زقزقةُ الضفادع ..!!!
بقلم الأستاذ / أحمد النجار *
لم يصدقْ عندما وصلَ إلى البيت الريفي الذي استأجره ليستريح مؤقتاً من ضوضاء المدينة وصخبها المُرهق , لم يُصدق حجم الفرق في الهدوء والسكينة بين المكانين ونقاء الهواء وصفاء الطبيعة ..!!!
وعندما حلَ المساء توجهَ إلى فراشهِ ليخلدَ إلى النوم .., وماهي إلا لحظات حتى بدأ نقيق الضفادع يخترقُ بكل عنادٍ مسمعه ليطرد النوم بعيداً عن عينيه ..!!, حاول أن ينام ودون جدوى , والنقيق يزداد ويزداد حتى ظنَ أن في الخارج مليون ضفدعٍ وضفدع ..!!
تملكه الغضب من كل شيء , من الفكرة نفسها , من الريف , من المالك الذي غرر بهِ ولم يخبره بجوقة الضفادع , وبالتأكيد من الضفادع ..!!
قرر فجأة أن ينزع عنه الغطاء وأن يخرجَ للضفادع عله أن يطردها أو على الأقل أن يخفف عددها الضخم .., ومن أن وصلَ إلى البركة التي بجوار المنزل حتى شاهدَ ضفدعين فقط ..!!!, لم يصدق عينيه , أكل هذا الازعاج من ضفدعين اثنين فقط لاغير ؟!!
وقف مذهولاً غارقاً في الدهشة مما حدث حتى أشرقت الشمس .., ثم توجه ثانيةً إلى منزله , وماإن فتحَ باب المنزلِ حتى التفتَ نحو الأشجار التي خلفه وأصغى السمع لزقزقة العصافير , نظرَ فإذا العشرات والعشرات من العصافير وبكل الألوان تشدو أجمل الألحان ..!! سأل نفسه مستغرباً : كيف لم أنتبه لهذا التغريد العذب من هذه الأعداد الضخمة من العصافير الجميلة , وسمحتُ لمجرد ضفدعين صغيرين قبيحين أن يُفسدا عليَّ حياتي ؟!!
سأجيب أنا - بعد إذنكم - نيابة عن بطلِ قصتي التي ألفتها حتى أوصِلَ بها فكرةً عندي إلى حضراتكم ..
بطلُ قصتي أنتِ أو أنتَ , وصخب المدينة المُرهق موجودٌ في داخلنا الغير منظم والذي سمحنا للكثير ممن حولنا باحتلال مساحاتٍ مؤثرةٍ فيه , والريف الساكن الهادئ الحالم هو تلك اللحظات النادرة التي نمنحها لأنفسنا بعيداً عن كل شيء ..
لو نظرنا إلى من يُنغصُ علينا حياتنا - الضفادع - من أشخاص وأحداثٍ وظروف , لوجدنها قليلةً محدودةً , ولو نظرنا إلى من يملأ حياتنا فرحاً وحباً وبهجةً - العصافير - لوجدناهم أكثر بكثير ..!!, ولكن لأننا ركزنا على الضفادع ولم نتجاهلها بل وأحضرناها معنا إلى ريفنا الساكن , أصبحنا نشعرُ أن هذه الضفادع كثيرة العدد عالية الصوت , بل وأنها غطت على أعداد العصافير الجميلة الكثيرة ذات الصوت العذب في حياتنا ..!!
كان من المُفترضِ أن نتجاهلَ الضفادعِ ونقيقها , بل وإذا علمنا أن نقيقها هو الذي يصنع فينا التحدي ويمنحنا القوة ويهبنا عيوبنا على أطباق من ذهب , فدائماً كنتُ أقول : لاناقد أجود نقداً من حاقد وحاسد ..!!
وأن ظروفنا الصعبة والمُزعجة هي التي تصنع نجاحنا وتميزنا , لو علمنا كل ذلك لسمعنا صوت الضفادعِ زقزقةً عذبةً كخطوةٍ أولى نحو تجاهلها لتتلاشى وللأبد من حياتنا وننعم بريفنا الهادئ الساكن الحالم ..وبزقزقة عصافيره الجميلة الألوان ..
ولو استسلمنا للنقيق فسنسمعُ كل صوتٍ من حولنا نقيقاً , حتى العصافير سنسمع نقيقها لا زقزقتها ..!!