نحو مجتمع أرقى.. رسالة إلى فلذات أكبادنا
بقلم : د. نجوى مرضاح المري *
أتتني امرأة باكية منهارة وتقول قد ضاع عمري في تربية ابني وها أنا اليوم أخسره ولدي فلذت كبدي ، قد ظننت أني زرعت مخافة الله بين عينيه و محبته في قلبه ليكون شابا صالحا ولكن أخفقت في ذلك ، كنت أظن أن الإجبار على الصلاة هو الطريق الصحيح لتعويده عليها إيمانا مني أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولكن هيهات ما زرعته ذهب هباءً ، وأصبحت الصلاة عند ابني كثوب العيد يُلبس في مناسبات معدودة . لم تعد الصلاة تلك الشعيرة والركن الأساسي من أركان الإسلام عبادة واجبة ولا حتى عادة قد تعود عليها. أراد ابني أن يجرب ما لذ وطاب من ملاهي الدنيا من باب التجربة ، ونسي ما تعلمه من آيات وأحاديث تنهى عنها بل تحرمها.
حالة هذه الأم يرثى لها فقد رأيتها جثة هامدة و جسد بلا روح ، قد خذلها ابنها . كما استوقفتني هذه الأم كثيرا و لابد أن تستوقف كل أم وأب ، نعم كل أم وأب فنحن قد نظن أن أبناءنا بعيدين عن هذه الأفعال بحجة أننا قمنا بتربتهم التربية الصحيحة ولكن في الحقيقية قد نُفجع في يوم كهذه الأم ونندم في يوم لا ينفع الندم.
أنا لا ألوم هذه الأم وكيفية تربيتها لابنها ولكن أفكر كيف نجعل أبناءنا أكثر قربا إلى الله يخافونه أكثر مما يخافون أبويهم أو المجتمع ، فما الحل؟؟ أقول لنفسي أولا ولكل أم وأب أصلحوا أنفسكم ليصلح أبناؤكم فقد حفظ الله مال الأيتام لأن أبوهما كان صالحا كما ورد في سورة الكهف ونحن نسأل الله دوما أن يحفظ أبناءنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
أيضا، لابد من تعويد أبنائنا على الصلاة ومخافة الله بغرس محبة الله أولا في نفوسهم فهم يصلون حتى يتقربوا إلى الله أكثر ، يعملون الصالحات لأنهم يريدون أن يتقربوا أكثر إلى الله ويبتعدون عن المحرمات ليجتنبوا غضب الله ويخسروا رضاه وقربه فهو الحبيب ورضاه أقصى المنى .
التركيز على الصلاة هي الطريقة الأنسب لتربية أبنائنا التربية الأمثل فهي تدريب تأهيلي. الكاتب أحمد العمري في أحد كتبه أبدع في تمثيل الصلاة بالدورة التدريبيه حينما قال " إقامة الصلاة هي إقامة دورة تدريبية تستغرق عمرك بأكمله منذ أن تبلغ سن الحلم ؛ إنها دورة تدريبيه تلتزم بحضورها خمس مرات كل يوم، تقصيرك في الحضور سيؤثر حتما في أدائك خارجها ، حضورك فقط لمجرد الحضور ليُشطب اسمك من سجلات الغائبين سيؤثر أيضا في أدائك خارجها. حضورك دونما تركيز، دونما اهتمام لقيمة التدريب أو لأهميته فيما تفعله بعدها سيؤثر حتما في أدائك وعلى دورك . إقامة الصلاة هي فعلا من أجل ذلك، من أجل أن تكون مؤهلا لما كان السبب في خلقك "
ومن هنا، أوجه كلماتي إلى أبنائنا قائلة لهم:
من أجل رضا الله ومن ثم والديكم من وضعوا فيكم الآمال ومن أجل مجتمعكم الذي لن يُبنى ولن يكون أرقى من غير صلاحكم، وعيكم ورقيكم.. اتقوا الله واجعلوا محبته في قلوبكم وأعدوا انفسكم بأن تكونوا مؤهلين لعمارة الأرض وبناء المجتمع من خلال النظر إلى الصلاة وتأثيرها بنظرة مختلفة عما عرفتموه مسبقا. وأخيرا أقول لكم أنتم فلذات أكبادنا لا تخذلونا مهما قصرنا في تربيتكم لأن التقصير غير مقصود نحبكم و نسأل الله أن يحفظكم دوما وأبدا.
*دكتوراه إدارة عامة وموارد بشرية