نعمة التواصل.. حقيقة أم خرافة!
بقلم الدكتور / أحمد بن محمد الجعلود *
التواصل نعمة أوجدها الخالق سبحانه في كل المخلوقات الحية على سطح الأرض، فدونها تصعب الحياة وتصبح الكائنات الحيَّة في معزل عن محيطها الخارجي. فكل جنس وكائن حي يتواصل مع نفس جنسه ومحيطه بطرق مختلفة تميزه عن غيره. وقد جعلنا الله مخلوقات تتواصل فيما بينها حتى نفهم احتياج بَعضُنَا البعض، وخلق لنا أدوات التواصل الضرورية التي ميزتنا عن الكثير من باقي مخلوقاته. ومع التطور التقني تطورت أدوات التواصل فأصبحت مع مرور الوقت تختصر الجهد والزمن ولم يعد للإنسان عُذرًا في عدم التواصل مع محيطه القريب، بل حتى البعيد! إذن ما بال بعض القوم يعيشون حولنا وعلى سطح كوكبنا الأزرق الصغير يفشلون في التواصل مع مرتبة الشرف الأولى! التفسير الوحيد هو أنهم لا يشعرون بمحيطهم أصلًا وهذا راجع لأسباب كثيرة أحدها وأهمها تراكمات نفسية واجتماعية عاشها هؤلاء جعلتهم يعزلون أنفسهم داخل قوقعة لا يشعرون بأحد ولا يشعر بهم أحد!
نعمة التواصل منحة من الله تجعل صاحبها مهما كانت تعقيدات الحياة الاجتماعية والعملية حوله يشعر بأهمية بل ضرورة التواصل مع الآخرين كلٌ بحسب أهمية الحدث. كيف لنا أن نفسر مع التقدم التقني التي تجعل الإنسان يستلم رسالة من أحدهم ويقرأها ثم لا يكلف نفسه عناء الرد مهما كان! ضعوا أنفسكم ولو مرةً واحدة في الجانب الآخر ودعونا نتعرف شعور ذلك الإنسان الذي ينتظر إجابةً على تساؤل أو طلب أو خبرٍ ما. لابد أن ندرك حقيقة أن التواصل الإيجابي الفعّال دواء للكثير من مشاكلنا المهنية والاجتماعية. نعم البعض لا يتواصل لأنه لا يشعر بالآخر، ولا يرى حقيقة أهمية بعض الكلمات التي أرسلها إنسان تقطعت به السُبل وضاقت عليه الأرض بما رحبت وينتظر (الرد) كالسحر الذي يغير حياته من حال إلى حال! هم لا يشعرون بالآخر ولا يعتبرون التواصل معهم مُهمًا وأولوية! هؤلاء المحرومون من نعمة التواصل مع الآخر معروف عنهم انتقائيتهم في تواصلهم، فتجدهم يتواصلون بشكل فعّال مع من لهم مصالح شخصية مباشرة معهم، ويتجاهلون البعض الآخر من العامة الذين لن يضيفوا لهم مكاسب عملية أو اجتماعية.
لقد انتصر الله سبحانه لذلك الأعمى وأنزل فيه قرآن يتلى حتى قيام الساعة من حبيبه رسول الله ﷺ، فقال له من فوق سبع سماوات “عبس وتولى”، كيف لك يامحمد (ﷺ) أن تعبس في وجه إنسان حتى وهو أعمى لا يرى ملامح وجهك العابسة! هل تأملنا في حقيقة ترسيخ كيف نراعي مشاعر الآخر حتى لو كان لا يرى تعابير وجهنا! لا يعني أن الآخر بعيد عنا لا يعرف حقيقة ما يحدث أن نتركه يتجرع الأمرين وهو يحلل مالذي يعنيه هذا التجاهل وعدم التواصل!
وفِي الختام أعجبتني مقولة منسوبة للأديب الراحل الكبير جبران خليل جبران يقول فيها: ”إن كنت ترغب بالرد على الرسالة، لن يمنعك الازدحام ولا ضجيج من حولك.. هذا إن كنت ترغب. وإن كنت لا ترغب، ستُعيقك ذبابة حطّت أمامك على الطاولة.”
الرغبة في التواصل نعمة لا تُمنح لأي أحد.
د. أحمد بن محمد الجلعود