نحو مجتمع أرقى.. كيف تكون قائداً مثالياً؟
بقلم : د. نجوى مرضاح المري *
حينما نطمح أن نبني مجتمعا راقيا تفكيرا وسلوكا، لابد أن نفكر كيف نبني الفرد في المجتمع وكيف نؤثر فيه. وبما أن القيادة تعني، ببساطه، عملية التأثير على الآخرين، كان حق علينا أن نعيرها الكثير من الاهتمام فنحن نحتاج قاده مؤثرين قادرين على تغير سلوك وتفكير أفراد المجتمع. تشكل القيادة عنصراً مهمًا في عالم اليوم خاصة في ظل التطور الهائل، وبالرغم من أهميتها ,يبدو أن هناك من ينظر إليها من زاوية معينة إلا وهي النظرة الإدارية البحتة ونسوا أن القيادة تتضمن جميع تفاصيل حياتنا؛ فالآباء، الأخوة، الأصدقاء، المدرسون بالإضافة إلى المدراء لابد أن يكونوا قاده مؤثرين. فما هي القيادة المثالية التي نحتاجها لبناء مجتمع راقي و واعي؟
القيادة المثالية التي ننشدها هي القيادة الإسلامية وهي قيادة الرسول صلى الله عليه وسلم وأسلوب تعامله و هذا النمط القيادي هو نمط مثالي لأن النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم يتصرف بوحي من الله عز وجل ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى • إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ سورة النجم , آية 3,4.
من أهم السمات القيادية التي عرفتها القيادة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام هي القدوة الحسنة والإخاء والبر والرحمة واللين والعدل والرفق، وهذه من أهم الصفات التي تؤدي إلى القيادة السليمة، فقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم في المحبة بين المسلمين (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) , وفي العدل ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وماولوا ) وفي الرفق ( اللهم من ولى من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشفق عليه ومن ولى من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به) أما اللين فقد قال تعالى ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ سورة آل عمران , آية 159. كما أن الإسلام حث على الوحدة وبناء الفريق الواحد وعدم الفرقة فقد قال تعالى ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعــاً وَلا تَفَرَّقُوا ﴾ سورة آل عمران , آية 103. ولكن هذه الوحدة لابد ان تكون مشروطة بالتعاون الايجابي الخيّر.
والقيادة الإسلامية تقوم على عدد من المقومات السلوكية ومنها الشورى التي تعتبر من أهم أسس القيادة في الإسلام , وهناك آيات عديدة وأحاديث نبوية كثيرة تدل على ذلك. لقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه في قوله تعالى ﴿..فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ سورة آل عمران , آية 159، كما جعلها الله سبحانه وتعالى من صفات المؤمنين. وإذا كانت الشورى على مثل هذه الأهمية عند عامة الناس فإن أهميتها تتزايد عند القائد وتعد واحدة من أهم مقوماته السلوكية لما يترتب عليها من المصالح كظهور الصواب وإشعار التابعيين بأنهم أهل الشأن ليتحملوا معه المسئولية ، وللاستفادة من خبرة البعض واستمرار الثقة بين القائد والتابعين، وذلك يقوي ويدعم تصرفاته ويشعرهم بالطمأنينة . وسيرة الرسول الكريم تزخر بحوادث كثيرة تدل على مشاورته لأصحابه منها حادثة الخندق حينما أشار عليه سلمان الفارسي بحفره وأخذ بمشورته وفي غزوة أحد عندما استشار الرسول الكريم المسلمين بالتحصن بالمدينة أو الخروج لقتال العدو وغيرها من الحوادث والغزوات التي كان هديه صلى الله عليه وسلم مشاورة أصحابه والأخذ بالرأي السليم، وذلك ليس قصورا في رأي النبي أو عجزا منه عليه الصلاة والسلام في حل المسائل المطروحة ولكن لأهمية الشورى والمشاركة في الرأي وما تتركه من آثار إيجابية.
