النداء المرهق!
بقلم الأستاذ / عادل الدوسري *
النداء الأول مرهقٌ جداً، فكل تلك الصرخات التي كانت تذرع المسافات، وتشقُ بواطن الاتجاهات القديمة والجديدة والناتئة على جوف القصيدة، كقندس مذعور يحفر سده بسرعة وذهول هي نداءاتي المذعورة، التي راحت تتقصى عنك في كل الحدود الجغرافية والزمانية قبل أن أدرك حقيقة هامة، هي أن كل مسافاتي واتجاهاتي تنجذب إليَّ، ولم يتبقى في كينونتي سوى صرخة النداء التي أرهقتني دون أن تغادرني قيد أنملة!
الغريب في الأمر أنني لم أشعر برغبة في المقاومة، تمسكت بهزيمتي الأولى كما يتمسك الإنسان بدهشته الأولى، ربما كان ذلك ناتجاً عن شعوري بأن ندائي المتكور في قالب (صرخة) بليد جداً أمام هيمنة الزمن، ولا يسعه أن يجاريها. لقد كنت أعتقد بالهزيمة أي نعم، ولكن كنت أعتقد أيضاً أن صرختي التي لن تعود إلا منكسة الرأس سوف تترك على الأقل في كل اتجاه بذرة، أعود يوماً وأنا خائب المسعى فأجد لي أغصاناً تظلني في كل حدب وصوب، حتى وإن كانت أغصاناً هشة جداً!
الآن بعد سنوات من النداء الأول (المهزوم) أشعر بترسباته المحزنة في جوفي، تحاول أن تخلق اتجاهاً جاذباً للهزائم في أرجاء جسدي، وهذا ما حصل حقاً، فقد صارت كل الاتجاهات واحدة وعكسية، ثم فقدت ظلي، ثم بدأت أنزح إلى الوحدة التي يهرب الناس منها، وتحولت إلى المنفى العام لكل خسارة!
عاد ندائي بعد أن شاب، محاولاً شحذ همتي دون أن يفطن لشكله الهرم اليائس، فقلت:
ذرني وحيداً!
* كاتب