القلبُ وَالسَيف ..!!
بقلم الأستاذ / أحمد النجار *
روتْ بعضُ مصادرنا - نحن أهلَ السنة قصةً عن التقاء الشاعر المعروف الفرزدق بالحسين بن علي - رضي الله عنه وعن أبيه - فسأله الحسين عن الناس الذي قد قَدِمَ من عندهم ؟ , فقال له الفرزدق : قلوبهم معك وأسيافهم مع بني أمية ..!! ( تاريخ الطبري: 386/5 )..., وهذه المقولة لابُد لكل عاقلٍ أن يتوقفَ عندها كثيراً , فلا يعولُ كثيراً على تعاطف الناس معه وحبهم له فينتظرُ منهم نُصرةً أو موقفاً حازماً في صالحه , فكثيرٌ من الناس حتى وإن تعاطفوا معك وأحبوك واحترموك , فهم - وفي النهاية - سيقفون في جانب الأقوى الذي بيده مايرغبون وقادرٌ على مايرهبون , حتى ولو كان ظالماً جباراً خاطئاً ..!!, وهذه طبيعة البشر التي جبلهم الله عليها والتي يحتاجوا إلى كمية كبيرة من الإيمان وارتقاء الروح لكي يتجاوزوها ويوظفوها توظيفها الصحيح الذي أرادهُ الله عز وجل .., من أجل هذا نرى كثيراً من الناس ينتقدون في مجالسهم شخصاً ما ويتحدثون باستياء بالغِ عن ظلمه وتجبره ولكنهُ وبمجرد أن يَحضرَ يتبدلُ هذا كله ويتحول - وبقدرة قادر - هذا الاستياء إلى رضا ، والامتعاض إلى قبول ، والعبوس إلى بشاشة ، واللوم إلى ترحابٍ بالغ..!!
فهم لديهم أولوياتهم الخاصة بهم والتي يحتاجوا في بعضها لعلاقةٍ طيبةٍ مع هذا الشخص وليسوا على استعدادٍ لخسارته من أجل موقفه منك أو ظلمه لك , بل وقد يصلُ الأمر بهم للوقوف معه ضدك , بل ومحاربتك من أجلهِ إن استلزم الأمر , فحبك والتعاطف معك أمرٌ ومصلحتهم المرجوة من الطرف الآخر أمرٌ آخر تماماً ..!!! , هذه - ياسادتي - طبيعة البشر وقليلٌ منهم من استطاع تجاوزها وتجاهل مصالحه الشخصية والوقوف مع الحق مهما كلفه الأمر , ولكن الكثير لم يستطيعوا ذلك ..!!
ومن أجل هذا لابُد أن توطنَ نفسك بدايةً على هذه الفلسفة حتى لايصدمك موقف من شخصٍ تعلم يقيناً تفهمه لمظلمتك وتعاطفه الشديد معك فتجده وفجأة قد سلَ سيفه ضدك وانضم بعدته وعتاده لصفوف خصمك الظالم وهو متيقنٌ تمام اليقين أنه ظالم ومخطئ ومتجاوز وأنك صاحب حقٍ مظلوم ..!!
ثم لابُد أن تعتمدَ على نفسك في حماية نفسك واسترداد حقوقك والمطالبة بها والمنافحة عنها على قدر استطاعتك , ولابد من أن تعملَ على تقوية نفسك واكتساب قدرة جاذبة للمواقف في صفك رغبةً ورهبةً دون ظلمٍ أو تجنٍ أو اعتداء , فكونك قوياً بإيمانك بالله وعلاقتك به وبدعائك له ثم بثقافتك وعملك وجهدك وكفاحك وتنميتك لذاتك وبناء مكانتك الاجتماعية والمادية - كل هذا - سيجعلً منك رقماً صعباً في أي معادلةٍ تتواجد فيها , وسيشكلً حصنَ حماية لك من أهل الظلم والتجاوز والبغي والاعتداء إلى درجةٍ كبيرةٍ , وكذلك سيكون لك مجالاً جاذباً للمواقف من الكثير من الناس وستكون الخيار الذي يختاروه لينافحوا عنه ويرفعوا أسيافهم من أجله ..!!, ولكن إياك أن يغرك كل هذا فيجرك إلى مزالق الظلم والتجاوز والطغيان , وحافظ على قوتك وعلى وجودك دائماً في دائرة الحق فهذه هي قوتك الحقيقية , وإياك إياك إياك أن تفقد طيبتك وحنانك ونقاءك وتواضعك ورحمتك وأدبك وحبك للخير وللآخرين ، فإن خسرت هذا فقد خسرت إنسانيتك مهما كانت مكاسبك وقوتك ، وتحولت إلى ضعيفٍ ، أضعفُ من ريشةٍ في مهب الريح .., ماأريد إيصاله لك أن لاتعتمدَ على كل ذلك وعزز قوتك وتوكل على القوي المتين .., فأنت بذلك ستكسب قلوب الناس إلى صفك وكذلك أسيافهم .. , وقد أبدعَ الفرزدق حين عبر عن هذا المعنى الذي أتحدث عنه والاتزان بين حب الناس واحترامهم لك وبين رغبتهم فيما عندك ورهبتهم منك حين قال :
أحلامنا تزن الجبال رزانة *** وتخالنا جنًا إذا ما نجهل ..!!