التفريق بين الأم وأبنائها بعد تطليقها
بقلم الشيخ / منصور السويدان *
إِنَّ الرّحمةَ هيَ سمةُ المسلمِ ، وعنوانُ المؤمنِ ، وطريقُ لاستحقاقِ رحمةِ الرحمنِ الرحيمِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ( الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ، ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِى السَّمَاءِ ) .
إن أوْلَى النَّاسِ برحمتِكُم أولئك الذينَ ارتسمتْ البراءةُ على وجوهِهِم وظهرت قلة الحيلةِ في أيديهِم ، أولئك الورودُ والرياحينُ ، زينةُ الحياةِ الدنياَ وجمالُها ، وأُنسُهاَ وسعادتُهاَ ، أُنْسُ البيوتِ ، وثمراتُ الأفئدةِ ، ومآخذُ القلوبِ ، أولئك الأطفالُ الصِّغارُ، الذين هُمْ بأمسِّ الحاجةِ إلَى كَنَفٍ رحيمٍ ، ورعايةٍ حانيةٍ ، وبشاشةٍ سمحةٍ ، ووُدٍّ يسعُهُمْ ، وحُلمٍ يراعِي ضعفَهُمْ ، إنَّهُمْ بحاجةٍ إلَى قلبٍ كبيرٍ، يرحمُهُم ويُحسنُ إليهِمْ، ويرفقُ بِهمْ ويعطِفُ عليهِمْ .
أنقلُ لكمْ صورةً مأساويةً تتكرر عند ضعاف النفوس ضحيتها أولئك الأبناء ظلم عظيم حينما يحرم الرجل أبنائه من رؤية أمهم بعد طلاقها بعض الناس إذا طلق زوجته حرمها من أبنائها عدوانا وقهرا فيحرمها من أبنائها الذين حملتهم في بطنها وأرضعتهم من صدرها وأخذَ يساومُهُم على أبوَّتِهِ ، ويهدِّدُهُم إنْ طلبوا رؤيةَ أمِّهِم ، كسرَ للخواطرَ ، وجرحَ للأفئدةَ ، وقرح للأكبادَ ، وفجع لهذهِ الأمَّ المسكينةَ بأولادِها .
أي ظلم هذا الظلم حينماَ يكونُ هؤلاءِ الأطفالُ المساكينُ ، حلبةَ عراكٍ بينَ الزوجينِ ، وأدواتِ تصفيةِ حساباتٍ ، ووسائلَ ضغطٍ وإذلالٍ ، حينماَ يصلُ بالزوجِ الأمرُ إلى هذا المستوى من التفكيرِ ، أطفالٌ مساكينٌ ، يُحرمونَ رؤيةَ أمهِم لأشهرٍ وسنواتٍ ، ليُشبِعَ هذا الرجل كبريائِهِ وتعاليهِ ، على حسابِ أطفالٍ لا حولَ لهم ولا قوةَ إلا باللهِ ، على حسابِ أطفالِهِ ، وفلذةِ كبدِهِ ، وثمرةِ فؤادِهِ ، كأنهمْ آلاتٌ وجماداتٌ ، لا إحساسَ لهم ، ولا شعورَ لديهم ، ولا ولَهَ عندَهُم ، حُرموا حنانَ الأمِّ
ما هو الذنبُ الذي اقترفوهُ ، وما هو الخطأُ الذي ارتكبوهُ ، تصرفاتٌ عدوانيةٌ ، وتوجهاتٌ همجيةٌ فأينَ الرحمةُ أيها المسلمونَ ، وأينَ الشفقةُ ، ورسولُنا صلى اللهُ عليه وسلمَ ، هوَ الأسوةُ الحسنةَُ هو المثلُ الأعلَى يعاملُ الصِّغارَ بالرَّحمةِ والشَّفقةِ والرِّفقِ واللِّينِ، يقول أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (مَا رَأَيْتُ أَحَداً كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) صحيح مسلم
أينَ غابتْ تلكُمُ الرحمةُ التي أشرقَ لها الكونُ ، وكيفَ ضاقت تلكُمُ الرحمةُ التي وسِعتْ حتىَ قلوبَ البهائمِ والطيورِ ، هل صُمَّ عنها قلبُ هذا الأعوجِ الأهوجِ .
ألم يبق في الناس إلا المكر والملق
شوك ، إذا لمسوا ، زهر إذا رمقوا
فإن دعتك ضـرورات لعشرتهـم
فكن جحيماً لعل الشـوك يحتـرق
إنهُ مِنَ المؤسفِ حقاًّ ، أنْ يطالِعُنا المجتمعُ بيْنَ حينٍ وآخرَ بقصصٍ مؤسفةٍ عنْ قسوةِ الآباءِ علَى الصغارِ ، وحرمانِهِم من مصدرِ الحنانِ الذي لا يجدونَهُ في الدنيا ، إلا بينَ أنفاسِ هذهِ الأمِّ وفي حِجرِها ، بلاَ مبررٍ يُعرفُ أوْ ذنبٍ يُقترفُ .
أتت امرَأةً قالت: يا رَسولَ الله، إنَّ ابْنِي هذا كان بَطْنِي له وِعاءً، وثَدْيِي له سِقاءً، وحِجْرِي له حِواءً، وإنَّ أباهُ طَلَّقَنِي وأرادَ أَنْ يَنْتَزِعَه منِّي، فقال لها رسولُ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أنْتِ أحَقُّ به ما لم تَنْكِحِي))؛ رواه أبو داود .
* تربوي وإمام وخطيب