قبس التنزيل من هدايات المئين و المثاني(10)
بقلم الأستاذة / مضاوي القويضي *
سأتناول شيئا من تدبر أواخر سورة الشعراء ثم سورة النمل من تفسير السعدي رحمه الله تعالى والمختصر في التفسير
( هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ ) الشعراء (221)
هذا جواب لمن قال من مكذبي الرسول: إن محمدا ينزل عليه شيطان. وقول من قال: إنه شاعر فقال: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ ) أي: أخبركم الخبر الحقيقي الذي لا شك فيه ولا شبهة, على من تنزل الشياطين، أي: بصفة الأشخاص, الذين تنزل عليهم
الشياطين
( يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ) الشعراء (223)
( يُلْقُونَ ) عليه ( السَّمْعَ ) الذي يسترقونه من السماء، ( وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ) أي: أكثر ما يلقون إليه كذب فيصدق واحدة, ويكذب معها مائة, فيختلط الحق بالباطل, ويضمحل الحق بسبب قلته, وعدم علمه. فهذه صفة الأشخاص الذين تنزل عليهم الشياطين, وهذه صفة وحيهم له.
وأما محمد صلى الله عليه وسلم, فحاله مباينة لهذه الأحوال أعظم مباينة, لأنه الصادق الأمين, البار الراشد, الذي جمع بين بر القلب, وصدق اللهجة, ونزاهة الأفعال من المحرم.
والوحي الذي ينزل عليه من عند الله, ينزل محروسا محفوظا, مشتملا على الصدق العظيم, الذي لا شك فيه ولا ريب، فهل يستوي - يا أهل العقول - هذا وأولئك؟ وهل يشتبهان, إلا على مجنون, لا يميز, ولا يفرق بين الأشياء؟.
سميت سورة الشعراء بهذا الاسم لورود ذكر الشعراء ذما لشعراء الغزل الفاحش والمدح الكاذب وهنا نقول إن الإسلامية لم يحرم الآداب والفنون وإنما قننها ووضع الضوابط والشروط لها
( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) الشعراء (224)
فلما نزهه عن نزول الشياطين عليه, برَّأه أيضا من الشعر فقال: ( وَالشُّعَرَاءُ ) أي: هل أنبئكم أيضا عن حالة الشعراء, ووصفهم الثابت، فإنهم ( يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) عن طريق الهدى, المقبلون على طريق الغي والردى، فهم في أنفسهم غاوون, وتجد أتباعهم كل غاو ضال فاسد.
( أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ) الشعراء (225)
( أَلَمْ تَرَ ) غوايتهم وشدة ضلالهم ( أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ ) من أودية الشعر، ( يَهِيمُونَ ) فتارة في مدح, وتارة في قدح, وتارة في صدق، وتارة في كذب، وتارة يتغزلون, وأخرى يسخرون, ومرة يمرحون, وآونة يحزنون, فلا يستقر لهم قرار, ولا يثبتون على حال من الأحوال.
( وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ) الشعراء (226)
( وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ ) أي: هذا وصف الشعراء, أنهم تخالف أقوالهم أفعالهم، فإذا سمعت الشاعر يتغزل بالغزل الرقيق, قلت: هذا أشد الناس غراما, وقلبه فارغ من ذاك, وإذا سمعته يمدح أو يذم, قلت: هذا صدق, وهو كذب، وتارة يتمدح بأفعال لم يفعلها, وتروك لم يتركها, وكرم لم يحم حول ساحته, وشجاعة يعلو بها على الفرسان, وتراه أجبن من كل جبان، هذا وصفهم.
فانظر, هل يطابق حالة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم, الراشد البار, الذي يتبعه كل راشد ومهتد, الذي قد استقام على الهدى, وجانب الردى, ولم تتناقض أفعاله ولم تخالف أقواله أفعاله؟ الذي لا يأمر إلا بالخير, ولا ينهى إلا عن الشر، ولا أخبر بشيء إلا صدق, ولا أمر بشيء إلا كان أول الفاعلين له, ولا نهى عن شيء إلا كان أول التاركين له.
فهل تناسب حاله, حالة الشعراء, أو يقاربهم؟ أم هو مخالف لهم من جميع الوجوه؟ فصلوات الله وسلامه على هذا الرسول الأكمل, والهمام الأفضل, أبد الآبدين, ودهر الداهرين , الذي ليس بشاعر, ولا ساحر, ولا مجنون, ولا يليق به إلا كل كمال.
أنتقل الآن إلى تدبر سورة النمل وفق ما ورد بالمختصر في التفسير
﴿هُدًى وَبُشرى لِلمُؤمِنينَ﴾ [النمل: 2]
هذه الآيات هادية إلى الحق مرشدة إليه، ومبشرة للمؤمنين بالله ورسله.
- المختصر في التفسير
﴿الَّذينَ يُقيمونَ الصَّلاةَ وَيُؤتونَ الزَّكاةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُم يوقِنونَ﴾ [ النمل : 3]
الذين يؤدون الصلاة على أكمل وجه، ويعطون زكاة أموالهم بصرفها إلى مصارفها، وهم موقنون بما في الآخرة من ثواب وعقاب.
- المختصر في التفسير
سبحان الله العظيم منزل الكتاب بآياته البينات الهادية إلى الحق واليقين والإيمان وإلى سواء السبيل الكتاب الحق الذي في هجره الضلال وسوء العافية إن اخذتموه بقوة وانصتم إلى ما فيه من الهدى فقد بلغتم بذلك المنى .
* بكالوريوس الآداب في الدراسات الإسلامية جامعة نورة بنت عبد الرحمن باحثة ماجستير في القرآن الكريم وعلومه جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية الرياض