[CENTER][COLOR=#050500][B][SIZE=5][FONT=Arial]
[COLOR=#001CFF][SIZE=7] المتساقطون في عصر الصورة [/SIZE]
[/COLOR]
[RIGHT][COLOR=#FF2600]* بقلم الدكتور / بلال كمال رشيد [/COLOR]
[/RIGHT]
[JUSTIFY]
في عصر الفضائيات والإعلام ، في عصر الصورة تصويراً وعرضاً وتركيباً وتشويهاً ، يرى المُشاهد الصورةَ في كلِّ مراحلها من قَبْلِ الإعداد حيث كانت فكرةً أو إشاعةً ، وما يسبقها أو يُرافقها من لغةٍ ومفرداتٍ ، إلى أن تدخل في مرحلةِ البَلْورة و( الفلترة ) ووضعِ البصمات واللمسات ، وعملية الجَرْحِ والتعديل ، والتكبير والتصغير،وتقديم لونٍ على لون ، وتحديد الإضاءة ، وما يُرافقها من تغييرٍ وتبديل ، وعملياتٍ جراحيةٍ وفنية ، يجعلها تَفضحُ وتُفصحُ حيناً ، ويجعلها تقولُ ما لايقوله الواقعُ أحياناً ، يجعلها تسيرُ مع اتجاه ، وتُساير فكراً ، وتُيسِّرُ لمذهبٍ ، تُرحب بمبدأ وتُحارب مبادىءَ أخرى !!!
يقفُ المُشاهدُ في عصر الصورة ؛ لِيُشاهد الصورة ، بل لِيُشاهد صُورَ الصورةِ في كلِّ مراحلها ، يقفُ مشدوهاً أمام صورةٍ ، حيرانَ أمام ثانيةٍ ، لم يعدْ يرى الصورةَ بعينيه فقط ، بل يستمعُ إليها بكلِّ حواسه ، وأصبحتْ لسانَه حين يتكلم ،
يقفُ ليشاهدَ ويشهدَ صِدقَ الصورة في مرحلةٍ متقدمةٍ ، ولِيشهدَ على كذبها في مرحلةٍ متأخرةٍ.
في عصر الصورةِ لمْ يعدْ الخريفُ العصرَ الوحيدَ لتساقط الأوراق ، بل أمسى الربيعُ فصلاً لتساقطِ كلِّ شيء ، لم يعد الربيع فصلاً للزينة والجمال ، والولادة والتكاثر ، بل أصبح للتناحر والتقاتل ،لم تعد الأشجارُ واقفةً ؛لِتسترعوراتِ أغصانِها الجرداء ، ولتَعِد بزهرٍ وثمرٍ ، لم تعدْ الأرضُ تكتسي ثوبَها الأخضرَ ،بل أصبح الأحمرُ لها لوناً وعنواناً ، لم يعد الإنسانُ على هذه الأرض يفرحُ ويبتهجُ بمقدم ربيعٍ .!!
أصبح الربيعُ خريفاً ، كلُّ شيءٍ يتساقطُ أمامهُ ، حتى الربيع سقطكمفردةٍ من قاموسه ،وسقط كصفةٍ لمرحلةٍ من حياتهِ ،فلا ربيعَ عُمْرٍ في حياته ، يبدأ حياته طفلاً كهلاً وتنتهي به كهلاً مُهملاً !!
لم يعدْ الربيعُ ربيعاً وتشوه عربياً ، كلُّ شيءٍ يتساقطُ أو قابلٌ للسقوط ، تساقطتْ الأوراق ، تساقطتْ الأشجارُ مُنحنيةً راكعةً صاغرةً، بعد أن تغنينا بها أزماناً : (تموت الأشجارُ واقفةً )، فما وقفتْ، ولا ثبثتْ في وجهِ إعصارٍ ، سقطتْ أوراقُ التوتِ عن العورات، وسقط زمنٌ كنا نقول فيه: ( تجوع الحُرّة ولا تأكل بثدييها ) فأكلتْ بعضُهن من غير جوعٍ ، و( سقط القناعُ عن القناعِ ) ، سقط المُثقفُ والسياسيُّ والدينيُّ أمامَ الدرهمِ والدينار ، تغيرتْ المواقفُ بتغير المصالح ، سقطتْمواقف ومبادىء ودُول ، سقطتْ عناوين كبرى ، سقطت صفاتُ القوميةِ والعربية والإسلامية عن حامليها ومحمولاتها ، لم تعدْ هناك : مُمانعةٌ ولا مُقاومةٌ ولا مواجهةٌ بيننا مع العدو ، بل أضحتْ بين العربي والعربي ، سقطت شعاراتٌ وأشعار ، لم يعدْ أحدٌ يتغنى بـــ ( بلاد العرب أوطاني ) ، سقط الفارسُ عن
الفرس ، وسقط الفرس .
كشفتْ الصورُ ما أخفتهُ السطور ، دخلتْ إلى الغرف المغلقة ، وأظهرت بعضَ القاماتِفي بعضِ المقاماتِ ، فسقط القولُ عن القائل ، وسقط القناعُ ، وظهرت العوراتُ كلُّها ، وكانتْ ألسِنةُ الناسِ من لهبٍ !!
في عصرِ الصورةِ لنْ تُغمضَ عينيك ، لنْ تُغلقَ أذنيك ، سترى ما لمْ تَرَ ،سترى المُتساقطين يتكاثرون ، ستكتملُ بك الصورة ، لتقولَ ما لمْ يُقلْ، ستكون مُشاهِداً وشاهِداً على ربيعٍ عربي سقطتْ فيه أجملُ صورة !!
[/JUSTIFY]
[RIGHT][COLOR=#FF1700]* كاتب وناقد أدبي ـ أستاذ مساعد في الأدب العربي الحديث ونقده [/COLOR]
[/RIGHT]
[/FONT][/SIZE][/B][/COLOR][/CENTER]