العمل التطوعي والأنشطة الطلابية سبل لتجفيف منابع التطرّف والارهاب
بقلم / أ.د بشرى إسماعيل أحمد أرنوط
العمل التطوعي ضرورة في مجتمعنا الإسلامي ولقد زادت حاجة المجتمعات إليه في السنوات الأخيرة نظراً لما أفرزه التطور الحضاري والمعرفي من تغيرات ساهمت في ظهور العديد من المشكلات في مختلف جوانب الحياة وزاد من معاناة الفرد مما جعل هناك حاجة ماسة لتكاتف الجهود للمؤسسات الحكومية وغير الحكومية لخفض معاناة الانسان ومساعدته على حل مشكلاته التي يعاني منها. فالعمل التطوعي عمل حر وممارسة انسانية وسلوك اجتماعي يقدمه الفرد بكامل رغبته واختياره، فيضحى بوقته وماله وجهده أو علاقاته للقيام بعمل ليس مسؤولاً عنه أو مطلوباً منه، دون مقابل مادي ولكن من أجل تجسيد مبدأ التكافل الاجتماعي، ويعتمد العمل التطوعي على الخبرة والمهارة ولا يشترط الاعداد العلمي المسبق له.
والعمل التطوعي حاجة فطرية يجسد الرغبة في فعل الخير واشباع لدافع التعاون مع الأخرين ومساعدتهم، فقد قال تعالى } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الحج:77).
وسلوك التطوع يتعلمه الفرد وينشئ عليه وينمو معه منذ نعومة أظافره، بل وأن من علامات الصحة النفسية التي أشار إليها العالم ألفريد أدلر هو الاهتمام الاجتماعي وارتباط أهداف الفرد الشخصية ورغبته بالتفوق بأهداف المجتمع الذي يعيش فيه، مما يحقق الشعور بالانتماء والتوحد مع الطبيعة واكتساب المهارات والمعارف الجديدة، لأن المتطوع هو شخص لديه كفاءة ومهارة وخبرة معينة في أداء واجبات اجتماعية تطوعية اختيارية.
فالعمل التطوعي لاشك أن له تأثير ايجابي فعال على شخصية الطلبة، إذ يساعدهم على تحقيق الذات، ويحررهم من قيود الروتين اليومي الممل، ويساعدهم على إشباع حاجاتهم الاجتماعية وتكوين علاقات اجتماعية سليمة قوامها الحب والايثار والتعاون وانكار الذات، كذلك يساعدهم في الحصول على الحب والتقدير والاحترام من الآخرين، وتنمية الشعور بالانتماء والولاء للوطن، ويحقق لهم الرضا عن النفس والشعور بالتفاؤل والسعادة والأهمية والاستقرار واكتساب توجه ايجابي نحو ذاته والاخرين. هذا بالإضافة إلى أن العمل التطوعي ينمى لدى الطلبة الاحساس بالمسؤولية، وزيادة الوعي والاندماج بالمجتمع الذي يعيش فيه. كما تساهم مشاركة الطلبة في هذه الأعمال التطوعية والأنشطة في صقل شخصيتهم، ويساعدهم على ممارسة اعمالهم الميدانية والمهنية فيما بعد بكل كفاءة ومهارة. ويعد التدريب الميداني الذي يؤديه الطلبة كأحد متطلبات بعض البرامج الأكاديمية أحد اساليب العمل التطوعي، حيث فيه يقدم الطالب والطالبة أعمال والعون والمساعدة العلمية المتخصصة لأفراد المجتمع باختلاف أماكن التدريب سواء المستشفيات او مراكز التأهيل الشامل أو المدارس ومؤسسات الرعاية الاجتماعية وغيرها.
