اكشف الغطاء
بقلم الدكتور / عثمان عطا *
ليس كل من اتقن الحروف اتقن الكلام ، الجميع يكتب والقليل يقرأ ، والنادر يفهم ، قالها ابن مالك في ألفيته :
كلامنا لفظ مفيد .. كاستقم
كلامنا محصور بين مقصود لم يفهم ، ومفهوم لم يقصد. إلى متى هذا حالنا ؟
بالأمس دار حوار بيني وبين الدكتور علي شراب حول هذا الموضوع فقال لي : "ربما لا نستطيع مكاشفة أنفسنا بعيوبنا ، لأننا لن نتمكن من نزع أقنعتنا ؛ بعدما طال زمن بقائها على قلوبنا ، وبعدما أصبح الوهم هو منظار رؤيتنا الوحيد إلى العالم، بدلا من منظار الحقيقة " .
تصرفاتنا ، كلماتنا ، مشاعرنا ، أفكارنا ، أحكامنا ، وتقييماتنا للأحداث والأشخاص والمواقف ، لم تعد تقودها حالة البحث عن الحق والنفع والخير في كل نفس وعمل ، باتت أعمالنا وكلماتنا شاهدة على أننا لم نعد يشغلنا الانسان الحقيقي الذي يعيش فينا ، ونعيش معهم وبينهم ، وإنما نعيش وشغلنا الشاغل هو رغبات الأنا التي تملأ أنفسنا .
مرة أخرى ، لم يعد الحق هو محركنا ( ونحن المسلمون الذين نؤمن بأن الحق الذي نزل واضحا جليا نستبين به سبيل الهداية ) بل محركنا هو تحيزنا وانحيازاتنا لمدرسة معينة ، أو اُسلوب تعليمي ، أو اتجاه ديني ، أو اصطفاف خلف أشخاص بعينهم .
نتحدث عن آرائنا بعبارات تراوح بين درجات من العنف والقسوة والهجوم ، ودرجات بين المرونة والنعومة والمراوغة والافعوانية والمجاملة والنفاق والتطبيل والتقديس والزهو والفخر والعجب والتعالي.
وهي أصوات لا تشبه منهج القرآن، ولا منهج رسول الله عند التعامل مع الحقائق ".
فقلت له :
للكلام فن ، وللحقيقة اتجاه واحد بوجوه مختلفة ، لا تعتمد على نظرتك وحدك للأمور فللحقيقة وجوه ، وتحضرني هنا قصة العميان الثلاثة .
" يحكى أن ثلاثة من العميان دخلوا في غرفة بها فيل وطلب منهم أن يكتشفوا ما هو الفيل ليبدؤوا في وصفه بدأؤوا في تحسس الفيل وخرج كل منهم ليبدأ في الوصف :
قال الأول : الفيل هو أربعة عمدان على الأرض !
قال الثاني : الفيل يشبه الثعبان تماما !
وقال الثالث : الفيل يشبه المكنسة !
وحين وجدوا أنهم مختلفون بدأوا في الشجار ، و تمسك كل منهم برأيه و راحوا يتجادلون ويتهم كل منهم أنه كاذب ومدع !
بالتأكيد لاحظت أن الأول أمسك بأرجل الفيل ، والثاني بخرطومه , والثالث بذيله ، كل منهم كان يعتمد على برمجته وتجاربه السابقة . وعلى ما يملك من خبرات ومعلومات ، لكن ... هل التفت إلى تجارب الآخرين ؟ من منهم على خطأ ؟
في القصة السابقة ، هل كان أحدهم يكذب ؟ ! بالتأكيد لا ! ؟ ، لو جمع أحدهم ما توصل إليه هو وما توصل إليه الأخرين لوصف الفيل بدقة !
من الطريف أن الكثيرين منا لا يستوعبون فكرة أن للحقيقة أكثر من وجه فحين نختلف لا يعني هذا أن أحدنا على خطأ ! ، قد نكون جميعا على صواب لكن كل منا يرى مالا يراه الآخر ! ، يغلبون قاعدة إن لم تكن معنا فأنت ضدنا ، لأنهم لا يستوعبون فكرة أن رأينا ليس صحيحا بالضرورة لمجرد أنه رأينا ، فلا بد من أن تستفيد من آراء الناس لأن كل منهم يرى ما لا تراه .
رأيهم الذي قد يكون صحيحا أو على الأقل مفيد لك لا تعتمد على نظرتك وحدك للأمور فلا بد من أن تستفيد من آراء الناس ، رأي صواب قد يحتمل الخطأ ورأي خطأ قد يحتمل الصواب .
* دكتوراه في إدارة الأعمال ، مدرب معتمد