مشهد بلا أستحقاق
بقلم الكاتبة / فاطمه عوده الحويطي
في صباحٍ صيفي يُنذرُ بنهارٍ حارٍ وشمسٍ ساطعةٍ تخترق أشعتها زجاج السيارات التي تراصت بنظام بجانب بعضها البعض ينتظر أصحابها بتأهُّبٍ اللون الأخضر لينطلق كلاً منهم إلى حيث يريد، كُنت قد استقريتُ بهدوءٍ على المرتبةِ الخلفيةِ وعينايَ تجولُ بهدوءٍ في الناسِ من حولي، فرحت أتأمل وأتفكر بأحوالهم، بالتأكيد منهم من يثقلُ صدره الهموم، وأحدهم ينتظر خبرًا سعيدًا، ومنهم من خرج من منزله بلا وجهة لا يعلم إلى أين يذهب، مختلفون في ظروفهم كاختلاف ألوان سياراتهم وموديلاتها، وبينما أنا سارحة تعالت أصواتٌ صاخبةٌ أصابتني بفزعٍ شديد، نظرت إلى يميني وإذا بشخصٍ ذو هندامٍ أنيقٍ ترى عليه علامات الوقار والرقي الخارجي فقط يكيل الشتائم بغضب وعينين يتطاير منها الشرر لعاملٍ ضعيف البنية والشخصية أيضًا يقف صامتًا لا يحرك ساكنًا، لم يدم ذلك طويلاً حتى انهال عليه بالضرب والركل والعاملُ يحاول تغطية وجهه ورأسه بذراعيه مستسلمًا استسلامًا تامًا لهذا الرجل الذي أفقده الغضب إنسانيته والتي بدَوري أشكُّ أنه يمتلكها من الأساس، ازدحم الناس حولهم لتخليص هذا العامل الضعيف من وطأة الظلم والإهانة التي تلقَّاها أمام هذا الحشدِ من الناس، ولكن ما إن فُضَّ الاشتباك حتى لمع اللون الأخضر معلنًا انتهاء الانتظار وانتهاء هذه المعركة التي خسر فيها أحدهم إنسانيته والآخر كرامته، حقيقةً لم أنتبه لسبب المشكلة من الأساس حيث أنني كنت أنظر في الجانب الآخر ولا أعرف على من يقع الخطأ، ولكن ومن خلال مراقبتي لهذا المشهد وما رأيته من ضعف العامل واستسلامه للضرب والشتائم وأنه لم ينطق ببنت شفة سوى دموع عينيه التي كانت تسيلُ في صمت، حينها تيقنت من أمرين؛ أولًا: كنت قد ظننت أن العنصرية أو الفوقية قد تلاشت وأصبح الناس أكثر وعيًا ورقيًا وتحضرًا في التعامل مع من هم مختلفون عنهم لكن وبكل أسفٍ خاب ظني، خاب ظني حينما رأيتُ هذا الرجل يصف العامل بوصفٍ مقذعٍ ويُعايِره بجنسيته، ليؤكد لي بأن العنصرية باقية إلى أن تقوم الساعة، والأمر الآخر الذي كنت قد آمنت به إيمانًا تامًا -والذي زاد إيماني به بعد رؤيتي لهذا المشهد- هو أنه لن يتعدى عليك الآخرون ويمارسون قوتهم سواءًا اللفظية أو الجسدية إلا إذا سمحت لهم، فهذا العامل ترسخ في ذهنه فكرة أنه ضعيف وأنه أقل من غيره بالتالي هو لايحق له أن يُدافع عن نفسه ولابد أن يصمت ما إن تعرض للإهانة لأنه غريب وفقير، إذًا فهو -باعتقاده- لا يملك حق الدفاع عن نفسه ومحاولة أخذ حقه، وهذا الموقف سوف يتكرر معه مئات المرات مالم يُقرر أن يثور لكرامته ويعرف قدر نفسه ويدافع عنها بكل ما أوتي من قوة حتى وإن كان خصمه أقوى منه بمراحل، حال هذا العامل لا يختلف كثيراً عن حال بعض ممن حولنا هكذا استحقاقهم النفسي متدني جدًا لأسبابٍ كثيرةٍ قد يعود بعضها لطفولتهم أو مراهقتهم إذ أنهم قد أصبحوا أشخاصًا غيرَ مقدِّرين لأنفسهم، ضعيفين أمام من يظنون أنهم أقوى منهم رافعين لهم راية الطاعة والخضوع ضاربين بحقهم في الاحترام عرض الحائط، لا شيء يمكن أن يُقال لهم إلا أن من يرضى بالإهانة فهو يستحقها.