طنجرة الضغط
بقلم : أ. جولان رشاد الواوي*
هل سبق وراقبتم طنجرة الضغط ؟ (القِدر أو الحلَّة)
إنها تحبس البخار بطريقة مُحكمة ،، كي تعمل على إنضاج الطعام في وقت أسرع ،، وعندما (تُصفّر) تعطي إنذاراً بازدياد الضغط فيها ،، يجب أن تقوم (بتنفيسها )على مهل ،، حتى تُفرغ كل ما فيها ،،
ثم تفتحها ،، وتستمتع بوجبتك ..
المرأة في الغالب تستيقظ عند الخامسة فجراً تعبُ جرعة كافية من الهواء وتستعد لاحتواء ثورة أطفالها بسبب ايقاظهم في وقت ذلك المبكر-غالبا تكون هي نفسها عاجزة عن الصحو لانها نامت متأخرة -
هذا نسي أن يعدّ حقيبته ،، وذلك فقد جاكيته والأخرى تبكي لأن شعرها صعب التسريح ، تُمارس الأم كل مهارات التواصل والإقناع والتودد وقد تلجأ للصراخ عند اقتراب موعد الخروج،، ثم تضعهم في حافلة المدرسة ثم تستودعهم الله، وتبدأ باخراج (البخار) المكتوم من خرم إبرة ،،
تبدأ في تدبير شؤون المنزل وإعداد الطعام والصراع مع الذات ،، ناهيك عن المرأة العاملة التي تدخل في سباق مع الزمن لتنجز ما يمكنها إنجازه قبل الخروج،،
فجأة يتبخر الوقت، بين المطبخ والغرف الهائجة المائجة ، ومكالمة الأهل وتفقد الجيران ،، الثياب في كل مكان ،،الألعاب في حالة هيجان ،، الأوراق والكتب مختلطة .
تسحب نفسها بشق النفس فالربما عليها هي ذاتها ان تذهب لإحضار أطفالها..
تعود الكتيبة الأولى ،، محملة بغضب النهار ،، بكاء تذمر تعب ،، هذا يكره الدجاج وذلك يرغب بالمعكرونة وآخر أزعجه الأولاد في المدرسة ،، بينما يقاوم أحدهم النوم وتقف الام في وجهه كهادم اللذات ،، لا للنوم ،، ستسهر في الليل وتتأخر في الصباح وتفسد أسبوع كامل يا ولدي ،،
حالة من الغليان أثناء التدريس ،، حشو للمعلومات ،، رفع للمعنويات ،، صراخ ضحكات لعب ،،
فنجان قهوة مسائي لشحن الطاقة ،، غالبا ما يُترك أو ينسى على طاولة جانبية ،،
الزوج آخر الواصلين ،، أهلا بالضيف ،، فاتتك كل الحفلات ،،
تحضير وجبة أخرى ، تصنّع الابتسامة ،، الانتقال من دور الام والمعلمة وهادم اللذات ،، الى الزوجة المطيعة والجميلة والمرحة ،،
تبدأ محاولة التحكم في درجة صوت الأطفال ،،
ويحين موعد العشاء،، الله المستعان ،، آخر الحفلات ،،
تحاول المرأة أن تبدأ بالتنفيس ،، لكنها تنسى إطلاق الصافرة ،،
ابنك أغضبني ابنتك أتعبتني ،، كلّم المدرسة ،، اذهب للسوق ،، ادفع الأقساط ،، لماذا لم تكلمني اليوم !!!!
الصفارة تعلن أقصى درجات التمرد ،، ولا يسمعها أحد ،،
الزوج أيضاً مشغول بهموم العمل والمصاريف والواجبات العائلية ،، حضر بنفسه حفلات أخرى على مستوى متقدم من التوتر والضغوط ،، يحتاج مساحة لل_لاشيء
،، يطمع بكوب شاي ،، ومساحة من الصمت ،، العبث بالريموت او تقليب كتاب ،،،
الصوت يصمّ الآذان ،،
لا أحد يصبر على الآخر حتى يخرج كل ما كظمه أثناء النهار ،،
بوووووم
تنفجر الحوارات ،، كلاهما متعب ،، كلاهما محتقن ،، وكلاهما يحتاج الى التنفيس ،،
عزيزي الرجل : تحمّل قليلا فقط ،، الشكوى هي لمجرد الشكوى ،، المرأة لا تريد منك أية حلول ،، هي مسيطرة على الوضع تماماً ،، انها تحاول التنفيس فقط ،، دعها تتذمر وتشتكي ،، أخبرها بأنك تتفهم متاعبها ومخاوفها ،، قل لها بأنها امرأة عظيمة ،، غازلها قليلاً ،، قد تنفع وصفة ( يبدو انك خسرت بعض الوزن مؤخراً) او ( ماذا فعلت ليبدو وجهك بهذا الإشراق) أو (كل يوم تصغرين وتزدادين جمالاً) كن مبدعاً وخلاقاً ،، قل لها بأنك ستأخذ الأولاد في نزهة وتتركها تعمل ما تحب ،، لا تحدد يوماً ،، لا يهم
لقد كان خطأها الوحيد في أنها لم تطلق الصافرة أولاً ،، عندما بات الضغط لا يُحتمل ...
عزيزتي المرأة : حاولي بطريقة أو بأخرى أن تجدي فسحة من الوقت خلال النهار ،،، أخرجي القليل من البخار بطريقة مختلفة ،، مكالمة مع صديقة ،، تعلّم مهارة جديدة ،، المشي في الهواء الطلق ،، التوقف عن ممارسة دور الجندي المجهول ،، او اصبري بعض الوقت حتى يملّ الرجل من تقليب قنوات التلفاز ويسألك عن الأخبار ،،
أعرف مدى صعوبة ذلك ،، ولكن النتيجة تستحق المحاولة ،،
طنجرة الضغط التي تُفتح قبل الأوان قد تتسبب بحروق واصابات بالغة ،، لا يمكن شفاءها بسهولة ،، أطلقوا الصافرة في الوقت المناسب ،، وليعمل كلاكما على تنفيس الآخر بحذر ،،
ثم استمتعا بسهرة لطيفة خالية من تبادل الاتهامات وافتعال المشاكل ..
*كاتبة وروائية ، إعلامية ومدربة في تطوير الذات والتنمية البشرية
3 pings