نحو مجتمع أرقى.. المبتعثون والمجتمع
بقلم : د. نجوى مرضاح المري *
لا شك أن الناس يختلفون بآرائهم اتجاه الابتعاث إلى الخارج فمنهم المؤيد ومنهم المعارض على الرغم من أن الهدف من الابتعاث واضح جدا وضوح الشمس وهو التسلح بسلاح العلم والعودة لبناء الوطن. على كل حال مقالتي هذه ليست لتقييم الجدوى من الابتعاث ولكن لإعطاء رؤيه بسيطة من تجربتي مع الابتعاث والمبتعثين كخطوة لوضع حل نحو مجتمع ارقى. من تجربتي البسيطة، وجدت أن المبتعثين حين وصولهم لدولة الابتعاث لا إراديا تراهم أحد ثلاث فئات. الفئة الأولى ، وهي فخر الوطن بلا منازع، تحافظ على تعاليم دينها وتتمسك بتطبيق أركان وتعاليم الدين مهما كانت الصعوبات التي يواجهونها. علاوة على ذلك، هذه الفئة تأثرت بالغربة تأثير ايجابي من حيث التعلق أكثر بدينها ووطنها ومن ذلك المنطلق تحاول جاده لنيل أعلى الدرجات والعودة للمجتمع الذي يشتاقون إليه شوق المحب لحبيبه. نعم هي علاقة حبيب بحبيبته فهؤلاء المبتعثين يرون الإيجابيات في مجتمعهم ويعشقونها ويرون أيضاً السلبيات ويفكرون كيف يصلحونها فالعلاقة علاقة حبيب مسؤول يريد البقاء والازدهار لمعشوقته .
الفئه الثانية هم من ينصهرون انصهارا كاملا في بوتقة المجتمع الغربي فينسون دينهم وعرفهم ويصبحون مسلمين بالاسم فقط. هؤلاء المبتعثين، هداهم وهدانا الله، نسوا أنهم تربوا على صوت الآذان يصدح في آذانهم خمس مرات يوميا، نسوا مقررات الدين التي تعلموها منذ نعومة أظافرهم. هؤلاء المبتعثون يرون مجتمعهم كقطعة من جهنم ولا يرون فيه إلا أنه وحل من السلبيات. ببساطة ، هم تجردوا من مجتمعهم قلبا وقالبا وعند عودتهم للوطن تراهم متذمرين منحلين من قيمهم الاجتماعية والدينية ويركزون على تغيير المجتمع ليكون نسخة من المجتمع الغربي.
أما الفئة الثالثة فهي امتداد للفئة الثانية ولكن بتغيير بسيط. فالمبتعثون تحت مظلة هذه الفئة ينبهرون بمعالم وقيم المجتمع الغربي وينصهرون فيه طالما هم متواجدون في ذلك المجتمع ويعودون لعاداتهم وقيمهم الدينية والاجتماعية ما إن تهبط بهم الطائرة على أراضي الوطن. هؤلاء المبتعثون أصبحوا إما في عراك نفسي أو نفاق اجتماعي. أصبحوا يخافون من المجتمع أكثر من مخافتهم من الله؛ أصبحوا يظهرون مالا يبطنون والعياذ بالله.
من هنا أتساءل ما الذي جعل هؤلاء المبتعثين تحت مظلة الفئه الثانية أو الثالثة وليست الفئة الأولى التي هي ما نطمح إليه ويحتاج إليه وطننا الحبيب؟ هل هو بسبب الفهم الخاطئ للدين والقيم الاجتماعية على أنها محصورة في مجتمع بعينه وقابله للتغيير بتغيير المجتمع؟ هل الممارسات الدينية ما هي إلا طقوس مفروضة وليست نابعة من حب عميق لله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ؟ هل هؤلاء المبتعثون يؤدون تعاليم دينهم في مجتمعهم بسبب الأسلوب الذي بُني على الأمر والنهي لا بالإقناع والحوار وما إن تلاشت هذه الضغوط والأوامر أصبحوا صوره مختلفة تماماً عما تربوا عليه؟
الأمر خطير ويستدعي إيجاد حلول جذريه. بإعادة التفكير في طريقة تربيتنا لأبنائنا. نحتاج أن نغرس حب الله و رسوله في قلوب أبنائنا أولا حتى يكونوا مستعدين بل ومقبلين لممارسة التعاليم الدينية لكسب رضا الرحمن.
لابد أن نحفزهم لأداء هذه التعاليم بالترغيب لا بالترهيب كأن تقول لابنك تعال صل معي لندخل الجنة سويا بدلا من أن تقول له إن لم تصلي ستدخل النار.
لا بد أيضاً أن نلغي ما يقوله الناس عنا ونظرة المجتمع من قاموس مفرداتنا ومعايير التأديب لدينا ونُرسخ مفهوم هل هذا العمل حرام أم حلال هل القيام به سيرضي الله أم لا كمعايير جديدة تُرسخ بعمق أن مفهوم المعاملات الدينية والاجتماعية والشخصية قائمه فقط على رضا الله ورسوله.
إذا كان هدفك هو بناء مجتمع أرقى، لابد أن تسعى لفهم مواطن الخلل ومسبباته حتى يتسنى لك إصلاحه فليس الخلل هنا الابتعاث للخارج فهو بل شك خطوه مهمة لتطوير المجتمع.
أيضاً، لابد هنا من إيضاح نقطة مهمة وهي أن هؤلاء الفئات قد تراهم في المجتمع حولك وليست حصرا على المبتعثين. فإذا رأيت مبتعث، ابن، جار أو صديق قد غرق في الملذات ونسي دينه ومجتمعه لا تنظر إليه بعين الازدراء ولكن ادعي له بالهداية ولنفسك بالثبات والمغفرة فقد تكون أنت، كأب، مدرس وفرد في المجتمع، من تسببت في ذلك وأنت لا تدري!!
*دكتوراه إدارة عامة وموارد بشرية