بوح
(حيادية)
بقلم الأستاذة / نوف بنت عبدالله الحسين *
(كنتم خير أمة أخرجت للناس)
آية (110) سورة آل عمران
لم أكن يوماً أحب الخوض في السياسة وفي ملابساتها ، ولا أحبذ معترك حوار مع من لا ينظر للأمور بنظرة منطقية منذ صدمة غزو الكويت الغاشم ، مازال أثرها قابعاً في النفس رغم السنوات التي مضت ، إلا أن الرعب الذي صاحب تلك الأحداث شكّل وسماً بشعاً في النفوس وفي التاريخ، ولم تكن الصراعات التي تلاحقت بعدها شيئاً يفتح آفاقاً للحوار وطرح الحلول ، سوى الانغلاق أكثر على الأفكار أو حتى اغتيال الفكرة قبل النق بها ، لم تكن الأخبار بارعة في عرض أسوأ شواهد التاريخ على الكوارث الإنسانية ، ولم تعد الأصوات المعارضة مقنعة ولا الإجراءات المتخذة في العالم منصفة ، ولم تسطر بطولات الظل لأبطال يحاولون إعادة الوضع لمساره الطبيعي ، ولم يعد الإعلام قادراً على احتواء الحدث بقدر ما تشارك في فوضويته ، ولم تعد الانقسامات الفكرية والثقافية والدينية والسياسية والرياضية بكل أطيافها باعثة لحوار يناقش وجهات النظر وتقريب الآراء ، ورغم الحيادية المطلقة إلا أنني أجد نفسي مرغمة بتواجدي وسط الأحداث أتصدى لمراشقة أحجارها الدرامية ، من جراء ملاحقتها في وسائل التواصل الاجتماعي ، تلك التي تقتحمك من كل صوب ، الكل يتحدّث ولا أحد ينصت .
لعلنا نحتاج إلى إعادة صياغة واقعنا ، نحتاج إلى فرز كل شيء وتنظيمه ، وإلى عد الخلط بين الأمور ، وتصويب اللغة المنطوقة ، والتحدث بالمنطقية ، وإلى تكوين جبهات داعمة للخير ، وليست ثكنات حرب حاضنة للشر ، نحتاج إلى أن لا نصنع من المجرمين أبطالاً ، وأن نكون عادلين منصفين مع الأبطال ، أن ندافع عن الحق والخير والجمال ، وندحض الشر والظلام ، أن نكون خير أمة أخرجت للناس لا شرها ، أن نكون دعاة سلام وقوة داعمة للذين يذودون عن الأوطان ، أن نعتدل في توجهاتنا ، وأن نعيد بناء الإنسان لمواءمة فطرته ، ليكتشف روعة ما بداخله من خير وصواب ، أن نكون بعيدين عن الجشع والخداع والتدليس والتشويه ، أن يرتقي إعلامنا بالفرد لغة وفناً وعمقاً ، أن نعود إلى أصالتنا ورونقنا ووحدتنا.
يا ترى هل هذه مجرد أحلام ؟ أم هي أضغاث أحلام؟
لا أدري إن كانت الحيادية تفجر أحياناً بركاناً من التساؤلات ، وبحراً من الأحلام ؟؟!!
* كاتبة ، تربوية