اللسان… مرآة الكمال
بقلم الكاتبة L فاطمة محمد الفضل*
جلس سُقراط بين تلاميذه الذين أخذوا ينهلون من علوم أستاذهم الفيلسوف الفذ عندما دخل عليهم رجلٌ تبدو عليه ملامح الوسامة مزهو بنفسه ووقف بهذه الحال حتى أطال سقراط النظر إليه وأراد أن يتعرف عليه فقال له:
(تكلم حتى أراك).
وسقراط هنا لا يدعو إلى الثرثرة لأنها نقيصة فى الإنسان وفى الوقت نفسه لا يدعو إلى البكم لأنه ايضاً يضيع الحق الواضح البائن لكنه يدعو للاتزان ومعرفة قدر الكلمة ففى حالة أن يدرك الإنسان أن الكلمة التى يقولها تعبر عن شخصه وقدره فى الحياة سيقيم لها حسابا يليق بها ولا يقلل من قيمتها أو يتركها على عواهنها كحجارة ملقاة فى الطريق ولا يمنعها فى وقتها لأنها سوف تصبح ضرورة وحتمية.
الثقافات الإنسانية تمتلئ بهذه التنويعات على هذا المعنى ايضا، مما يعني أن للكلام فائدة أخرى غير الثرثرة وغير توصيل المعنى والإفهام والتعبير عن المتطلبات التى يريدها الرجل من غيره، إنها شخصية الإنسان، الكلام يحدد أي الرجال أنت، أعاقل أم أحمق، أمتزن أم متهور، أحكيم أم موتور، أمسئول أم معول، أصاحب رأي أم إمعة إن قال الناس قلت وإن صمتوا سكنت.
واستخدام كلمة "أراك" بدلاً من "أعرفك" أو "أفهمك" فعل مقصود يدل على أن الصمت في وسط هذه المعارك وهذه الحياة الصعبة ما لم يكن لك رأي ولم تعبر سواءً بالرضا أو الغضب فأنت كائن غير مرئي وسط هذه الأجواء الصاخبة. فصوتك يعبر عن وجودك وهو أكثر من مجرد قدرة على الحديث.
لذا فإن الحكم يكون على الجوهر لا على المظهر، لأن المظهر زائل، وقد يخدع أحيانًا، و"ليس كلّ ما يلمع ذهبًا".
أمّا ما نخفيه في أعماقنا من عقل وفكر فهو الأساس وجوهر الإنسان، وكلامك هو أنت، هو الدالّ والدليل عليك.
إذاً أنت تختبئ خلف كلماتك وتحت لغتك، وحديثك هو جواز مرورك الأول إلى قلوب الآخرين، ولسانك هو مرآتك التي تعكس شخصيتك.