وكان فؤادها فارغًا
بقلم الأستاذة / عائشة الغامدي *
موجعا هو فراغ القلب ، تريد أن تأخذ نفسًا فلا تجده ، تبحث عن الهواء فيتحول إلى اختناق ، تريد أن تجلس لكنك ترتاح واقفا ، تقف لكنك تجد أن تحركك كبندول الساعة يليق بك أكثر .
هي.. كانت تتحسس قلبها فتجده يكاد يطير لا يلوي على شيء ، وحشة و فراغ هذا كل ما كنت تستطيع وصفه يوما ما ، بكت كثيرًا ، وهمست في المدى : يا أم موسى أنا وحدي أفهمك ، يا أم موسى أنا الآن أدركت ما عانيتِ و مما تألمتِ ، يا أم موسى ربك ربط على قلبك لما كاد يحترق كمدا ، يا أم موسى مثلك أنا .. أشعر بما كانت تشعرين .. يا أم موسى مثلك أنا أتحسس قلبي بيدي فأجده فراغ موحش .
قلوب الأمهات مدن لا يملؤها سوى صخب سكانها ، فإن فقدت هذه المدن سكانها صارت موحشة ، في فراغ القلب تستيقظ الحواس ، فلا تشم أي عطرٍ إلا ظنته أتاها من شذى سكانها ، فهكذا كان لصغيرها رائحة شعره وهكذا كانت أنفاسه و حبات عرقه .
في فراغ القلب تلازم العيون دموعها فلا تبصر إلا سرابا بقيعة كالظمآن يحسبه ماء ، أي شي يبكيها و أي حرفاً ينكث معها العهد فيدميها .
في فراغ القلب .. تشيخ فجأة و تكسو ملامحها تجاعيد وداعهم وما بين تجعيدة وأخرى حكاية قهر في الفراغ منهم .. لا عصا تتكؤ عليها سوى سديم ضحكاتٍ اختفت فتطرق الأسماع بحثا عن بقايا صداها .
في الفراغ منهم .. يختفي معنى الجمال و لذة الأوقات فقد كانوا قناديل الفرح التي اختطفها العابثون فغابت قناديلها و انطفئ سراجها .
في وحشة الغياب .. تدور عينيها في الوجوه بحثا عن ملامح سرقوها منها فغابت في المدى .
في وحشة الغياب .. حطموا زجاجات عطرها و كسروا هذا القلب دون إشفاق .
في وحشة الغياب .. أحدهم لطخ صباحها بالسواد و حجب الشمس بكفيه عنها .
أواه يا أم موسى ما أوجع الفقد ، وما أبشع الفراغ
رفقا بقلوبٍ كالمدن .. لا تنام ولا تنسى .
* كاتبة وتربوية