ازدواجية المفاهيم
بقلم الإخصائية النفسية /خلود الحارثي*
شيوع الحوارات المتعلقة بالعلوم الزائفة والدخيلة على علم النفس ..
زعزعة الثقة العلمية باتت مخيفة!
هناك عدد من الأشياء التي تم تحويرها من التخصص العلمي ل"علم النفس" وتغليفها بشكل جاذب لعاطفة المُستقبل..
هناك نظريات نفسية تزخر بمصطلحات ومفاهيم عالية الفعالية رغم قدمها في الممارسات النفسية ؛ولكن اثبتت جدواها إلى اليوم. فعلى المختص التسلح وزيادة الثقة وعلى المطلع والخالط زيادة وعيه وربطه وإعادة نظره لنظريات علم النفس الأساسية وليفرّع منها ماشاء ويضيف بناء على مناهجها العلمية مايضفي للعلم شيء مبهر.. وعلى المتلقي أن يصغي لكل ما يقدم له ويحكم بمراجعه العلمية فالعلم المنهجي هو القائم على الدراسات العلمية والأبحاث التجريبية لإثبات فرضياته وتحديد نظرياته والبدء بتطبيق نتائجه أو توصياته.
كمثال بسيط لأهل التخصص النفسي لإبعاد الخلط والإضافات الدخيلة ،تحدث "مايكينبوم" في العلاج السلوكي المعرفي عن آلية الحديث الداخلي للفرد وكيفية تأثيره عليه وعلى انفعالاته بنحو ايجابي أو سلبي كا احدى عوامل مسببة لإضطراب الفرد النفسي أو توافقه ،لوضع تصورات متسقة المعنى رغم عدم وجود معيار لما يقوله الفرد لنفسه هنا، وكذلك نظرية "إليس ،وبيك ،... وآخرون" وإن عدنا لإرثنا التاريخي الإسلامي لوجدنا "ابن القيم ، الغزالي" تحدثوا بذلك عن الخواطر وتكوينها للسلوك.. وفرقهم عن مؤسسي النظريات من حيث المعيار أن مرجعهم واحد وثابت (القرآن والسنة) لمن أراد مراجعة هذا الجزء.
وكذلك في ماينادي بتطوير الذات وُجدت اساليب توكيدية للذات في عدد من النظريات النفسية والشخصية وخصوصاً السلوكية ولكل منها اسلوب يوافق حالات الآخرين "لعب الدور ،الاسطوانة المشروخة ،تنطيق المشاعر...وغيرها.
فلم يذكر العلم النفسي عن طاقات كونية تنبعث من النفس! كونه علم ممنهج وفق دراسات علمية واضحة الخطوات في الظواهر وتقنينها وقياسها..
ولاننسى أن الانسان كائن معقد فكيف لنا بطاقات كونية وبرمجة ليس لها مفهوم علمي واضح؟! أن تصيب احدهم فتكون نظريته أو اسلوب ينادي به البعض لتغيير البشر واقدارهم وكأنهم قوالب (رادار) ما أن تآلفوا مع الشحنات حتى جذُب لهم مايريدون وهم في رحلة جري وراء هذه الاساليب .. لتعود احداهن إلي بإحباط وفقدان عظيم للثقة العلاجية كونها فعلت كل شيء عدا أنها لم تنظف من الهالة السلبية "الحسد،الزعل ،الشر" من داخلها!
على أن جميع الانفعالات هي حق للبشر وأن يعيشوها ويختبروها ويعيدوا تقييمها بالطرق السليمة "كالتنفيس ،الاسترخاء ،إعادة البنية المعرفية ،التوكيد الذاتي ... " وغيرها الكثير حتى يصلوا لمرحلة التوافق النفسي لا كما يزعمون التطهير والتنظيف! ومآله لمن لم يستطيع اليأس..
حتى في الشر توبة وفي الحسد نوعين ومنها الغبطة ومن الزعل والخصام مايكون الإعفاء والتصافح قبل شيوع مسميات التسامح والشفاء التسامحي!
والأدهى والأمرّ من يجعل الاضطرابات النفسية هي عقوبة بنظر من لم يحسن استقبال الطاقة الكونية والتعامل معها بالامتنان والشكر في مقابل عدم الرضا واليأس!
ومن الناحية العقدية الإسلام جاء مكمل لكل مايدعم الحاجات النفسية التي قد تطرأ على البشر من خالق البشر وهو العليم.. لذا العالم الإسلامي أو المتدين يحظى بالإشباع الروحي الذي يفتقده العالم الغربي وهو المعتمد على المادية فوجود مثل تلك العلوم بالنسبة لهم مثابة اشباع الروح ومحاولة اعطاء معنى داخلي إلى المحيط بالتأمل ، اليوغا ، وغالب الممارسات المنسوبة إلى الديانة البوذية!
الظن بالله خيراً ، التفاؤل وعدم التطير ، الحديث الايجابي عن الذات وعبارات التقدير لها وتوكيدها ،ممارسات العلاج الاسترخاء التنفسي والعضلي ،وفنيات التفريغ الانفعالي .... جميعها سابقة في الدين ثم نظريات علم النفس.
ولانفتقر ولله الحمد للوعي الذي يجعلنا ننقح ماهو مناسب وماهو دخيل قد يُشكك به بإذن الله خصوصاً نحن يا أهل الاختصاص.
ولإثارة فكرية:
التعمق بالعلاج بالواقع "لجلاسر" نظريته الاختيار ،منطقة الخواص ،وبقية المفاهيم وفهم محتواها جدير بمعرفة مواقع التحوير!
فلا يوجد في علم النفس الأصيل (طاقات كونية ،قوانين جذب وتجاذب ،تنويم ،اسقاطات نجمية حال التأمل الكلي وبقية الإدعاءات بتطوير الذات الكاذب المتجاهل لمشاعر الفرد السلبية الطبيعية لبعض المواقف والظروف ومتجاهل معالجة الصدمات المؤثرة في كبت تلك المشاعر)
فلكل داء دواء .. وبالتظافر مع الأطباء والأخصائيين في شتى المجالات سيخلق لك طريقاً من الحياة الصحية النفسية والجسدية فالعديد من التخصصات كفيلة بمعالجة العديد من الأمراض وكون المرض النفسي له رعاية واهتمام وليس لأي من كان قدرته على التعامل معه إلا بعد عدد من المعايير والوثائق والمؤهلات العلمية المناسبة للحالات التي يراها.. عند شعورك بإضطراب ما راجع الطبيب النفسي ، الاخصائي النفسي ، الأخصائي الاجتماعي ،يحمل تصنيفه للممارسة وشهادة تؤهله ،فلا تتبع حسابات مزيفة فتقع في فراغها تائه.
وعلم النفس ليس محتواه اضطراب وعلاج ،بل يكمن في الوقائية ،استشارات ،وصقل مهارات وبناء شخصيات فعّالة من خلال مهارات التوكيد ،التواصل ،الدوافع والحوافز ،خطوات التفكير وما إلى ذلك من اتجاهات مختلفة في علم النفس.
فأغلى ما تملك هي صحتك فلا تضعها قيد فئات تدعيّ تلك العلوم الزائفة بل خذها من أصحاب الاختصاص.
جاء هذا المقال لكف التصادم الدائم بين حقيقة علم النفس وعلاقته بالعلوم الزائفة وشيوع تلك الأفكار بين العامة.
* كاتبة ،عضوة في رابطة كاتبات الغد