الحجاز عُمق الحضارة والتُراث
بقلم الأستاذة / سميحة القرشي *
كلنا نعلم أن أهل الحجاز مُتمسكين بموروثهم وثقافتهم ولا زالوا يمارسون ويلبسون لباسهم التقليدي في محافلهم ؛ فالعروس الحجازية تلبس الزي التقليدي في ليلة تسبق ليلة العُرس بأيام تُسمى بـِ " الغُمرة " وعند باقي المناطق " ليلة الحناء " ترتدي فيها العروس الزي الذي ترتديه نساء القبيلة قديمًا لإحياء تُراث الأجداد وعرض جمال موروثهم فترتدي العروس المكية " المسدح والمدورة والحُلي بأنواعها " ويُقدم للضيوف الطعام التقليدي وغيره مما لذّ وطاب ..
أما الرجال فلا زالوا مُتمسكين بعاداتهم وثقافتهم في إكرام الضيف والشجاعة والنخوة .. وللترحيب في المحافل طقوس ورقصات منها " التعشير والردّية والرجز والحِداء " في استقبال الضيوف من القبيلة والقبائل الأخرى وطريقة هذا الفن " الردية " أن يدخلوا الضيوف ويرحبوا بأهل المحفل بأبيات من الشعر على لحنٍ مُعين احتفاءً بهم وبدعوتهم والتعبير عن محبتهم لهم والثناء عليهم بصفاتهم التي يتميزوا بها .. بعد ذلك يقوموا أهل المحفل بتقديم شاعر من شعرائهم للرد على الضيوف بأبيات من الشعر والأهازيج على نفس المنوال ؛ وهلُّم جرا مع باقي الضيوف .. هذا ما يكون في الاستقبال ثم بعد ذلك تُمارس كُل قبيلة رقصتها المُتعارفة كالمجرور عند قُريش وهُذيل وثقيف والخبيتي والرفيحي عند قبيلة حرب ... وغيرها
فمن المعلوم أن عظمة الحجازي وترفعه عن عرض موروثه في المهرجانات المُختلطة التي تضُج بالناس من كل الأعراق أدّى لتغييب موروثه إعلاميًا ؛ فهذا من الأسباب التي ساهمت في تغييب ثقافتنا ، ولستُ أقصد بهذا تبرير دور الإعلام في عدم طرح موروثنا فذلك يقع على عاتق ثُلة من الإعلاميين من أبناء القبائل الذين يُحسبون علينا ولم يقوموا بدورهم كما يجب بل أفسحوا المجال للوافد بعرض ثقافته على أنها ثقافة حجازية كالغبانة ورقصة المزمار الأفريقية وتعميم لهجة ركيكة وإظهارها على أنها لهجة حجازية بمباركة أبناءنا للأسف !
لكن أقول لهؤلاء الإعلاميين : من لم يُعظّم موروثه وثقافته ويُقدمها لن يكون لهُ شأن وسيكون تبع لفئة هي في الأساس تابعة لنا ، ويجب أن تنصهر في مجتمعنا تتطبّع بعاداتنا وتتحدث بلساننا ولا مانع من ممارستهم لثقافتهم لكن دون فرضها على أنها ثقافة حجازية مارسها أهل الأرض ..
يا إعلاميين يا مسؤولين ألا يوجد بينكم رجل رشيد يتكفل بتصحيح كُل ذلك وذب المزمار الوثني عن عِرض ثقافتنا العربية الأصيلة والتعريف بها ؟ .. فليس من مصلحتنا أن تُلتهمم ثقافتنا وتحل دونها رواسب ثقافات الشعوب الأخرى ، فلا تُلطخوا أرضًا بنوها أجدادنا بدمائهم وأرواحهم ، أخضعوا الممالك ، فتحوا الأمصار ونشروا ثقافتهم العربية مشارق الأرض ومغاربها ، سخّروا الطبيعة والقوى واللغة فخطّوا لنا أمجادًا وتاريخًا مُشرِّفًا لا يُمكن لأحدٍ محوه من التاريخ فكونوا خير خلف لخيرِ سلف .
* كاتبة
2 pings