دعوا الخَلق للخَالِق ... مَتى ؟!
بقلم الدكتورة / ناهدة الزهير *
تَماسُك المُجتمع المُسلم و دَيمومَته تتوقّف كثيرًا على مبدأ "الأمر بالمعروف و النَهيّ عن المُنكر". و مع هذا، فهناك مَن يُنادي بكَسر هذه القاعِدة بِمقولة "دعوا الخَلق للخالِق".
ليسَ بخافِِ على أحَد مِن صغيرِِ أو كبير و مِن مُثقَف و نِصف مَتعلّم و مِن بسيط و صاحِب مَنصب، أنّ مواقع التواصل الاجتماعي على اختلاف مَنصّاتها ساهَمت في تقريب الكثير من المشاهد و الأحداث و الأخبار الآنية للبَشر في كلّ أرجاء المَعمورة، بلا قيدِِ أو تحفّظِِ و بدون الانتقال من نفسِ المَقعد الذي يَستخدمه مَتصفّح هذه المواقع في اليوم و الليلة. و لا يُنكر أحدُُ أنّ هذه المواقع تَعرِض الجميل و أيضا القبيح و تنشِر الفضيلة كما تُساهم في تَوسيع دائرة الرذيلة.
و المُتَلقي في الانتظار.
ما يَعنيني هنا؛ كامرأة مسلمة عربية، أنّ أرى البيئةَ التي تنشأ فيها أجيالنا؛ حتى الافتراضي مِنها، بيئةً صالحةً و صحّية. يَهمني أنْ يُقال للفاسد الذي يَنشر الفساد و يروّج له تَوَقف هنا نَهيّ عن مُنكر. أنْ يُشار لِمُسلمة تظهر شِبه عارية من أجل حَصد أكبر عَدَد مُشاهدة و إعجاب و مُتابعة بأنْ إلزمي حُدودَكِ فلا تتخطيّ حُدود الله.
أنْ نمتدِح الجميل و نَستحسِن المُفيد و نُثني على المعلومة القيّمة و نَشكر أصحابَ الأفكار النيّرة.
نأتي من شقّ "الأمر بالمَعروف" و "من شَكر الناسَ فقد شَكر الله".
إن ترديد مقولة "دعوا الخلق للخالق" و إهمال مبدأ "الأمر بالمعروف و النهيّ عن المنكر" يأتينا بويلات تبدو صغيرة لكنّها حينَ تتفاقم فإنّها تَهدم قيَم و مبادِئ مُجتمع بأكمَله.
حين نَنتَقي من الظواهر التي تمرُّ أمامنا مالا يعنينا لأنّه لا يَضّر أو يَنفع و لا يُقدّم أو يُؤخر، فإن هذه المقولة صالِحة.
علينا تناول الظواهر الإنسانية بحكمة و تروّي و غَربلة ما نَراه أو نَسمعه أو نَقرأه كيّ لا تختلط علينا الأمور. و لِنسأل أنفُسنا قبلَ إقحامِها : هل يستحّق الأمر أن نتدَخل أمْ أنّ هذا الأمر لا ضَرَر و لا ضِرار؟
نحنُ نعيشُ مع الخَلق و لهُم، و نعملُ من أجلِهم، و من حقوقِهم علينا أن نمتدِح جميلَهم و ننتقِد قبيحَهم . هل شاهدتَ منظرَ قُمامة مُتكدّسة في شارع راقي دونَ أنْ تستنكِر !؟ هل رأيتَ شيخًا يُطعم طيورًا جائعة و يَسقيها و يُناجيها دونَ أنْ تشعُر بشيءِِ من الإعجاب!؟ هل صرختَ في رجلِِ يضربُ طفلاً و كففتَ يدَه عنه!؟ هل دخلتَ المسجِد للصلاة و شجّعت من هو في الخارج أنْ يدخُل معك كيّ يُصليها جَماعة و يَنفض عنه التكاسل!؟ هؤلاء خَلق و مخلوقات، لكنّك تفاعَلت مع الظاهِرة حينَ استنكَرت القَبيح و في موضِع الجمال أكثَرت المَديح.
إنّ مَن يَستخدمون عبارة "دعوا الخَلق للخالِق" بكثرَة قاصدين فيها غضّ البَصر و الفِكر عن الفساد و القُبح و الرَذيلة بحجّة أنّ مَن تتعرّى فهذا جَسدها، و مَن يَنشر السفاهة فهذه "خِفّة دَمّ" و مَن يَتطاول على قيَم المُجتمع من بابِ الحُرّيات، فإنّنا أمام سوء فهمِِ عظيم و سوء تَفسيرِِ لهذه المَقولة مع استهتارِ بثوابت الأمّة.
"دعوا الخلقَ للخالِق" في غير باطلِ و لا نَشرِ لمعصية . و مَن ابتلاهُ الله فليستَِتر بعيدًا عن الخَلق.
* المدير العام لمركز معارف الصّحة ـ مؤلفة كتاب ( حِبال ـ قصص قصيرة )