ممّ نخاف ؟
بقلم / خولة سامي سليقة *
كنت منذ مدة في حديثٍ ممتعٍ مع إحدى الصديقات حول عمل روائيّ عربيّ جميل ،فأرجعتْ عدمَ تصريحنا أو عدمَ قدرتنا على التّعبير عما يجول في خواطرنا، إلى قسوة الطبيعة الصحراوية أحيانا سيما إن كان حباً ،و أعدتهُ إلى الخوف بدوري ففسّرتْ ذلك بأني أتيتُ من بلدٍ أو بيئة مشبعة بالخوف و التسلط ،لذا أجد الخوف عاملا مؤثرا .
و ما قلتُ الخوف عبثا ،فبالإضافة إلى انعدام الأمن الفعليّ الذي يهدد مشاعرنا فينتهي بالكبتِ ،و هذا أمر واقعٌ ،فإن الخوفَ لا يكون فقط في هذه الحال ،لأنه قد يكون خوفا من الآخر ،من عدم تقبلهِ و احترامه لما سيسمعه ،خوفاً من صحة الفعل بصورةٍ عامةٍ أو خطئه ،إذ تختلفُ المعاييرُ باختلاف المعطيات ،خوفا من أن يهزّ هذا التعبيرُ صورة المرءِ في نظرِ الآخرِ ،خوفا من استغلالِ الأمر كنقطةِ ضعف ، أو مسوّغا للعقاب .
لكنّ الحقيقةَ الأكيدة ،أننا نستطيعُ التعبير عن سخطنا أو امتعاضنا ،سخريتنا أو غضبنا في كثير من الحالاتِ دون وعي ،لكنْ لنعبّرَ عن المشاعرِ الجميلة نفكّر ألفَ مرة ! و إن رأينا هذا التردّد عند الصغارِ ،فما علينا إلا أن نكون خير متلقٍ لبوحهم، أن نمدّ لهم أيدينا ليعرفوا روعةَ ما يقومون به ،حينما يكونُ التعبير عن الحب خيرَ هدية ،و سعادةً للمرسل و المستقبل ،بل شفاءً لكليهما .
و أثارني موقفانِ في نهاية العام حول هذا ،أولهما :حين أقبل عليّ أحدُ طلبتي الصّغار يحملُ دفترا في يده ،ليقولَ لي: ( انظري يا معلمتي هذه أنت ،رأيتُ صورتك بينما كانتْ تقرأ أمي مجلة المعلّم ،بحثتُ في المجلاتِ الأخرى و جمعتُها) وإذا به قد قام بقصّ مجموعة من مقالاتي في المجلة و ألصقها في دفتر حملهُ إليّ بفرح يقرأ لي عنوانا هنا و كلمة هناك مزهوّا .
و الثاني : حين اقترب مني عامل النظافة قرب منزلي ،و هو شاب نشيط مهذبٌ، اعتدت أن أسلم عليه كل صباح ،أسأله عن حاله و أهله ،أتقاسم معه بعض ما أنعم الله به علينا ،و سألته عن سرّ غيابه ،فأخبرني أنه حين عاد من السفر نُقل إلى مكان آخر ،و قد أعيد إلى هنا ،ثم وصف لي مقدارَ سعادته عندما رأى صورتي ،سألته أين رآها ؟ قال : في كتاب ،فرفعت الصحيفة لأرى إن كان يقصدها ،فأومأ بالنفي ، و كانت مجلة المعلم قربي فرفعتها عاليا ،فأشار بالإيجاب ،أنه رآها بيد معلم يقوم بقراءتها ،فعرفني و أسعده الأمر .
أعلم أنه لم يعرف ماذا كتبت في المجلة أو غيرها ،لكن عناني أني كتبت في نفسه أشياء جميلة ،جعلتهُ يعبّر عما يجولُ في خاطره .
( دعوا أحبتي ابتساماتكم خير مُستقبل ... لأجمل رسالة ) .
* روائية وكاتبة