البجعة السوداء
بقلم الكاتبة / فاطمة محمد الفضل*
يقول المفكر الأمريكي نسيم نيكولاس صاحب كتاب البجعة السوداء : «المستقبل صدفة خالصة، لانضيع وقتنا في توقعه». يتعلم البشر بطبيعتهم من التجارب السابقة ويبنون سلوكهم على أساسها، ويتصرفون وفقًا لخبرتهم.
ومع تطور العلوم تطورت قدرات البشر على توقع الأحداث وفقًا للمعطيات فتتمثل قوة اللا متوقع. وقد ارتبط مصطلح البجعة السوداء تاريخياً في الثقافة الغربية للتعبير عن الحدث المستحيل وقوعه أو الشيء الممتنع من الأساس.
ويقابل استعمال لفظ (البجعة السوداء) في ثقافتنا الشعبية الدارجة أمثال عديدة مثل (بيض الصعو)
أو (إذا حجت البقر على قرونها).
وترجع قصة البجعة السوداء عندما ساد في أوروبا الاعتقاد بأن البجع لونه أبيض وهذا ما أكدته البداهة الميدانية. لكن هذا الاعتقاد تهاوى بعد اكتشاف القارة الأسترالية ليتم اكتشاف بجع لونه أسود لأول مرة في التاريخ. وهنا كتب نسيم نيكولاس كتاباً يحاول من خلاله أن يؤسس لنظرية أطلق عليها (البجعة السوداء) يبحث فيه تداعيات الأحداث اللا متوقعة. ويهمنا هنا كيفية توظيف مصطلح البجعة السوداء في حياتنا والذي يتم عبر رفض كلمة مستحيل والتزود بالمعلومات الخاصة بكل حدث وخوض غمار المجهول.
فالتوقف عن ترديد كلمة مستحيل وعدم النظر إلى الماضي والاعتماد عليه في إصدار وتبني آراء قطعية وترك مجالات واسعة للتوقع والشك والاحتمال يحمي الفرد من الوقوع في الكثير من الأخطاء.
قوة مفعول البجعة السوداء تختلف شدته بحسب درجة امتلاكك للمعلومات التي تتحكم في درجة التأثر بالحدث اللامتوقع.
أما خوض غمار المجهول فقد تبدو فكرة لا يقبلها العقل بل وقد تقول إنها التهلكة بعينها، وهنا لا أقول لك سر في الظلام وسط غابة. بل بالاندفاع نحو المجهول وتوقع أمور إيجابية في الذهاب إلى أي مكان. مجرد الذهاب إلى مطعم أو مقهى قد يحمل فرصة كبيرة وثمينة لتلتقي شخصية وازنة تعرض عليها مؤهلاتك وربما تحصل على فرصة عمل. والمستقبل يمكن أن يحمل أحداثًا سلبية فكن مستعدًا لسماع مثل هذه الأحداث. ويمكن أن يحمل أحداثًا إيجابية فكن مقدامًا شجاعًا على الخوض في المجهول.
أخيراً فإن الفكرة الرئيسية لمصطلح البجعة السوداء ليست محاولة للتنبؤ بالاحداث ولكن محاولة بناء قوة متينه لاستغلال الوقائع بشكل ايجابي وهذا مايجعل بدايتها صعبة ومنتصفها فوضى ونهايتها عظيمة.