذا المنطلق وجهت سؤالي إلى الدكتورة منيرة الحرابي: لماذا ظهرت في الآونة الأخيرة ظاهرة تضخيم المشكلة وإعطائها اكبر من حجمها الطبيعي؟
أجابت الدكتوره: نحن تعودنا بالآونة الاخيرة بأنّ كل شيء يأتينا بسرعة، فلايوجد مجال للتفكير، او بحث عن طريقة.
في هذا الايطار تحكي لنا الدكتورة منيره موقف ذات دلالة قائلة:
إحدى العميلات عندي ذات مره قالت لي:(أريد اسهل واسرع وصفه بحيث أني أتخلص من الذي انا به في مدة اقصاها عشر أيام) والمعاناة التي تعيشها اكثر من ٤٠سنه وترغب ان أعطيها العلاج بعشر ايام! وهذا مستحيل، قلت لها انا احتاج معك احدى عشر جلسة كحد أدنى؛ أسقت المثال هنا لأنه لماذا تضخم لدينا الهشاشة النفسية؟ لأن العصر الذي نمر به هو عصر مرفه ونحن استسلمنا لهذا الترفيه لم نعتاد وحتى أبناءنا لم نعودهم.
واوضحت الدكتورة خطورة ذلك قائلة: الطفل اذا علق معه الجوال قليلاً لغضب واحتمال أن يكسره، لأن هذه الرفاهية ساهمت في زيادة الهشاشة النفسية؛ عندما يكون هناك تدليل زائد، وحماية زائدة تحرم الطفل من التجربة التي يتعلم من خلالها، مع الحماية الزائدة لن يتعلم الطفل من خلال الأشياء التي نحن نراها تافهه، وكيف له أن يحل المشاكل التي أكبر منها؛ على النقيض عندما يكون هناك إهمال وعنف يرى الشخص بعدما يكبر انه من حقه ان يضخم المواضيع، من حقه انه لن يتحمل وعذره بأن يقول أنني أمضيت سنوات عمري متحملاً بها، الآن انا لا أتحمل، بالتالي يصبح عنده معدل التوتر والمخاوف لديه عالي، ومعدل قدرته على حل المشكلات ضعيفة جداً، لأن اللاواعي عنده يقول أنا تحملت كثيراً والآن لن استطيع أن أتحمل، بالإضافة إلى أسلوب المعرفة في حياتنا يرجع إلى التربية إذا كان بها تدليل أو حماية زائدة أو على النقيض إهمال او عنف زائد.
لا يوجد داء من غير دواء كذلك لا توجد مشكلة من غير حل، كما شهدنا جيلنا اليوم تعرض لمشاعر مدللة، فصارت نفسيته قابله للكسر في اي موقف ولو بسيطاً السؤال: كيف يمكن معالجة هذه الهشاشة المسببة للانكسار؟
أجابت الدكتوره: دعنيني أقول لو كان هناك أم وأب يقرأون هذا الكلام، حتى لا نكون من ضمن فئة المشاعر المدللة القابلة للكسر نراجع أُسلوب تربيتنا، لا نعطي حلولاً معلبة، لكي نجعل أبنائنا يعتمدون على انفسهم، لكن لو كنت أتحدث مع شخص يعاني الآن وهو راشد، فإني أبدأ دائماً بمقولة (تحمل مسؤولية نفسك) لتتخطى هذه المشاعر، وهذا مايصر عليه منهج العلاج بالمعنى؛ من الضروري أن نتحمل مسؤولية أنفسنا على سبيل المثال: أنا أتخذ القرار وأنا المسؤولة عنه، أنا التي أقول نعم أم لا، أتحمل هذه المسؤولية ولا ألقي اللوم على الظروف، ولا على الآخرين،
فنحن الكبار لو كان عندنا هذا النوع من المشاعر نبدأ تدريجياً نتحمل مسؤولية انفسنا؛ الأمر الثاني هو ان نعالج مخاوفنا.
بعدما أفادتنا الدكتورة منيرة بالعلومات المهمة التي قد نجهلها في مسألة تربية النفس او الطفل، تعقيباً لذلك هناك قضية اكثر خطورة ويغفل عنها الكثير، فنحنُ تتبرمج عقولنا كل يوم دون ان نعي ذلك السؤال: هل مايبثه الإعلام من المشاهد المأساوية والمسلسلات الدرامية يؤثر في برمجة عقولنا بلا وعي منا؟
قالت الدكتورة: العقل حتى يتبرمج على فكرة يحتاج مرة واحدة فيها استثارة شعورية عالية وهي الصدمة أو سبع مرات تتكرر تلو الاخرى، (حتى تقبل فكرة جديدة إما ان يصدم صدمة كبيرة او تتكرر عليه بهدوء سبع مرات حتى يقبل الفكرة الجديدة)، فما بالك من مسلسل٣٠ او١٠٠ حلقة كل يوم بكاء، كل يوم انهيارات، كل يوم حزن ، فهل تعتقدون أن لا تكون هناك برمجة للعقل، بل وحتى الأغاني فيها برمجة للعقل، لوكان هناك شخص يسمع أغاني حزينة لفترة طويلة إلا أن يتأثر منها، لأن اللاواعي لا يفهم هل هذه اغنية ام لا، ايضاً الألعاب الالكترونية هناك دراسات تقول انها إزدادت معدل العنف عند الأطفال بسبب العاب البلاستيشن، وهذه كلها لها أثر مئة بالمئة على الذهن سواء الطفل أو الكبير.
دمتم بحفظ الله.
في المقال القادم سنتطرق لموضوع شيّق مع الدكتورة منيرة وهو الشعور بالاهمية، ولماذا يبحث الانسان عن أهميته وإثبات وجوده بالحياة.
* كاتبة ومستشارة متخصصة في المجال الاجتماعي وتطوير الذات.