كما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة في كيفية تحديده الاختصاصات فقد كان يوزع المهام ويبين ما يجب عمله ومثال على ذلك حديث معاذ ابن جبل قال " بعثني الرسول صلى الله عليه وسلم وقال (انك تأتي قوما من أهل الكتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنياهم فترد إلى فقرائهم , فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب) من هذا الحديث الشريف تتجلى حكمة المصطفى عليه الصلاة والسلام في كيفية تحديده الاختصاصات إذ يبين له العمل المهم الذي يبدأ به مرتبا عليه ما ينبني عليه . كما يقرن الرسول عليه الصلاة والسلام مع التحديد الدقيق للمهام التوجيه وذلك باستخدام أساليب مبسطة والابتعاد عن التعقيد فمن توجيهاته عليه الصلاة والسلام لولاته(يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا ) هذه الكلمات البسيطة تتضمن أمرين عظيمين وهما : الأمر الأول يتعلق بالتابعين وهو الرفق بهم وعدم الشدة عليهم في معاملتهم ، وتعليمهم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم ؛ والأمر الثاني بالقادة أنفسهم وهو أن لا يختلفوا لما في ذلك من استمرار الأخوة والمحبة بينهم والتي تنعكس على ترابط التابعين.
والرسول صلى الله عليه وسلم القائد يعطي أروع المُثل في كيفية تذكير التابعين بواجباتهم حيث كان يراعي الأوقات المناسبة ولا يفعل ذلك كل يوم حتى لا يملوا فقد قال ابن مسعود رضي الله عنه : كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهية السآمة علينا. كما أن النبي صلى الله عليه وسلم، حين حدد المهام لمعاذ ، كان يعلم أن هناك أمورا عارضة سوف يواجهها ولذلك سأل معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن واليا عليها : بما تحكم يا معاذ ؟ قال : بكتاب الله ، قال : فإن لم تجد ؟ قال: بسنة رسول الله ، قال : فإن لم تجد ؟ قال : اجتهد برأيي ، ولا آلو ، فقال رسول الله : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله . وهذا يدل على أن الاجتهاد من الأمور المحمودة ، وأنه يرتفع بقدر صاحبه ، وأنه يساهم في إقدام الإنسان على إعمال فكره وعلمه وطاقته وقدراته وتسخيرها في إنجاز المهام والأعباء الملقاة على عاتقه بكفاءة عالية . ومن هنا يتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع منهجية للقائد في تعامله مع تابعيه ، فهو يحدد القواعد العامة ويترك الأمور الفرعية والتفصيلية واستخدام الإجراءات المناسبة تبعا للمواقف المختلفة.
كما أن الإسلام أعطى أسسا عظيمة في الحوافز وذلك بالجمع بين الحافز المادي والمعنوي فقد قال تعالى ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ سورة القصص, آية 77.ويجب أن يكون هذا الأجر أو المكافأة على حسب العمل ومع مراعاة التفاوت في إنجاز الأعمال وعلى القائد ان يتوخى في ذلك العدل فجميع التابعين سواسية قال تعالى﴿ ... وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ..﴾ سورة الأعراف , آية 85.
من العرض السابق يظهر أن القيادة الإسلامية القائمة على أساس الشورى والمشاركة في اتخاذ القرارات وعلى روح الفريق الواحد من خلال التعاون البناء وعلى العدالة في نظام الحوافز وعلى تشجيع الاجتهادات والأفكار الجديدة هي القيادة التي ينشدها الباحثون الإداريون والتي توصل إليها الباحثون في الغرب تحت مسمى القيادة الجماعية أو الإدارة بالمشاركة والتي تحقق الأهداف بفعالية وتصنع من التابعين قاده أكفاء.
من هنا، نداء لكل أب ، أم ، مدرس، أخ ، صديق، أو مدير.. كونوا قاده مثاليون فأنتم قادرون على التأثير على من حولكم وبناء أفراد مبدعون قادرون على تحمل المسؤولية والتفكير بوعي ورقي.. فأنتم اللبنة الأولى لبناء مجتمع أرقى..
*دكتوراه إدارة عامة وموارد بشرية