جناية شريط
بقلم الأستاذ/ محمد بن ربيع *
في عام 1394 استمعت لأول مرة إلى الشيخ الكشك رحمه الله، كان صوته نافذا، ومواضيعه ناقدة، تناسب الجيل الذي خرج من أحلام الناصرية بخفي حنين، بعد هزيمة يونيو التي سمّاها المنهزمون نكسة، لذلك شاع ذكر الشيخ الكشك في الأقطار وسارت بأخباره الركبان، ثم انضم الكويتي الشيخ القطان إلى الكشك وتقاسم معه كعكتنا الأثيرة وبزّه في علو الصوت وتقدم عليه بنكهته الخليجية وبجرأته التي كانت تشعل حماس جيل العتمة، لكنا كنا نشتري أشرطة الشيخين من البائع ذاته الذي يبيع أشرطة الموسيقى والغناء.
شبت تلك الأشرطة عن الطوق، تكاثرت حتى أوصلت لأسماعنا أصواتا ما كنا نعرفها، ثم انفصلت عن منصة البيع التقليدية وباتت لها منصاتها الخاصة، ثم أصبحت سمة للالتزام، ورأينا من يهدي عدة أشرطة مقابل إعدام شريط من أشرطة الغناء، تنوعت مواضيع تلك الموجة من الأشرطة، بين السخط على ما وصلت إليه أخلاق الخليقة وبين قضايا سياسية تمتد من أقصى الهم إلى أقصى الغم، بين قضايا فقهية تقليدية وقضايا غير تقليدية، وسمعنا من حرّم الأكل في صحاف الخشب التراثية مالم نتأكد من سريرة الذين سبقونا بالأكل فيها.
وكان الشاب يومها يستمع إليها في السيارة والباص، في البيت والدكان، في النادي وصالون الحلاقة، يستمع للشريط ثم ينقلب إلى أمه وأبيه داعية مفتيا قاضيا وهو لا يحفظ جُمَل الأذان والإقامة.
* كاتب وأديب سعودي