ومن منطلق أن الشراكة المجتمعية أحد معايير جودة مؤسسات التعليم، اقترح أن تنشأ في وزارة التعليم إدارة تسمى بـ ( إدارة العمل التطوعي) تكون تابعة لشؤون الطلاب في كل مدرسة أو كلية، تقوم بتنظيم وتخطيط ومتابعة الأعمال التطوعية للطلبة والموظفين، والاشراف عليه، والاهتمام بإثارة دوافع أفراد المجتمع الجامعي للعمل التطوعي وابراز الأعمال التطوعية التي تقدمها الجامعة، ورعاية المتطوعين وتسهيل اجراءات الراغبين في العمل التطوعي وتشجيعهم بتقديم شهادات التقدير والأوسمة، وتذليل العقبات أثناء تقديم الخدمات التطوعية، وكذلك فإن هذه الإدارة تتطلب تحديد هيكلها الاداري والتنظيمي، ووضع اللائحة التنظيمية لها، والاهتمام بتدريب المتطوعين وتزويدهم بالمعارف والمهارات التي يحتاجون لها لممارسة الأنشطة والأعمال الخيرية. كذلك فإن هذه الادارة تحدد رؤيتها ورسالتها وأهدافها وخطتها الاستراتيجية لتقديم الأعمال التطوعية في كافة المجالات التربوية والاجتماعية والبيئية والثقافية والمهنية، ومن ثم فإن المؤسسة التربوية ستكون قادرة على تقديم خدمات تطوعية تساهم بفاعلية في تنمية المجتمع وأفراده لا تقل عن الجهات الحومية الأخرى.
وكلما إزداد تقديم الأعمال التطوعية في المجتمع، تحسنت أحواله الاقتصادية والاجتماعية والصحية والمهنية، وتحققت رفاهية أفراده، ومن ثم يجب أن تكون وزارة التعليم حريصة على تطوير برامجها الدراسية بالتعاون مع وكالة الجودة، وإعادة توصيف المقررات الدراسية بحيث تتضمن أهدافها ومحتوياتها تنمية العمل التطوعي لدى الطلبة، وأن يكون من أساليب تقويم المقرر تقديم الطالب للخدمات والانشطة التطوعية وليكن ( 10 درجات) وذلك في ضوء أساليب التقويم الشامل الحديث، مما يكون لدى الطلبة اتجاه ايجابي نحو العمل التطوعي الخيري ويشعره بأهميته للفرد والمجتمع.
وبهذه الطريقة نقلل من المشكلات النفسية والاجتماعية التي يعاني منها الطلبة، بل ونقيهم من الوقوع في براثن التطرف الفكري، ونبني جسور واقية لهم من الارهاب. إذ أن العمل التطوعي أسلوب فعال في استثمار طاقات الشباب وشغل أوقات فراغهم وتنمية للاهتمام الاجتماعي والاحساس بالآخر، ويبني جيلاً سوياً نفسياً واجتماعياً وروحياً ونحقق رفاهية الفرد والمجتمع، وتهذيب شخصية الطلبة والتخلص من عقلية الشح واستبدالها بعقلية الكسب الاعظم والوفرة، وتحقيق مبدأ الايثار والجسد الواحد.
وفي النهاية يمكن القول بأن الأنشطة الطلابية والأعمال التطوعية تعني تجفيف منابع التطرف والارهاب، لأن الطلبة اصبح لديهم مصدر مقبول اجتماعياً ومرغوب للتنفيس عن الطاقات المكبوتة من جهة، ومن جهة أخرى لديهم ما يملي فراغه، إذ أن أهم ما يساعد على التطرف والانضمام لجماعات الفكر الضال عدم تفعيل الأنشطة المتنوعة للشباب تستثمر أوقات فراغه ويغير أسلوب حياته من الخاطئ إلى السليم، ويجعل الطالب أو الطالبة كشمس تحترق من أجل أن يصل دفئهاونورها لجميع البشر بنفس القدر، فالعمل التطوعي يسهم بنسبة كبيرة في علاج الكثير من مشكلات الطلبة التربوية والنفسية والاجتماعية لأنه يصقل الشخصية ويخلصها من التفكير السلبي والتردد والأنانية والعزلة الاجتماعية.
أستاذ علم النفس الإرشادي بكلية التربية جامعة الملك خالد
8 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