المسافة إلى الخلف !
بقلم الأستاذ / عادل الدوسري *
هل صحيح أن المسافة العكسية إلى الماضي أطول من مسافاتنا إلى المستقبل؟ إن الركض العكسي نحو التاريخ بأغراضٍ أخرى غير "التأريخ" تكشف لنا أن المستقبل يتراجع مع كل خطوة نخطوها ويعبر إلى الذاكرة.
وهذا ما يؤكد الحقيقة التي آمنت بها دوماً وهي أن النهايات مفتوحة ومتجددة ولا يمكن لأحدٍ أن يجزم بِكُنه النهاية طالما أننا لا ننتهي، ونمنح التاريخ في كل يوم ما كان بالأمس مستقبلاً...!
إن النهاية لا تكون نهاية طالما نكوِّم النهايات خلفها تِباعاً في كل لحظة، بل في كل جزء من الثانية وما دون، فحين أُغلق الباب من خلفي، فذلك لا يعني الانتهاء طالما أغلقته ومضيت وصادفت أحداثاً جديدة عشتها ثم تحولت بعد ثوانٍ معدودة إلى الماضي الذي نحب العودة إليه..!
ومن بعد هاتين القناعتين، قناعة المسافة الخلفية الأطول من مسافات المستقبل وقناعة النهايات المفتوحة دائماً تقفز إلى ذهني قناعة ثالثة؛ ألا وهي أن الإنسان يشعر بالأمان كلما كان أكثر اقتراباً من تاريخه وماضيه، ليس لأنه يعتبر بما فيه من حوادث وقصص، ولكن لأنه يشعر بتكوينه وجذوره، فلا يشعر بالوحدة، فالإنسان بلا ذاكرة وتاريخ يشعر تلقائياً بالكراهية للمستقبل، لأنه يعبر بلا جذور تعينه على الثبات والاستقرار في المنطقة الخصبة التي توفر له حاجياته من الأمن والثبات والراحة والاطمئنان، وهذه الجذور المفقودة بقدر ما توفر للإنسان حُرية التنقل بين الخيارات الزمنية والجغرافية التي تلائم وجدانه إلا أنها لا تناسب إلا فئة قليلة جدا من الناس وهم أولئك الذين يستهوون التجديد ويكرهون الجمود والثبات الذي يصيبهم بالملل..!
إذن فالمسافات حاجة،
والنهايات المُلحة ستبقى متجددة وأبوابها مشرعة للبدء دائماً من حيث توقف - أقول توقف ولست أقول انتهى - الآخرون.
الكُل يستطيع أن يبدأ، للمستقبل أو للماضي!
* كاتب صحافي وروائي