علمتني النباتات
بقلم الكاتبة / ظلال عدنان و الدكتور / ميسر محمد عزيز *
صامتةٌ وثابتةٌ ولكنها تنبض بالحياة وتحيينا، هذه الكائنات الحية التي تدعى "النباتات".
قد تعلمنا في صغرنا فوائدها للبيئة وأهميتها كمصدر للغذاء لمعظم الكائنات الحية الأخرى، وربما درسنا تركيبها ووظائف أجزائها وآلية عملها الدقيقة والمعقدة.
كم ظللتنا غصونها، وكم أبهجتنا ورودها، وكم تلذذنا بثمارها، لكنها كانت لحظات عابرة، وربما لم تستوقف الكثيرين منا، ولم تستثر اهتمامهم تلك التفاصيل المختبئة بين طياتها.
المتأمل في عالم النبات عالماً كان أم دارساً، مزارعاً أم هاوياً؛ ستمنحه تلك النباتات أسرارها، وستهمس له بمكنوناتها. ألهمتنا النباتات وعلمتنا الكثير. فكانت هذه الخواطر بوسم #علمتني_النباتات ، وفيما يلي بعضها:
- أن بعض من حولنا لا يريد أن يتقاسم الحياة مع الآخرين، ولا يمكن التعايش معه لسوء خلقه، كنبات البصل يفرز مواد سامة تمنع نمو نباتات أخرى حوله.
- أنه لا يمكن العيش دون التعاون، فنلاحظ نباتات العائلة البقولية تتعايش مع بعض الأحياء المجهرية لتوفير عنصر النتروجين الضروري لحياة النبات، وبدون التعاون بين مكونات المجتمع تكون المجتمعات منقوصة وضعيفة.
- أن الأشجار الباسقة ذات الشكل الجميل البادي للعيان تخفي أضعاف حجمها داخل التربة (الجذور)، وكذلك كل سلوك جميل عند الناس ناتج من عمل دؤوب في أيامٍ خلت قد لا نعلم عنها شيئاً.
- عندما تصادف النبات ظروفاً قاسيةً كـ (الجفاف)، فإنه يسرع في إنتاج البذور ليضمن بقاءه واستمراريته، وهكذا علينا أن نواجه الظروف القاسية فلا نستسلم أبداً، بل نستمر في أداء رسالتنا دون تعجّل حتى الوصول إلى الهدف المنشود بإذن الله تعالى.
- أن يكون للحياة هدف ... فهدف النبات إنتاج البذور، لا ليأكلها الإنسان بل ليحافظ على نوعه من الانقراض، ليتنا نحن البشر نمتلك جميعاً رسالة نبيلة هدفها البشرية وليس مصالحنا الشخصية.
- قد نبذر عشرات البذور، ونوليها جميعها ذات الرعاية والاهتمام، لنجد أن بعضها فقط هو الذي نَمَى، فبعضها كان نموها جيداً، وبعضها يقاوم الظروف الصعبة، وبعضها للأسف يموت من أول صدمة؛ تماماً كتربية الأبناء، وكذلك نحن البشر بشكل عام.
- أن مقابل كل كسب لا بد أن يكون هناك خسارة؛ فحتى نكسب الثمار، نحن نخسر جمال الأزهار.
- أن الحياة والاستمرارية تقتضي المرونة وتعديل بعض المواقف؛ فلا مانع من تغيير طريقي إلى طريق آخر يوصلني لذات الهدف؛ تماماً كما يحدث في شريط كاسبري حيث يغير الماء مساره.
- أن للاقتراب حدود، وللحب قيود، إن تجاوزناها يؤذينا، وربما يقتلنا؛ فها هو زهر الياسمين الباسم، بعطره الساحر يدعوني لأقترب، وحين تداعب أناملي خده الأبيض، لينطبق عليَ المثل "ومن الحب ما قتل"، يتمكن مني فيقتلني بالحساسية.
- الصبر وطول البال، فبعضها قد يعطيك ما تبغِ بعد شهور من زراعته، وبعضها عليك الانتظار سنوات؛ المهم ألا تكف عن الصبر والأمل والرعاية، وكذلك أهدافنا وأحلامنا في الحياة.
- لبعض النباتات أشواك أو مظهر قد نعتقده قبيحاً، ولكن هذا يجعل من النباتات طاردة للحيوانات أو الحشرات ويمنعها من التغذية عليها. كذلك يجب أن نجعل من المحنة منحة، فكل شيء مُعطى من الخالق هو هبة وهدية قد أُعطيت لنا بحكمة ربانية قد لا نعلمها.
- قد تحدث الحرائق في الغابات مسببةً خسائر فادحة في نمو الأشجار وأعدادها، ولكن هناك أنواعاً نباتية جديدة تنمو وتظهر خلافاً لما كانت عليه في السابق؛ لذا علينا ألا نقلق من بعض المصائب التي تواجهنا فهي قد تغير من بعض قناعاتنا تجاه أموراً معينة إقتضت الحكمة الربانية تغييرها بالقوة.
- قد تكون المظاهر خدّاعة، فهناك من النباتات خضراء اللون وتحمل أوراق وشكلاً جميلاً ولكنها تجذب الحشرات لتفترسها.
- وجود الكبير في العائلة أو المجتمع مهم جداً ليحافظ على وحدة الصف وعدم خروج أصوات نشاز، فالنبات إن قطعنا قمته النامية ستظهر نموات جانبية وعشوائية كثيرة من شانها تضعف النبات.
- لا يستمر الحال على ما هو عليه، فالحياة سجال يوم لك ويوم عليك، فالأشجار المثمرة فيها ظاهرة تبادل الحمل بين عام وآخر، فهناك موسمٌ ذو أزهار كثيرة لتصبح فيما بعد ثماره يانعة يتبعه موسم قد تكون عدد الثمار فيه قليل ومحدود جداً.
- قد نحتاج وقت للنهوض بعد أي تغيير يواجهنا (وفاة عزيز علينا، فراق أحد أحبابنا أو خيانة بعضهم)، فالنبات عند نقله من مكان إلى آخر يحتاج إلى وقت ليعيد نشاطه وكأنه يرتب أوراقه للمناخ الجديد.
" ولازال الكثير من أسرار هذه النباتات يختبئ بين ثنايا خلاياها، وكل يوم تدهشنا باكتشاف، وعلم، وقيمة. فسبحان الله خالق الجمال ومبدع النبات، واهبنا العقل للتعلم والاستنباط".
* كاتبة
2 pings